علي ناجي الرعوي -
بعد أحداث الشغب في عدن أي ديمقراطية نريد؟
كشفت أحداث الشغب والتخريب - التي شهدتها مدينة عدن مؤخراً والتي قوبلت من معظم النخب السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني بالإدانة والاستهجان والتنديد بما أفضت إليه من أفعال وممارسات صبيانية طائشة أدت نتائجها إلى سقوط العديد من الضحايا الأبرياء- الاستغلال البشع الذي تتعرض له التجربة الديمقراطية اليمنية من قبل البعض، وهو ما يتأكد في مضمون الطلب الذي جرى بموجبه الترخيص لإقامة ما يسمى بـ«مهرجان التسامح والتصالح» المشفوع بتأكيد مقدمي هذا الطلب على أن الفعالية لن تخرج عن إطار حق التعبير السلمي عن الرأي المكفول دستوريا وقانونياً لجميع مكونات المجتمع، وهو المضمون الذي تعاملت معه السلطة المحلية في محافظة عدن بمسؤولية عالية.. إلا أن ما حدث تحت تلك اليافطة قد مثل انتهاكاً صارخاً لقيم ومبادئ الديمقراطية .
حيث عكست الممارسات والخطاب الذي رفع في هذه الفعالية أن الهدف من وراء ذلك التجمع ليس التصالح والتسامح ولا غيره من الغايات ذات الصلة بهذا الشعار المغدور به.. بل إن الامر المقصود من وراء ذلك المهرجان الذي حشد له من خارج محافظة عدن بعض الغوغائيين والبسطاء من الناس الذين غرر بهم من قبل قيادات حزبية في المعارضة يسيطر عليها الهوس السياسي والفكر الشمولي وهيستيريا التطرف والغلو وحب السلطة، كان خلق حالة من الفوضى وتعكير الحراك الذي شهدته مدينة عدن على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري.
وأمام هذه الحالة من الاستغلال الخاطئ المسيئ لدلالات الديمقراطية فإن الضرورة تقتضي وجود توافق مجتمعي حول شكل الديمقراطية التي نريدها وعلى أي نحو نرغب في ممارستها خاصةً بعد أن أظهرت بعض المواقف أن هناك من يسعى لتفصيل الديمقراطية وفق أهوائه ومنظوره ومصالحه ومقاييسه.. ويمكن معرفة هذه النوعية من توجهات بعض الأحزاب التي لا تجد حرجاً في الوقوف إلى جانب كل عمل أو تصرف يؤدي إلى إثارة الزوابع واختلاق الأزمات المفتعلة وإقلاق السكينة العامة.
وتتجلى شواهد هذا التعاطي في مواقف هذه الأحزاب من الاعتصامات والتظاهرات التي شهدتها بعض المحافظات والتي ثبت بالدليل القاطع أنها تتحرك ضمن أجندة مشبوهة ومخطط تآمري يرمي إلى زعزعة الأمن والاستقرار وزرع بذور الشقاق والاحقاد بين أبناء الوطن الواحد والاضرار بالسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية وعرقلة عجلة التنمية ومسار الاستثمار.
والأكثر إيلاماً في هذا الجانب أنه وفي الوقت الذي كان يؤمل فيه أن تتخذ هذه الأحزاب موقفاً واضحاً تعبر فيه عن رفضها لأية ممارسات تستهدف الثوابت الوطنية وأن تلتحق أيضاً بالإجماع الوطني في تصديه لتلك الاجندة المشبوهة التي تحاول النيل من أمن واستقرار الوطن.. إلا أنه وبدلاً عن ذلك جاء تعاطي هذه الأحزاب مخيباً لكل الآمال، حيث عمدت بعض قياداتها إلى توفير الغطاء لتلك التظاهرات والاعتصامات وتهيئة المناخات التي تساعد مفتعليها على المزيد من التمادي والتطاول على الثوابت الوطنية.. ولا ندري كيف يمكن لعاقل أن يقتنع بما تدعيه هذه المعارضة من حرصٍ على الوطن وسلامته فيما لا تتردد عن السير في فلك تلك العناصر المأجورة لتنفيذ مخطط عدائي يسعى للنيل من تلك المصالح عن طريق بعض التخريجات العفنة التي يتم الترويج لها عبر المهرجانات والتجمعات والمظاهرات التي تقودها عناصر مرتهنة للخارج.
وكيف يصدق المرء أن ما يسمى بمهرجان التصالح والتسامح الذي لم يخل من بعض قيادات تلك الأحزاب كان مشفوعاً بهذه الغاية، خاصة حين يرى أن اليافطات التي رفعت في ذلك المهرجان قد كُتبت باللغة الانجليزية وأن معظم مضامينها لا علاقة له، من قريب أو بعيد، بمسألة التصالح والتسامح أو أية أهداف وطنية.
وبعيداً عن المماحكة والجدل والتلاسن والفجور في الخصومة السياسية.. نسأل تلك القيادات الحزبية التي تدعي حرصها على هذا الوطن.. سؤالاً عابراً عن حقيقة المستهدف الرئيسي من شعارات تلك اليافطات المكتوبة باللغة الانجليزية وما تضمنته من عبارات .
هل هم أولئك الضحايا الذين تساقطوا في مجازر اليوم الدامي «13 يناير 1986م» أم أسر وأهالي هؤلاء الضحايا ؟.. أم هم أبناء الشعب اليمني الذين يعتزون بلغتهم العربية ولا يطمحون إلى استبدالها بلغة أخرى؟ وبالتالي يتأكد تماماً أن المراد بمخاطبته في تلك اليافطات هم الممولون لفعاليات ذلك المهرجان والمحرضون على إقامته. وذلك هو التفسير الوحيد للشعارات التي رفعت في ذلك المهرجان واللغة التي كتبت بها.
ولا نعتقد أن القيادات الحزبية التي تقدمت المهرجان تمتلك تفسيراً آخر.. ولو توفر لها ذلك فلتدلنا عليه.
ومهما كان هذا السؤال مستفزاً فإنه لا يحتمل أي إجابة لا تأتي متلازمة مع تحكيم الضمائر وتقويم الذات والشعور بالمسؤولية والاعتراف بالخطأ والعمل على تصحيحه.. وتلك هي قمة الشجاعة وقمة الخُلق النبيل الذي يجب أن يكون عنواناً ومثالاً حياً على الحلم والتوازن والعقلانية وقوة الحجة التي تقوم عادة على الانحياز للحق والدفاع عن قيم الوطن والأرض التي هي منبع وأصل وجودنا والذي نستمد منه هويتنا وحقنا في الحياة الآمنة والكريمة
* رئيس تحرير صحيفة الثورة