عبد العزيز الهياجم -
تفخيخ "حزبي"
لمجرد حديث تساءل فيه عن سر التقاء التوليفة المتناقضة ايديولوجياً، ثارت ثائرة أحزاب المشترك التي جندت جل صحفها ومواقعها الإلكترونية لتفتح النار على نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الدكتور رشاد العليمي.
والأغرب في الأمر هو أنه لأول مرة في تاريخ البلدان الديمقراطية وخصوصا في بلدان العالم الثالث يتعرض وزير داخلية لقمع وتكميم أفواه من قبل أحزاب معارضة.. فالذي نعرفه دائما هو أن أحزاب المعارضة في سائر البلدان عادة ما تشتكي من السلطات الأمنية وتحمل وزراء الداخلية في بلدانها مسئولية قمع وكبت والتنكيل بقياداتها الحزبية لمجرد أنهم تحدثوا في لقاء أو ندوة أو اجتماع أو تصريحات صحفية عن مسائل سياسية وفكرية لم ترق للسلطة وأجهزتها المعنية والأمنية.
فيا للعجب.. لو كان وزير الداخلية تحدث إلى القيادات الأمنية موجها إياها بقمع كل الأصوات المعارضة والتنكيل بها.. كان مقبولا أن يهاجم وأن يتهم هو والنظام بالشمولية والدكتاتورية.. لكن على العكس من ذلك كان ينبغي أن ينظر إلى الأمر على أنه تطور في نمط وأساليب التعاطي للأجهزة الأمنية مع قضايا الوطن وأنه في ظل المناخات الديمقراطية لبلادنا لم يعد خطاب وتوجيه وزير الداخلية للقيادات الأمنية مبنيا على مصطلحات القمع والتنكيل والترهيب، وإنما أصبح لدينا المسؤول عن الجانب الأمني هو شخصية أكاديمية مثقفة تتعاطى بلغة سياسية وليست أمنية.. شخصية أكاديمية لا تقول أن هذه الأحزاب المعارضة هي أحزاب عميلة ومأجورة وينبغي حظرها أو حلها من أجل حماية الاستقرار والأمن.. وإنما حديث سياسي وفكري راقٍ يتناول هذه الأحزاب متسائلا فقط عن السر الذي جمع هذه المتناقضات في تكتل نحسبهم فيه جميعا وقلوبهم شتى، وأنه لماذا تتخلى هذه الأحزاب عن رؤاها الأممية والقومية أو تلك التي تؤمن بمبدأ الأمة الإسلامية الواحدة لتتمترس في خنادق قروية ومناطقية وعصبية نتنة ومشبوهة.
وهذه الأحزاب التي تعودت حينما كانت بيدها السلطة أن تخرس خصومها بالاغتيالات والتفخيخ والتصفيات الجسدية جاء هجومها اللاذع على الوزير العليمي بمثابة اغتيال وتفخيخ ومحاولة تصفية معنوية كون هذا السلاح المتاح لديها اليوم.
ويمكن القول أن سر ذلك "الغضب" يعود إلى إدراك هذه الأحزاب بأن الحديث عن سر التقاء الماركسي الأممي بالإسلامي المتنور يقود بالضرورة إلى تذكر الحقبة التي كان يمارس فيها الخصمان الايديولوجيان أبشع جرائم التنكيل والقمع بحق بعضهما البعض.
فالأممي الذي كان يحكم جزءاً من الوطن كان ينظر إلى الإسلامي المتنور على أنه نتاج ايديولوجية هي "أفيون الشعوب" وبالتالي لا مكان له في مجتمع يدعي قادته بأنهم تقدميون.
وفي الجزء الآخر كان الإسلامي المتنور شريكا غير معلن في السلطة ويمسك بقبضة أجهزة أمنية كان ينطلق منها لخدمة الإسلام.. من منظوره.. ممارساً أبشع أساليب القمع والتنكيل بخصومه الذين يصفهم بالملحدين.
فمتى إذاً يرتقي الخطاب الحزبي ليفرق بين مسألة أن من حقه أن ينتقد أي خطاب قمعي يصدر عن قيادي كوزير الداخلية وبين خطاب أكاديمي سياسي مشروع ليس فيه أي لغة تهديد أو تنكيل أو شمولية.