بقلم -فيصل الصوفي - جمعيات النفع العام وتحقيق المنفعة العامة
سألت مرة رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. هل الجهاز يدقق أو يراجع التصرفات المالية للمنظمات غير الحكومية في إطار وظيفته كمؤسسة معنية بمكافحة الفساد؟ فقال لي إن الجهاز معني بتصرفات المنظمات التي تحصل على تمويل الخزينة العامة، باعتبار أن صلاحية الجهاز تسري فقط على المال العام فقط.
وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل قال- أيضا- إن الوزارة غير معنية بمراقبة أو مراجعة القوائم بين الماليين للمنظمات غير الحكومية، لأن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية –الذي صدر مطلع عام 2001م – لا يعطي للوزارة أي صلاحية في مراقبة التصرفات المالية لهذه المنظمات أو الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
وقول هذين المسئولين المالية يعني شيئا- واحدا- هو أن المنظمات غير الحكومية- التي يصل عددها إلى أكثر من (4000) جمعية ومؤسسة – تحصل على تمويلات مالية لأنشطتها ولا تراقب ولا تساءل حول الكيفية التي تنفق بها هذه الأموال، ولا توجد وسيلة لمعرفة ما إذا كانت هذه الأموال تنفق لصالح المجتمع أم تذهب كلها أو بعض منها إلى جيوب القائمين على هذه المنظمات. وما دام الأمر كذلك فإن ممارسة الفساد في هذه الأطر محتمل جدا لأن موانع أو قيود سوء الاستغلال غير متوافرة.
إن أكثر من (4000) جمعية ومؤسسة أهلية في البلاد تتلقى سنويا دعومات مالية لتمويل أنشطتها. وعلى الرغم من أن ما تحصل عليه لا يظهر في الحسابات القومية السنوية، وبالتالي لا يمكن معرفة مقدار تلك المبالغ التي تحصل عليه، لكن ينبغي أن ندرك أن هذه المنظمات تجمع تبرعات من المواطنين في الداخل وتحصل على تمويلات بالدولارات من منظمات ودول أجنبية بغرض إنفاقها في مشروعات أو نشاطات تخدم الجمهور أو بعض الفئات من هذا الجمهور.
وعملية أو طريقة إنفاق هذه المنظمات لهذه الأموال ليس شأنا خاصا بها، والقانون ينبغي أن يؤكد أن هذه المنظمات ليست حرة في تصرفاتها المالية وليست فوق المساءلة، بل ينبغي أن تعطي الجهة المعنية صلاحية أن تدقق في السندات المالية لهذه المنظمات وتراجعها وتراقبها للتأكد من أن الأموال قد أنفقت لصالح النشاطات أو المشروعات التي قدمت الأموال من أجل تنفيذها، وللتأكد من أن هذه الأموال لم تستغل لأي مصالح شخصية أو عائلية.
وعودة إلى ما بدأنا به أو ما قاله رئيس جهاز الرقابة والمحاسبة بأن صلاحية الجهاز حسب القانون السائد تقتصر على مراقبة ومراجعة التصرفات المتعلقة بالمال العام، أي المال الذي تحصل عليه أي جهة من الخزينة العامة للدولة فقط، وبالتالي فالقانون لا يعطي الجهاز أي صلاحية لمحاسبة أو مراقبة أي جمعية أو مؤسسة أهلية تنفق على نشاطاتها من تمويلات غير حكومية، إذن فهذه الجمعيات والمؤسسات مطلقة التصرف بهذه التمويلات دون مراقبة أو محاسبة أو مساءلة أو عقوبة.
سأناقش في السطور التالية مقولتين سائدتين عندنا في اليمن. واعتقد أن كشف خطئهما أمر ممكن بسهولة، الأولى: تتعلق بماهية المال العام، والثانية تتعلق بالربط بين التمويل الأجنبي والعمالة لجهات خارجية، أي ذلك الاستنتاج الشائع الذي يقول إن هذه المنظمة أو تلك تتلقى تمويلات خارجية، إذاً فهي عميلة للممول الخارجي، الذي يسعى من خلالها لتحقيق أهدافه. أو مؤامراته على المجتمع أو الدولة.
