نجيب غلاب -
مصالحة من أجل الكراهية وسفك دم الآخر
ملتقيات التسامح والتصالح تحمل عناوين جميلة ومعاني راقية، ولكن يظل السؤال الأهم هو التصالح والتسامح من أجل ماذا؟ ما هي الأهداف المستبطنة التي تحملها تلك اللقاءات والمهرجانات؟
ولفهم طبيعة تلك المهرجانات لابد من فحص وفهم الرؤية السياسية التي تحكم المنظمين والساعين من أجل التسامح والتصالح، ولابد من كشف الخلفيات التي تقود الحراك، وعندئذ يمكن فهم تلك المهرجانات، ووضعها في سياقاتها الطبيعية، فالشعارات الجميلة والقيم والمبادئ المرفوعة ليست وحدها كافية لفهم الحدث، لذا فلابد من الغوص في العمق وكشف المخفي خلف الستار.
بادئ ذى بدء بعد أن عجزت النخبة التي خسرت مواقعها في السلطة في مواجهة مشاكلها وحل أزمتها والحفاظ على مصالحها وبعد ان نبذتها الجماهير لم تجد أمامها إلا محاولة لملمت صفوفها تحت شعارات فضفاضة ومغرية، وهدفها الفعلي من تلك اللقاءات هو رص الصفوف للمواجهة القادمة بمعنى ان يتسامحوا عن سفك الدماء فيما بينهم من أجل التأسيس لسفك دماء الآخرين.
من يعرف صراع السياسية في اليمن يدرك أن الذين قادوا الصراعات في تاريخ الجنوب يرفعون شعار التصالح والتسامح لا من أجل حقن الدماء ولكن من أجل الإعداد لمعركة قادمة، إنها لقاءات تؤسس للاحتراب والقتل وسفك الدماء ، هي لقاءات محكومة بعقلية عصبوية رافضة للآخر ومتحدية له لأنه ليس جنوبي، وتتحدث عن عنصرية جغرافية غريب أمرها وحديثة فكرتها، لكنها تحمل في طياتها العنف والدمار.
ومما لا جدال فيه أن هذه المؤتمرات تؤسس في فعلها ونتائج أعمالها للكراهية والحقد، تبحث عن الدماء من خلال التسامح عن الدماء التي سفكت، كما أنها في جوهرها مصالحة قائمة على تحدي دولة الوحدة وتحمل في مضمونها رغبة في مواجهة من يقاوم أهدافها الانفصالية لذا فإنها في نهاية المطاف متناقضة مع الشعارات التي ترفعها.
ونسأل هنا ماذا يعني ان "دم الجنوبي حرام على الجنوبي" هل يعني تكملة للعبارة أن دم الشمالي حلال زلال أنها السياسة وانتهازيتها المصالح وأنانيتها إنها الحرب الباحثة عن دماء ولكن هذه المرة جنوب ضد شمال.
نجحوا سابقا في خداع مريديهم وهاهم مستمرون في خداع الناس بالشعارات الفضفاضة أنه الخبث والدهاء في توظيف المبادئ والأهداف السامية في حلبة الصراع السياسي والخطير والفساد والكفر أن يتم تحويل الناس باسم القيم والمبادئ إلى أدوات في محرقة المصالح الأنانية.لذا نرى أن المصالحة والتسامح والصفح والعفو عندما ترفع في مؤتمرات تؤسس للاحتراب والقتل والدمار فان القيم التي يتم الحديث عنها والشعارات المرفوعة تفقد معناها.
ومن المؤكد أن هذه اللقاءات لا تقاوم الاستبداد ولكنها تؤسس للاستبداد ولا تبحث عن العدالة والمساواة ولكنها تؤسس للظلم والتمايز هي في جوهرها محكومة بنزعة عنصرية كلها كراهية وحقد، ومن جانب آخر ان لقاءات المصالحة مازالت محكوم بعقدة أصحابها وهي السلطة والثروة التي فقدوها، وثقافتهم ووعيهم يقوم على الصراع ولم يتغير حتى الآن ولكن صراعهم في المرحلة الحالية مؤسس بوضوح على عصبية عنصرية باسم الجغرافيا وهم مبدعون في تجنيد وتوظيف الأبرياء في صراعاتهم المحمومة من اجل السلطة.
لماذا لا يتم بث ثقافة التسامح والمواطنة المتساوية وتشكيل مؤتمر وطني يشمل اليمن كله يطالب بتجاوز كل الصراعات ويتسامح مع الجميع في كل الصراعات التي حدثت في اليمن قبل الوحدة وبعدها؟
لماذا لا يتم العمل من أجل مصالحة وطنية شاملة محكومة بمعايير وقيم وأهداف الحركة الوطنية بكافة تياراتها؟ مصالحة وطنية لتجاوز الصراعات والخادمة للدولة الواحدة الجامعة، أما المصالحة التي تكتل طرف ضد طرف آخر فإنها مصالحة فاسدة تحمل بذور فنائها في عمقها لان الكراهية هي من أسس لها وهي قائمة على وعي القبيلة أنا ضد ابن عمي وأنا وابن عمي على العدو.
لماذا لا يتم الحديث عن مصالحة شاملة مع كل الأطراف أما مصالحة أطراف بعينها فأنها مصالحة محكومة بالرؤية السياسية لأصحابها وهي في التحليل النهائي فيما يخص اللقاءات التي تنظمها أطراف المسألة الجنوبية مصالحة محكومة بوعي انفصالي، ناهيك أنها تؤسس لانقسام عميق داخل المجتمع اليمني في الجنوب فأبناء أبين أنفسهم مثلا سينقسمون ويتصارعون من اجل الوحدة في مواجهة أبناء أبين الانفصاليين وسيتحارب الوحدويين في اليمن كله مع المتصالحين من اجل تدمير الوحدة انه الضياع وفقدان البوصلة لاتجاهاتها.