المؤتمرنت- سبأ - ندوة تبحث أزمة التنوع الثقافي في العالم بحث عدد من الإعلاميين والمثقفين والسياسيين يمنيين وفرنسيين على مدى يومين أزمة التنوع الثقافي العالمي في ندوة خاصة بجامعة صنعاء.
الندوة التي نظمها المركز الثقافي الفرنسي والمركز الفرنسي لدراسات الاجتماعية والسفارة الفرنسية واليونسكو بالتعاون مع جامعة صنعاء عرضت فيها عدد من أوراق عن ثلاثة محاور رئيسة، الأول حول اليمن والعالم العربي يواجهون العولمة.
فيما تناول المحور الثاني الهوية الوطنية والتنوع الثقافي, وركز المحور الثالث على النضال الدولي من أجل التنوعات الثقافية.
رئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) رئيس التحرير نصر طه مصطفى تطرق في ورقة بعنوان " اليمن والعالم العربي أمام العولمة وحرية الإعلام " إلى ما أحدثته التطورات التقنية في مجال الإعلام، وخاصة الإعلام الفضائي من قفزة نوعية بمستوى التناول الإعلامي ونقل المعلومات, ولعب دور كبير في صناعة الوعي ومقاومة التخلف.
واستعرض كيف استفاد الإعلام في الدول المتقدمة من الحرية والديمقراطية المتاحة له, بينما أدخلت هذه التطورات الوطن العربي في مأزق حقيقي كونه لا يزال يحبو في المجال الديمقراطي.
وأكد مصطفى أن الحديث عن الوطن العربي في مواجهة العولمة وحرية الإعلام سيغني عن أي تخصيص لليمن في الحديث فهو نفسه ما تعاني منه المنطقة العربية كلها، وما سينطبق على معظم بلدان المنطقة سينطبق على اليمن، وحتى إن وجدت فوارق إلى الأفضل أو إلى الأسوأ فهي بسيطة، وليست جوهرية أو عميقة.
و يرى أن الحكمة وبعد النظر يتطلبان من الأنظمة العربية أن تسارع للتعاطي مع مسألة حرية، وعولمة الإعلام بصورة إيجابية، وذلك بوضع التقنينات الكفيلة بإتاحة المجال للتنافس المبدع في مجال البث المرئي، والمسموع مع وضع الضوابط القانونية المطلوبة لحماية المجتمع، وخصوصياته النابعة من عقيدته وتراثه وتقاليده السوية.
ويعتقد أن هذا أمر طبيعي " فكل أمة لها خصوصياتها التي يجب أن تكون محل احترام من العالم أجمع إذ أن انتهاك هذه الخصوصيات لا يدخل في مفهوم حرية التناول، وهي في النهاية مسألة نسبية إذ لكل أمة في العالم تقديراتها لهذا الأمر لكنها في النهاية تضع لها سقفا لا يمكن تجاوزه".
وقال نصر طه مصطفى:" في تصوري أن هذه المسألة من أهم المسائل التي تطرح كحجة لإعاقة عملية تحرير الإعلام في الوطن العربي، ورغم وجاهتها إلا أنه من غير المقبول أن تظل قائمة إلى أجل غير محدود فمثل هذه الأمور يمكن معالجتها، ووضع التصورات الكفيلة بتجاوزها".
فيما أشار رئيس المجموعة اليمنية للإعلام نبيل الصوفي في ورقة بعنوان " وسائل الإعلام الحديثة في اليمن " إلى دور الشبكة العنكبوتية الإنترنت التي أتاحت للصحافة الإلكترونية الظهور بشكل كبير.
وقال إن هناك الآن " آلاف من الصفحات الإلكترونية المعبرة عن مختلف الهويات الثقافية للمجتمع اليمني، وتنوع وجهات النظر بأكثر حرية جمعت بين التنوع المذهبي و السياسي، لاسيما في ظل سيطرة الحكومة على الإعلام الإذاعي والتلفزيوني ورسائل التلفون".
وأشار الصوفي إلى أنه برغم ضعف قدرة ملايين اليمنيين على متابعة واستخدام الإنترنت، إلا أن الإنترنت وصل إلى مركز الصدارة خلال العامين الأخيرين. واعتبر أن أهم المزايا التي يتمتع بها لإعلام الالكتروني أنه يقود اليمنيين إلى مزيد من التنوع في الرؤى على مدار الساعة.
فيما عرض مدير مجموعة دار النشر سندباد باريس الدكتور فاروق مردم بيه إشكالية الترجمة العربية للأدب العربي, وأهميتها ودورها في التعريف بالثقافة العربية والتنوع الثقافي من خلال ترجمة أدب الشعوب.
