المؤتمرنت -
الأزهر : نرحب بالحوار مع الكنيسة ولا نستجديه
قرر الأزهر خوض جولة جديدة من الحوار الديني مع الكنيسة الأنجليكانية في مقر مشيخة الأزهر في القاهرة في فبراير/ شباط المقبل.
واتخذ شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي القرار خلال زيارته لبريطانيا ولقائه بالدكتور روان ويليامز رئيس أساقفة كانتربري، في محاولة لتحريك المياه الراكدة بين الأزهر والمؤسسات الكنسية، بعد الجمود والتوتر في أعقاب تصريحات البابا بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام في محاضرته الشهيرة في سبتمبر/ أيلول 2006 التي أثارت غضب المسلمين في كل بقاع الأرض، وتبعتها إدانات من بعض الحكومات والمؤسسات الإسلامية وطولب البابا بالاعتذار عنها.
وقال طنطاوي لصحيفة”الخليج”الاماراتية: إن الأزهر لا يرفض الحوار مع أية مؤسسة مسيحية في العالم، وسبق ووقع اتفاقات حوار وتعاون مع الفاتيكان والكنيسة الأنجليكانية في بريطانيا، وهو يحترم اتفاقاته ومعاهداته، ويرحب بالحوار مع الجميع، انطلاقا من موقف الإسلام الثابت والراسخ كدين يدعو إلى التسامح والرحمة والإخاء الإنساني، لكن الأزهر لن يستجدي حوارا مع أحد، ولن يتخلى عن الثوابت الشرعية إرضاء لأحد، ولن يسكت علماؤه عن إهانة أو تطاول من أحد، مهما كان اسمه أو منصبه، يحاول بها النيل من الإسلام.
وحول موقفه الآن من زيارة الفاتيكان تلبية للدعوة التي سبق ووجهها له البابا، قال طنطاوي إن البابا أساء للإسلام بتصريحات واضحة، ورددت عليه وقتها، وجاء سفير الفاتيكان في القاهرة لزيارتي، ليؤكد احترام الفاتيكان للإسلام، واقترح تقديم دعوة للبابا لزيارة الأزهر وإلقاء محاضرة أو زيارة شيخ الأزهر للفاتيكان ولقاء البابا، ووعدنا بدراسة الأمر، لأن ردود فعل المسلمين الغاضبة على تصريحات البابا كانت في أوجها في ذلك الوقت، ولم يتم الاتفاق على شيء في ما يتعلق بزيارته للأزهر أو زيارتي للفاتيكان، فالمسألة ليست في زيارات متبادلة بقدر ما هي في رغبة حقيقية في الحوار والتعاون لمصلحة الشعوب الإسلامية والمسيحية في العالم، ولا بد أن يتخذ الفاتيكان خطوات أكثر إيجابية، لمد جسور الثقة مع المسلمين.
مبادئ تفاهم جديدة
ويؤكد الرئيس السابق لجامعة الأزهر ورئيس لجنة الشؤون الدينية في مجلس الشعب (البرلمان المصري) الدكتور أحمد عمر هاشم ضرورة الاتفاق على مبادئ تفاهم وتعاون جديدة، قبل استئناف أي حوار بين الأزهر والفاتيكان، فتجارب اللقاءات والاجتماعات السابقة بين علماء الأزهر وممثلي الفاتيكان كانت مخيبة للآمال، والتطلعات الكبيرة التي كان ينتظرها المسلمون والمسيحيون من الحوار والتعاون بين أكبر مؤسستين دينيتين في العالم، والدليل أن البابا الحالي دمر كل الجهود السابقة في تصريحات أكدت أن الفاتيكان لا يزال ينظر إلى الإسلام وإلى مقدسات المسلمين نظرة خاطئة ويردد كبار رجاله معلومات خاطئة، ولا يقتصر الأمر هنا على البابا وحده، فقد تبعت تصريحاته تصريحات أخرى عدوانية، آخرها ما ردده الكاردينال جان لويس توران مسؤول الشؤون الإسلامية في الفاتيكان وزعم فيها أن الحوار مع المسلمين غير مجد، طالما تمسك المسلمون بأن القرآن الكريم نص إلهي لا يجوز نقده، ووحي إلهي مقدس، وتساءل هاشم: “كيف نتحاور مع أناس يتعاملون مع ديننا وقرآننا بهذا المنطق؟ وكيف يتحقق التفاهم والتعاون بيننا وبين أناس لا يعترفون بديننا ولا يعترفون بقدسية قرآننا؟!”.
