نصر طه مصطفى -
خواطر نقابية ( 1 )
لست أدري متى سيعي الكثيرون حقيقة الدور المناط بالنقابات المهنية وبالذات النقابات التي يكون لمنتسبيها بالضرورة علاقة بالسياسة بشكل أو بآخر كنقابة الصحفيين، فهذه الإشكالية يبدو أنها ستظل مصاحبة لهذه النقابات إلى أجل غير مسمى طالما استمرت الخلافات والصراعات بين أطراف المنظومة السياسية الحزبية
التي تحرص أثناء إدارة صراعاتها على توظيف كل ما هو ممكن في هذه الصراعات بما في ذلك النقابات..
وقد لا يدري الساسة حجم الخطأ الذي يرتكبونه بتسييس العمل النقابي تماما كما قد لا يعلم قادة العمل النقابي بحجم الخطأ الذي يرتكبونه عندما يقبلون تسييس نقاباتهم وجرها إلى أتون الصراع الحزبي، فالتسييس والتحيز هما أسوأ ما يعاني منه العمل النقابي في بلادنا بل وفي معظم البلدان العربية المحسوبة على الديمقراطيات الناشئة وهما سبب فشله! ومن المهم في مسألة كهذه أن نفرق بين ما هو مقبول من النشاط السياسي النقابي وما هو غير مقبول... فعلى سبيل المثال من المفهوم أن تقيم النقابات أنشطة سياسية لمناصرة إخواننا الفلسطينيين المحاصرين في غزة، أو لمناهضة الخطاب الانفصالي المطروح في بلادنا هذه الفترة باعتبارها قضية وطنية، أو لمساندة القضايا المطلبية الحقوقية لضحايا الصراع السياسي، لكن ليس من المفهوم مطلقا – في الوقت ذاته – تحيز النقابات كمؤسسات طبعا وليس كأفراد لأي طرف سياسي في المعارك الانتخابية أو في الخلافات الحزبية، وبمعنى آخر يجب أن يكون مفهوما أن النقابة أي نقابة ليست حزبا معارضا مثلما أنها ليست حزبا مواليا في الوقت ذاته كما يحلو لبعض الأطراف السياسية فهمه سواء كانت هذه الأطراف حاكمة أو معارضة... وللأسف الشديد فإن نقابة الصحفيين هي من أكثر النقابات عرضة لهذا الفهم القاصر للعمل النقابي ما بين من يعتبرها أداة ضبط للصحافة والصحفيين ومن يعتبرها أداة للفوضى والتمرد على نصوص الدستور والقوانين النافذة! فأنا كعضو في هذه النقابة من حقي أن أرفع صوتي مجاهرا بكلمة (لا) للحكومة – على سبيل المثال – في حال رفضها تلبية أي مطلب حقوقي مشروع للأسرة الصحفية أو في حال تعاطيها بشكل غير دستوري وغير قانوني مع قضايا حرية الرأي المقرة دستورا وقانونا أو في حال تطبيقها للقانون بشكل مزاجي أو متعنت، لكني – في الوقت ذاته – يمكنني أن أقف معها وهي تطبق القانون نصا وروحا ضد من يسيئون لمهنة الصحافة إما بالابتزاز أو بالدعوات العصبية جهرا وصراحة أو بانتهاك الحرمات الشخصية ففي كل الدنيا هناك خطوط حمراء لا ينبغي لأحد تجاوزها... وفي العام الماضي زرت نقابة الصحفيين الأسبان في مدريد فأخبرني نقيب الصحفيين الأسبان أنهم في النقابة يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان يقفون ضد – وأكرر ضد – بعض أعضائهم في المحاكم الذين ينتهكون حرمات الأشخاص أو يمارسون الابتزاز، ولا أظن أننا ندعي أننا أكثر ديمقراطية من الأسبان! واليوم ونحن على مشارف مناقشة تعديلات على قانون الصحافة ومناقشة قانون خاص بالسماح بإنشاء إذاعات وتلفزيونات خاصة سنجد أن النقابة واقعة في نفس المأزق السياسي بين من يريد المزيد من الضوابط ومن يريد التحلل من أي ضوابط، الأمر الذي يتطلب من النقابة تحمل مسئوليتها بطرح رؤية تضمن المزيد من الحريات والحق في المعلومات وتحفظ لمهنة الصحافة في الوقت ذاته مكانتها واحترامها بعد أن أساء إليها عدد غير قليل من منتسبيها وتنقذ المهنة من حالة الفوضى والانفعال وضعف المهنية التي تعيشها الآن وتمنح النقابة من الصلاحيات والإمكانيات ما يجعلها قادرة على حماية المهنة من المعتدين عليها سواء كانوا من خارجها أم كانوا من أعضائها!