وأشار في ورقة بعنوان " نشر كتب الأدب العربي والمنافسات العالمية " إلى شحة الكتب المترجمة من العربية إلى الفرنسية ـ برغم أن فرنسا تعد الدولة الرائدة في ترجمة الأدب العربي ـ التي لم تتجاوز حتى عام 2004م، 335 كتاباً عربياً ترجم إلى الفرنسية لنحو 135 كاتباً عربياً تغلب عليها الكتب الروائية والشعر.
وحسب الدكتور فاروق فإن اليمن تأتي في أخر سلم هذه الكتب المترجمة، والتي ترجم لها كتابين يمنيين فقط الأول لمحمد عبد الولي والأخر لدماج, بينما بقية الكتب المترجمة تصدرها الكتاب المصري واللبناني والسوري والعراقي.
وأرجع مدير مجموعة دار النشر سندباد باريس هذه الشحة إلى محدودية وإمكانية دور النشر, والتي تخضع معظم معاييرها لربحية المكاسب المادية المتوخاة من ترجمة وطباعة الكتب الأدبية.
واستعرض دور معهد العالم العربي بباريس الذي أنشأته الدول العربية وفرنسا في عام 1980م، في التعريف بالثقافة العربية والتنوع الثقافي العربي.
رئيس تحرير جريدة لومند الفرنسية اللآن جريش في ورقة بعنوان " نهاية الاحتكار الغربي للإعلام العالمي من قناة السي إن إن إلى قناة الجزيرة " أشار إلى ما أحدثته الثورة التقنية للاتصال بالانتقال بمستوى تداول المعلومات وموضوعيتها وكسر الاحتكار الإعلامي، وهيمنة قناة السي إن إن الأمريكية طوال العقدين الأخيرين.
وتطرق إلى دور قناة الجزيرة الإخبارية، وكيف استطاعت التغلب على تلك الهيمنة، والوصول إلى الأحداث ونقلها للمشاهد العربي بمعايير أقرب بكثير إلى الموضوعية الإعلامية. " إلا أن جريش انتقد الجزيرة في تركيزها على أخبار الانتفاضة الفلسطينية، وهو ما أثار انتقاد الأمريكيون الذين اعتبروها قناة إرهابية، وأنها قناة بن لادن حسب قوله".
وفي المحور الثاني حول الهوية الوطنية والتنوع الثقافي أكد ممثل المعهد الفرنسي للأثار والعلوم الاجتماعية الدكتور جان لامبير أن التعمق في مفهوم التنوع الثقافي بشكل واقعي يحتاج إلى فلسفة التاريخ في بناء الدولة "الوطن".
وقارن في ورقة بعنوان "التنوع الثقافي في دولة الوطن و ممارسة الثقافتين، مثل فرنسي يمني" بين الأوضاع التاريخية لليمن وفرنسا باعتبارهما تقدمان صورتان متشابهتان ومختلفتان في نفس الوقت من حيث طبيعة بناء الدولة وبناء الوطن وكيفيات العوامل التي تصب لتوحدها وعوامل تفتتها وانقسامها. وتطرق لامبير إلى الدولة الجاكوبينية في فرنسا التي ظلت زمنا طويل منذ ثورة 1789م، تحارب لغات المناطق كلغة البريطانيين التي منع التحدث بها، وكيف استطاعت لغة بريطانيا اليوم أن تحصل على حقوقها وبدأت تدرس في المدارس الابتدائية وينطقها 70 مليون فرنسيا، وكذا لغات "الباسك , الالزاسيان, والكورسكي" التي تدرس في المدارس إلى جانب اللغة الفرنسية الأم.
واستعرض أسباب النجاح والفشل في التنوع الثقافي وتحقيق الثقافة الخاصة بكل منطقة، وقال:" إن من أسباب النجاح هو الفصل بين الجانب الثقافي والجانب السياسي أما أسباب الفشل أو استمرار المشكلة فهو استمرار ارتباط الحقلين الثقافي والسياسي مع بعضهما".
وعرضت الورقة التنوع الثقافي في اللغات اليمنية كاللغة المهرية والسقطرية، وكذا اللهجات ذات الطابع الثقافي القوي كالتهامية والحضرمية، وأشار لامبير إلى التنوع الثقافي اليمني الهائل في مجال الفن المعماري والموسيقي و مجال الأدب الشفهي والتقاليد ..