يؤكد الدكتور عبد الفتاح الشيخ، الرئيس الأسبق للجامعة الأزهرية والعضو البارز في مجمع البحوث بالأزهر الذي يمثل هيئة كبار العلماء، أن حوار الطرشان الذي بدأ مع الفاتيكان منذ توقيع وثيقة الحوار والتفاهم بين الجانبين في 28 مايو/ أيار 1998 لم يحقق أية نتائج إيجابية، لأنه كان مجرد مظاهرات إعلامية وسياسية، ولم يحدث حوار حقيقي حول قضايا محددة.
ويرفض الشيخ أن يستأنف الحوار على هذا النمط من الاجتماعات واللقاءات التي يغلب عليها الطابع الدبلوماسي، وتحتوي على خداع واضح للمسلمين، فهم يلتقون بنا ويهاجمون كتابنا المقدس ويتطاولون على نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم، وهم يعلنون ترحيبهم بالحوار معنا ولا يعترفون بديننا، وهم يخدعوننا بعبارات المجاملة ويتركون حكوماتهم الغربية تمارس كل وسائل القهر والاضطهاد ضد المسلمين في أمريكا وأوروبا، وهم يؤكدون ضرورة نشر قيم التسامح والرحمة وحقوق الإنسان، ويتركون العسكريين الغربيين يشنون حملات عسكرية ظالمة على الدول الإسلامية.
حوار طرشان
من واقع تجاربه وخبراته كرئيس للجنة حوار الأديان في الأزهر، يؤكد وكيل الأزهر الأسبق الشيخ فوزي الزفزاف صعوبة استئناف حوار حقيقي بين الأزهر والفاتيكان في المرحلة الحالية، فالبابا الحالي لا يؤمن بالحوار مع المسلمين، ويشاركه في هذا الرأي الشيخ عمر الديب الذي ترك رئاسة لجنة حوار الأديان الأزهرية منذ أيام لبلوغه سن التقاعد، حيث يؤكد الأخير أن الحوار الحقيقي بين الأزهر والفاتيكان لم يبدأ بعد، وأن الجهود التي بذلها البابا السابق يوحنا بولس الثالث لبناء جسر من الثقة بين الفاتيكان والمؤسسات الإسلامية في العالم، وفي مقدمتها الأزهر دمرها البابا الحالي، بنديكت، أولا بإلغائه منصب وزير شؤون الحوار في الفاتيكان، وثانيا بتطاوله على الإسلام في محاضرة ألمانيا الشهيرة، وهدد بها الأمن والسلم العالميين حيث أشعل الغضب في نفوس المسلمين في العالم كله، وللأسف لم يعتذر أو يتراجع عن اتهاماته للإسلام ورسول الإسلام حتى اليوم.
الاعتذار
ويرى عضو مجمع البحوث في الأزهر المفكر الإسلامي د. محمد عمارة أن للفاتيكان مواقفه الثابتة من الإسلام وعقيدة المسلمين، وهذا لا يختلف بين بابا وآخر، فالبابا السابق على الرغم من عدم عدوانيته الصارخة للإسلام التي بدت بوضوح على البابا الحالي منذ توليه مهام منصبه الديني، لم يعتذر للمسلمين عما ارتكب في حقهم من جرائم خلال الحروب الصليبية في العصور الوسطى، على الرغم من اعتذار الفاتيكان والبابا السابق شخصيا لليهود، مع أن حقائق التاريخ تؤكد أن اليهود هم الذين أساءوا للمسيحيين، وليس العكس. ويضيف عمارة إن البابا الحالي أساء إلى الإسلام إساءة بالغة بكلمات واضحة وصريحة، وعلى الرغم من حالة الغليان التي عاشها المسلمون في كل بقاع الأرض وحالة الاستنكار والاستنفار، إلا أن بنديكت لم ينطق بكلمة واحدة يتراجع فيها عن تصريحاته العدوانية. وبذلك نكون أمام سياسة ثابتة للفاتيكان تجاه الإسلام، تقوم على عدم الاعتراف وانتهاز كل الفرص للإساءة لهذا الدين، وعدم الاكتراث بردود فعل المسلمين.
