نصر طه مصطفى -
اليمن في 2007 والخروج من أخطر الأزمات
مر اليمن بإحدى أصعب سنواته المعاصرة معاناة خلال العام 2007 فهذا العام وإن بدأ مبشراً بالكثير، إلا أنه بالكاد أخذ يطوي أوراقه باستخدام الكثير من المهدئات بانتظار معالجات كاملة يمكن أن تأتي في العام الجديد، لكن ذلك قد لا يجعلنا نتفاءل كثيراً من الناحية السياسية باعتبار أن 2008 سيشهد منذ نصفه الثاني على الأقل بدء التحضيرات للانتخابات النيابية التي ستجري في ابريل/ نيسان من العام الذي يليه، إلا أن التفاؤل وارد من الناحية الاقتصادية من خلال الشروع في تنفيذ عدد من المشاريع الاستثمارية الكبرى التي تتدفق على اليمن بهذا الحجم والتي تقودها شركات خليجية يأتي عدد من الشركات الإماراتية الكبيرة في مقدمتها، كما أن إنجاز الحكومة اليمنية لاتفاق إنشاء شركة مشتركة مع (موانئ دبي) لإدارة ميناء عدن الاستراتيجي ومنطقته الحرة هو في حد ذاته أحد أسباب التفاؤل التي يفترض أن تقود اليمن إلى وضع اقتصادي أفضل على طريق تأهيله للاندماج في اقتصاديات مجلس التعاون الخليجي تنفيذا لقرارات قممه المتعاقبة.
بدأ العام 2007 على اليمنيين مبشراً بخير كثير بعد أن انتهت معركة الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر/ أيلول 2006 على خير كونها شهدت تنافساً حاداً وحقيقياً بين الرئيس علي عبدالله صالح ومرشح المعارضة فيصل بن شملان، وعلى الفور انعقد مؤتمر المانحين بلندن أواخر العام نفسه برعاية خليجية وعلى إثره بدأ الإعداد لمؤتمر فرص الاستثمار في اليمن برعاية خليجية كذلك. وأراد الرئيس صالح أن يسبق المؤتمر بإجراء تغيير حكومي شامل كجزء من استحقاق الفوز الذي حظي به هادفاً إلى بث المزيد من الآمال لدى المواطنين اليمنيين الذين يعتبرون التغيير الحكومي هدفاً في حد ذاته بغرض محاولة تطوير الأداء الحكومي في كل المجالات. وبالفعل فقد نالت الحكومة الجديدة التي رأسها الأكاديمي الاقتصادي الدكتور علي مجور بثقة البرلمان قبل أيام قليلة فقط من التئام مؤتمر فرص الاستثمار أواخر شهر ابريل/ نيسان الماضي والذي شهد تدفقاً غير مسبوق من الشركات الخليجية للاستثمار في اليمن في حدث هو الأول من نوعه. ولا شك أن التفاؤل عم أوساط اليمنيين كون تدفق الاستثمارات هو الحل الأفضل لخروج اليمن من عنق الأزمة الاقتصادية العميقة، فمجيء شركات خليجية ودولية كبرى للاستثمار في مختلف المجالات كفيل بتوفير الآلاف من فرص العمل والحد من البطالة ومن ثم التحسن التدريجي في اقتصاديات البلاد الذي يحتاج لسنوات من العمل الدؤوب وتفكيك كل معوقات الاستثمار من روتين وفساد واختلالات أمنية.