ورأى أن هذا التنوع مهدد بخطر العولمة الكبرى و الصغرى، وأن هناك اختفاء لبعض الثقافات والعادات كالملابس النسائية التقليدية الجملية التي كانت ترتديها في الثمانينات.
وأكد إن لدى اليمن ثراء بشري واسع يمكن استثماره اقتصاديا خاصة في مجال السياحة من خلال وضع آليات تربوية وإدارية وسياسية.
رئيس مركز ميل الذهب لجمع التراث الشفهي فاطمة البيضاني عرضت بشكل أوسع ما يشتمل عليه التراث اليمني والثقافة اليمنية من كنوز قصصية وحكايات وأغاني وأمثال شعبية وأساطير ولعب أطفال، وبالذات ما يخص أدب الطفل، وتجربة المركز في جمع هذه الكنوز وتوثيقها وحفظها من الضياع.
واستعرضت نشاطه في إعداد دراسة حول "الخالة" في الأدب الشعبي، وكذا أغاني المهد في ساحل حضرموت في مجلة حوليات يمنية، وإصدار قرص مضغوط (سي دي) عن أغاني المهد وأغاني مناسبات الأطفال لعدة محافظات, وإعداد كتاب عن حكايات الأطفال, وإعداد الحكاية الشعبية المصورة "عن الدم والفأر" للأطفال, والمشاركة في إعداد مواد العرض المسرحي من الحكايات الشعبية اليمنية لشركة ارتام الفرنسية للمسرح, وإعداد كتاب باللغة الفرنسية عن الحكايات الشعبية اليمنية يتوقع أن يصدر عن دار نشر فرنسية هذا العام 2008م.
وفيما أكدت ورقة "الهوية الوطنية والتنوع الثقافي" لنائب عميد كلية الآداب بجامعة صنعاء الدكتور عبد الله البار أهمية التنوع الثقافي، والاطلاع على ثقافة الآخر مع الحفاظ على الهوية الوطنية.
عرضت الباحثة في التراث الشعبي أروى عثمان في ورقة عن "العولمة في طبعتها المحلية ..عولمة الداخل" أوجه التقارب بين عولمة المحلي والعولمة الكوكبية للولايات المتحدة الأمريكية.
واعتبرت المحلي أخطر من الكوكبية لأنها تستند إلى عصبويات نصية دينية وعشائرية تجعل من الاختلاف أثم، وتجرم كل سلوك إنساني ديني أو دنيوي خاصة إذا ما خرج عن صراط أحاديتها وقطبيتها.
وتطرقت عثمان إلى الثقافات والتقاليد الدخيلة على مجتمعنا اليمني كلبس المرأة الشرشف في صنعاء والشيدر في عدن، وكذا المخاطر التي تنتج عن لبس الرجل للجنبية عندما يستخدمها بطريقة خاطئة كسلاح قاتل.
وفي المحور الثالث "النضال الدولي من اجل التنوعات الثقافية" استعرضت سفيرة لبنان السابقة بمنظمة اليونسكو سميرة حنا الضاهر في بعنوان "التنوع الثقافي نبع الصراع أو قوس التوحيد" استخدامات وفهم التنوع الثقافي الذي قد يعتبره البعض نبع للصراع بين الثقافات والبعض الآخر يستفيد منه ويعتبره طريقة لتوحيد الثقافات والآراء مع احتفاظ كل ثقافة بخصائصها.
فيما تناولت ورقتين لسفير اليمن في منظمة اليونسكو حميد العواضي والباحث في مركز الأبحاث اليمني محمد عبد السلام منصور عن "الرهان الوطني للتنوع الثقافي" و" العولمة وتنوع الثقافات" أهمية فهم مصطلح العولمة بمفهومه الصحيح بعيدا عن التشويش، الذي يعتري فهم المتلقي لمصطلح العولمة على أنها نوع من أنواع طمس الهوية الثقافية, وكذا أهمية فهم العولمة السلبية التي تروج لها بعض القوى من أجل تجنبها.
وتطرقت الورقتين إلى أهم المظاهر التاريخية التي تجسدت فيها أفكار العولمة كالأفكار الفلسفية والدينية التي تجاوزت الأجناس البشرية لتخاطب الإنسانية جميعها كالمسيحية والإسلام اللذان يدعوان إلى التسوية بين الناس، وتعميق مبادئ العدالة, وكذا ما دعت إليه الحضارات الإنسانية المتنوعة كالصينية والرومانية والفارسية والعربية والتركية والأوربية والغربية والشرقية والأمريكية, بالإضافة إلى مقومات العولمة المختلفة.
|