أعتقد بأن اختصار "المال العام" بأنه المال الذي يصرف من الخزانة العامة للدولة لوزارة أو منظمة غير حكومية، أمر غير صحيح بل ومضر بالمصلحة العامة. وإذا كان القانون يقضي بذلك فعلينا أن ندرك أن هناك قصورا في القانون.
عندما تقوم جمعية أو مؤسسة أهلية بجمع التبرعات من المواطنين لإنشاء وحدة صحية مثلا- فإن المال الذي يجمع لها من هذه التبرعات يصبح مالا عاما، كونه من أموال المجتمع، ويجب أن يحقق مصلحة المجتمع الذي تبرع بهذه الأموال، ولابد أن الجهة الرسمية التي صرحت بهذه الجمعية أو المؤسسة بالنشاط أن تقوم بدورها كوكيله للمجتمع بمتابعة الجمعية لضمان حسن تصرفاتها.
وعندما تتلقى جمعية أو مؤسسة أهلية مالاً من دولة أو سفارة أو منظمة أجنبية بغرض صرفه لتنفيذ مشروع أو خدمة لصالح فئة أو شريحة من السكان، فإن هذا المال ينبغي أن يوظف لتحقيق تلك المصلحة، لأن الممول لم يقدمه للمنظمة إلا بذلك الغرض، لكون هذا الممول قدر رأى أن تقديم المساعدة لهذه الفئة- عبر المنظمة غير الحكومية- سيكون أفضل مما لو قدم المساعدة عبر الحكومة التي يرى كثير من الممولين أنها تحيل إلى البطء والبيروقراطية. وينبغي أن ندرك أن التمويل الخارجي الذي تحصل عليه منظمة غير حكومية حكمه حكم التمويل أو المساعدات الخارجية التي تمر إلى المجتمع عبر الحكومة.. فنتيجةً لأن الدول أو المنظمات الأجنبية الغنية اكتشفت أن مساعداتها للشعوب الفقيرة عبر الحكومات لم تحقق أغراضها: إما جراء الفساد أو جراء البيروقراطية أو جزء تمويل هذه المساعدات لأغراض غير تلك التي قدمت لها- تحديدا- فقد لجأت منذ نحو عقدين إلى تمرير جزء من مساعداتها للشعوب عبر المنظمات غير الحكومية، باعتبار أن المنظمات غير الحكومية أقرب إلى الناس لكونها موجودة في بيئتهم المحلية، ولكون هذه المنظمات تقدم الخدمة للناس بوقت أسرع وتكلفة أقل، فضلا عن أنها غير مقيدة بتلك الإجراءات التي تسم الأداء الحكومي بالبيروقراطي.
أما حول الربط بين التمويل الخارجي والعمالة فهو خطأ شائع لدينا هنا في اليمن، وكثيرا ما نقرأ مقالات- وأحيانا- تصريحات المسئولين حكوميين ولا تخلو من التعويض بالمنظمات غير الحكومية كأدوات بيد جهات خارجية لتنفيذ مؤامرات من نوع ما،ومرد ذلك عادة إن هذه المنظمات تحصل على دعم خارجي لتمويل أنشطتها ومشروعاتها.
ونعتقد أن إثارة مثل هذه الريبة حول المنظمات غير الحكومية والدعم الخارجي لا يخدم المصلحة الوطنية لسببين على الأقل: الأول يؤدي إلى حرمان البلاد من المساعدات الخارجية التي صار المانحون يمررون جزء منها عبر المنظمات غير الحكومية كما- أسلفنا- وما يتعين هنا هو إيجاد نظام يضمن مراقبة مدى تحقق المصلحة العامة من هذه الأموال وليس محاربتها. الثاني إن الاتهام بالعمالة دون تحديد العميل ومحاكمته قضائيا أمر غير مقبول في كلا الحالتين.
|