علي ناجي الرعوي* -
ما أشبه اليوم بالبارحة!
ما أشبه اليوم بالبارحة مقولة عادة ما نستخدمها للمقارنة بين الحالات المتشابهة التي يأتي تكرارها أحياناً كمحصلة لإعادة إنتاج الأفكار نفسها.. أو بفعل الانكماش عن حركة الزمن والعصر واعتماد البعض على ما يكون قد اختزنه من رؤى ومفاهيم خلال الفترات السابقة من حياته.
وأجد أن أفضل توصيف لدلالات تلك المقولة هي من وردت على لسان الدكتور حمود العودي الغني عن التعريف في تشخيصه لحال النخب السياسية والحزبية والفكرية والثقافية في المرحلة التي أعقبت انتصار الثورة اليمنية على الإمامة والاستعمار، فعلى عكس ما كان متوقعاً فقد انصب اهتمام هذه النخب بعملية الأدلجة والتنظير وركوب موجة الجدل السفسطائي وتتلذذ بترديد الشعارات القومية والأممية والإسلامية.. حيث عمد كل طرف إلى الدفاع عن ما يظن أنه الأصوب والأصلح لليمن دون إحساس بالدور الذي كان يتعين على تلك النخب القيام به من أجل تعزيز وترسيخ مسار الثورة ونهجها وإحلال توجهاتها المعاصرة بديلاً عن موروثات الماضي التي قامت الثورة من أجل تغييرها.
وتحت تأثير تلك الغيبوبة.. توزعت هذه النخب على امتدادات شتى.. فظهر لدينا اشتراكيون بدون اشتراكية ورأسماليون بدون رأسمالية.. وإسلاميون دون قاعدة فكرية.. لتكون النتيجة كما يشير الدكتور العودي أن تصارع اليمنيون في ما بينهم نيابة عمن اعتنقوا منهجيتهم ونظرياتهم السياسية والفكرية التي لا شك وأنها قد ألقت بظلالها السلبية على عامل الارتباط بالهوية الوطنية.. والانتماء الثقافي للواقع اليمني ومع قيام الجمهورية اليمنية في الـ22 من مايو 1990م متلازمة مع النهج الديمقراطي التعددي.
فقد كان من المؤمل أن ترتقي هذه النخب بوعيها إلى مستوى ذلك الإنجاز الحضاري الذي انتظمت في إطاره العلاقة بين الحاكمين والمحكومين من خلال الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.
وعلى الرغم مما تحقق من تطور سياسي وديمقراطي فإنما يؤسف له حقاً أن معظم تلك النخب قد ظلت تتعامل مع مفهوم الديمقراطية على أساس إرثها القديم.. بما في هذا التعامل من اعتساف للديمقراطية وتطبيقاتها.. وتبدو أبرز شواهد هذا الخلل فيما تبديه اليوم بعض الأحزاب من مواقف تتعارض في بعض جوانبها مع المصالح الوطنية العليا وتتجلى شواهد ذلك في الخلط المتعمد بين معارضة السلطة ومعارضة الوطن وبين العام والخاص الأمر الذي أدى إلى تسميم مناخات الحياة السياسية وإضعاف حلقات الثقة بين مكوناتها.
وليس من باب التجني إذا ما قلنا أن هناك من دخل المعترك السياسي متسلحاً بأحد الخيارين إما حاكماً أو ضد من يحكم وهذا في حد ذاته يناقض طبيعة دور السياسي الذي من المفترض أن يكون دائماً نموذجاً وقدوة في الالتزام بقضايا مجتمعه ووطنه.
ولعل هذه العوامل هي من تدلنا على أن الكثير من السياسيين والحزبيين يتعلموا من تجارب الماضي حيث ظلت مواقفهم تميل إلى التذبذب أكثر منه إلى الثبات إلى درجة أن بعضهم يمسي أممياً ويصبح مناطقياً أو أن يكون اليوم قومياً وغداً قروياً.. وواعظاً بمكارم الزخلاق في صلاة الجمعة وقاذفاً لمن يخالفه الرأي خارج المسجد.. ويبلغ هذا التناقض مداه ونحن نرى أن من كانوا يعتبرون جوزيف ستالين مرشدهم الأول الذي تعلموا منه فلسفة المساواة وتحقيق العدالة بين الطبقات هم أنفسهم من يقولون عن ستالين اليوم أنه كان جاهلاً ولم يقرأ في حياته كتاباً واحداً وترك المدرسة مبكراً.. وأنه لا يجيد حتى اللغة الروسية باستثناء العامية منها بحكم أصله الجورجي.
ولا نعتقد أن الإفراط في هذه النرجسية هو نوع من أنواع الشطارة أو ملمح من ملامح الاتزان وعنوان من عناوين التميز في الجمع بين المتناقضات.. بديل أن هذا الأسلوب فشل في خدمة أنصاره أو أن يحقق لهم الحضور المشرف في أوساط المجتمع وهنا يصح القول «ما أشبه اليوم بالبارحة».
*رئيس تحرير صحيفة الثورة