وبعد انتهاء مؤتمر الفرص الاستثمارية بأسابيع قليلة بدأت أزمة المتقاعدين العسكريين المنتمين للمحافظات الجنوبية مصحوبة بتصعيد في قضايا ملكية الأراضي السكنية، وأخذت الأزمة الاجتماعية أصلاً تأخذ أبعاداً سياسية مثيرة للقلق كون بعض الأطراف قامت بربط القضايا المطلبية بمسألة استمرار الوحدة اليمنية، ولاشك في أن الأزمة لفتت الأنظار إلى وجود مظالم حقيقية حدثت خلال السنوات السابقة في قضايا التقاعد بعضها لأسباب سياسية وأغلبها لأسباب تتعلق بالفساد أو سوء الإدارة، كما أن قضايا تمليك المساكن والأراضي هي الأخرى لفتت النظر إلى مظالم حقيقية ضلعت فيها مافيات فساد حقيقية، ناهيك عما تراكم منها خلال عهود الصراع السياسي التي بدأت منذ أوائل سبعينات القرن الماضي وانتهت بحرب صيف 499_. وفيما تشكلت لجان وزارية لمعالجة قضايا المتقاعدين ونجحت في حل الكثير منها فإن الرئيس علي عبدالله صالح قام بتشكيل لجنة برئاسة نائبه (عبدربه منصور هادي) الذي ينتمي لمحافظة أبين الجنوبية لحل مشكلات الأراضي والمساكن ميدانياً والتي ما زالت لم تنه أعمالها حتى الآن بسبب شدة تعقيد بعض القضايا، الأمر الذي استدعى توجه الرئيس صالح نفسه إلى عدن في وقت لاحق من أواخر العام حيث قضى فيها حوالي شهرين تمكن خلالها من معالجة كثير من القضايا وامتصاص الكثير من الاحتقان السياسي وأنهى كل أسباب التوظيف السلبي ضد الوحدة اليمنية نتيجة قضايا الأراضي والمتقاعدين العسكريين الذين عاد الآلاف منهم للعمل ودفعت الحكومة اليمنية لهم ما يوازي ثلاثمائة وخمسين مليون دولار كتعويضات وحقوق سابقة.
عد كثير من المراقبين أزمة صيف 2007 أخطر بكثير من أزمة صيف 1993 التي حدثت وما زالت مآسي ومخلفات الصراعات الدامية في الجنوب قبل الوحدة حاضرة تماماً في أذهان أبناء محافظاته الذين وقفوا تلقائياً ومبدئياً ضد مشروع الانفصال الذي تبناه بعض قادة الحزب الاشتراكي حينها، فيما جاءت الأزمة الأخيرة بعد ثلاثة عشر عاماً من الأزمة الأولى حيث وجدت أجيالاً جديدة لم تعد تعرف أي شيء عن ماضي التشطير نفسها تلقي باللوم على النظام القائم الذي لم يكن أمامه سوى سرعة معالجة الإشكاليات واحتوائها حتى لا يستفيد منها دعاة التشطير، ولا يزال أمام الحكومة اليمنية الكثير الذي ينبغي أن تقدمه وتقوم به لمعالجة هذه المشكلات التي زادها اضطراما أزمة ارتفاع الأسعار التي شهدتها معظم الدول العربية بسبب هبوط سعر الدولار، وارتفاع سعر النفط وانعكاسات كل ذلك على أسعار السلع الرئيسية التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية. فقد بذلت الحكومة اليمنية جهوداً كبيرة مثل معظم الحكومات العربية لاحتواء أزمة ارتفاع الأسعار وسعت تحديدا لتوفير كميات كبيرة من مادة القمح تحديداً، ومع ذلك فإنها كلما ظنت أنها قد عالجتها تفاجأ بعودة الأزمة مجدداً، وزادها قلقاً سعي أحزاب المعارضة لتوظيف أزمة ارتفاع الأسعار ضد الحزب الحاكم كجزء من الاستعداد المبكر لنيابيات ،2009 إلا أن الخلاف بين الحكم والمعارضة حول مشروع التعديلات الدستورية التي تقدم بها الرئيس علي عبدالله صالح إلى البرلمان سيأخذ المساحة الأكبر من اهتمام الطرفين كما تدل المؤشرات خلال العام الجديد، إلا أن اليمنيين لن يعطوا مثل هذا الخلاف قدراً كبيراً من اهتمامهم، فالأهم بالنسبة لهم هو بدء التدفق الفعلي للاستثمارات الكبرى على بلادهم وهو ما بدأ يظهر جلياً، فقد علمتهم السنوات السابقة أن السياسة (لا تؤكل عيش) وأن الاقتصاد له الأولوية وأن من يريد ثقة الشعب اليمني عليه أن يحسن من أدائه الاقتصادي أياً كان انتماؤه.
*عن الخليج