ويوضح الدكتور محمد المسير أستاذ العقيدة في جامعة الأزهر المفكر والداعية الأزهري البارز أن التحفظ على استئناف حوار بين الأزهر والفاتيكان لا ينطلق من ثوابت عقيدية ترفض الحوار مع الآخر، فالحوار دعوة إسلامية رسخها القرآن الكريم بكلمات واضحة وصريحة “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء”.. ومصدر هذا التحفظ عدم جدوى التجارب السابقة، فكل ما تم بين الأزهر والفاتيكان مجرد زيارات متبادلة ولجان واجتماعات أهدرت فيها أموال الأزهر وجهود وأوقات علمائه من دون نتيجة حقيقية على أرض الواقع، حيث لم يستفد المسلمون شيئا من هذا الحوار على الإطلاق، فالحوار بين جماعتين يهدف أولا وأخيرا إلى إرساء أسس التفاهم والتعاون بينها، ونبذ كل مظاهر الإساءة ووقف العدوان والاعتراف بالحقائق وإعادتها إلى أصحابها، والاحترام المتبادل لثوابت وعقائد الآخرين.
ويضيف المسير ولو قارنا أحوال المسلمين الآن بأحوالهم قبل بدء هذا الحوار لوجدنا أن الغرب المسيحي يضطهدهم الآن أكثر من أي وقت مضى، والحملات العسكرية على العالم الإسلامي تتواصل، وإهدار حقوق المسلمين وإراقة دماء الأبرياء منهم يتضاعفان على أيدي دعاة الحضارة الغربيين، وتطاول رجال الدين المسيحي على القرآن والإسلام ورسول الإسلام لم يتوقف، بل بلغ قمته في الشهور الأخيرة، فأين هي نتائج الحوار؟
تفويت الفرصة
على الرغم من كل هذه التحفظات هناك أصوات أزهرية ترحب بالحوار وتدعم كل فرصة ممكنة للتلاقي والتفاهم مع رجال الدين المسيحي في الغرب لإزالة رواسب الماضي، وفتح صفحة جديدة لتفاهم حقيقي وفعال، وأيضا لتفويت الفرصة على دعاة الوقيعة بين الشعوب الإسلامية والشعوب المسيحية، وينطلق أصحاب هذه الرؤية الهادئة من أن الصدام لن يحل مشكلة، وسيضاعف من معاناة المسلمين في الغرب، ويؤجج مفاهيم صراع الحضارات التي أطلقها وروج لها كتاب ومفكرون وسياسيون صهاينة، يخططون للوقيعة بين أصحاب الحضارتين الإسلامية والغربية.
ويتبنى هذا الموقف وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصري المفكر الدكتور محمود حمدي زقزوق ويقول: إن “الحوار هو الحل” وتيار التعصب الغربي ضد الإسلام لا يمثل حقيقة الموقف الغربي تجاه الإسلام، فهناك تيار معتدل يتعامل مع الإسلام بموضوعية وحيادية، وينصف الإسلام كتابات ودراسات كثيرة ويمثل هذا التيار رجال سياسة ومفكرون ورجال دين بارزون، وإن كان هذا التيار المعتدل لا يحظى باهتمام إعلامي، ولا يجد العون من وسائل الإعلام والثقافة الغربية التي تسيطر عليها جماعات صهيونية، هدفها الوقيعة بين الغرب والعالم الإسلامي.
وعلى الرغم من تباين وجهات نظر المؤيدين والمعارضين لاستئناف الحوار بين الأزهر والفاتيكان، فإن الموقف الرسمي للأزهر لا يزال غامضا، وينتظر إشارة بدء إيجابية من مسؤولي الفاتيكان.