المؤتمرنت - محمود حداد -
إنشاء المؤسسات العامة وإلغاؤها في الجمهورية اليمنية
نادرة هي الكتب والدراسات التي تبحث في نظريات القانون الإداري خاصة نظرية المؤسسات العامة،فعلى الرغم أنها تعد من أكثر نظريات القانون الإداري مرونة وتطوراً إلا أن الجامعات والمراكز البحثية لم تقترب منها ،قياسا على ما يبحث وينشر حول الشئون السياسية والأدبية والتاريخية ... وبقيت في دائرة ضيقة من الإهتمام ولم تدخل في التداول بين رجال القانون و الإقتصاد للبحث في ماهية المؤسسة العامة من خلال تعريف المؤسسة، وبيان عناصرها (أركانها) بهدف توضيح حدود ومعالم المؤسسات العامة.وصار من المؤسف له أن بعض الدول في انتهاجها لنظرية المؤسسات العامة عند إدارة مرافقها مجرد تقليد للآخرين، دون سياسة اقتصادية أو إستراتيجية ثابتة ومتدرجة.
هذه هي الإشكالية التي تشكو منها دراسة حديثة غير تقليدية للباحث اليمني / بشيرعبدالله يحيى العماد، المعنونة ب(إنشاء المؤسسات العامة وإلغاؤها في الجمهورية اليمنية ) والتي نال بها الباحث درجة الدكتوراه من جامعة النيلين في السودان ،وتولى البرفيسور السوداني/يوسف حسين محمد البشير الإشراف عليها .
مساهمة بحثية تحليلية
الدراسة مساهمة بحثية تحليلية نقدية واعية في فهم ماهية قانون المؤسسات العامة ومدى توافقها أو تخالفها مع النصوص الدستورية في الجمهورية اليمنية ،خاصة أن هذه المؤسسات تدير مشروعات لها طابع تجاري، مما يستوجب أن تكون هناك عدة ضوابط في إنشائها سواء من حيث أداة أو أسباب الإنشاء، أو الإلغاء، و وجود رقابة عليها والعمل بنتائج هذه الرقابة سواء نصت على إبقاء هذه المؤسسات أو دمجها أو إلغائها،و الأمر الآخر والأهم هوعندما يتم إلغاء ودمج مؤسسات عامة من قبل سلطة لا تملك هذا الحق بموجب أحكام الدستور والقوانين النافذة.
و من هذا المنطلق تأتي أهمية وخطورة هذه الدراسة لمعدها د.العماد الخبير القانوني المتخصص والإستاذ المساعد في جامعة إب –وهي بالتأكيد لاتقل حرصا على الموضوعية العلمية عن الإنتاج البحثي القانوني في الشأن اليمني .ولهذا أجزم أنها ستقرع أجراس الإنذار محذرة من وضع سيئ لقانون جديد تسعى لإغتياله العشوائية وتداخل المهام في تطبيقه بين السلطة التنفيذية والتشريعية .
بداية متعثـــرة
يعزو الباحث اختيار موضوع إنشاء المؤسسات العامة إلى أن تجربة الجمهورية اليمنية في تطبيق اللامركزية الإدارية بصورتيها المرفقية (المؤسسات العامة) والإقليمية
(الإدارة المحلية) هي تجربة وليده مازالت في بداياتها، فالمؤسسات العامة في الجمهورية اليمنية بدأت بداية شبه متعثرة بعد قيام الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م، وذلك بسبب دمج نظامين اقتصاديين مختلفين(النظام الرأسمالي في الشمال، والنظام الاشتراكي في الجنوب)، حيث روعي في الدمج العديد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويرى: أنه بعد استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية و انتهاء حرب الردة والانفصال في 1994م وتعميق الوحدة اليمنية،كان يفترض أن يتجه المشرع اليمني إلى تصحيح الأحكام الخاصة بالمؤسسات العامة من حيث إنشاءها وإلغاءها وإدارتها والرقابة عليها.
مقاربة جديدة لقانون جديد
تكشف طريقة تناول الباحث لموضوعه أنه يضع القارئ أمام مقاربة جديدة ومتعمقة لمسألة حساسة ومهمة قد تضع معدها في فم تنين وأكثر إن جانبه الصواب ،ولهذا فالمتأمل في طريقة تقسيم البحث يدرك مدى حرصه على تحري المصداقية والموضوعية ،حيث عمد إلى تناول بحثه في ثلاثة أبواب وقسمها إلى ثمانية فصول ينبثق عنها 23مبحثا ليتفرع منها 25مطلبا ,أملا من الباحث في الإقتراب من الفهم الحقيقي والموضوعي لقضية إنشاء المؤسسات العامة وإلغاؤها في الجمهورية اليمنية بعد أن تعقدت وأستعصت على الفهم ناهيك عن الحل،كمايقول الباحث- .
أبواب الدراسة وماتفرع منها من فصول ثم مباحث فمطالب جاءت استجابة طبيعية لمتوالية إستفهامية مركبة قد دارت في ذهن د.العماد وهو يحلل بعين الدارس والفاحص القانوني موضوع دراسته النادرة في قانون وليد ,وكانت أسئلته القلقة كالآتي:هل حدد قانون الهيئات والمؤسسات العامة تعريف المؤسسة العامة؟ وهل نص على عناصر المؤسسة العامة؟ وهل ينظم الجوانب المتعلقة بإنشاء المؤسسات العامة وإلغائها بشكل متكامل؟ وهل أحكامه المنظمة للمؤسسات العامة متجانسة ومتكاملة ويتم الإلتزام بها فيما يتعلق بإنشاء المؤسسات العامة وإلغائها ؟ ليس هذا فحسب بل يسأل بدهاء: هل إنشاء المؤسسات العامة بواسطة السلطة التنفيذية موافقاً للنصوص الدستورية ؟
عوامل تطوير المؤسسة العامة:
هذا وكان الباحث قد بدأ دراسته بمقدمة تمهيدية قدم بها للقارئ المتخصص وغير المتخصص شرحا مبسطا عن تطورومرونة نظرية المؤسسات العامة ،مشيرا إلى أن عدم وجود نظرية عامة فقهية للمؤسسات العامة على غِِرار نظريات القانون الجنائي والقانون الدولي، يمثل عاملاً مساعداً للسلطات التشريعية للاستفادة منه عند وضع أو تعديل الأحكام المنظمة للمؤسسات العامة،حيث يشكل هذا أحد عوامل تطورها، إضافة إلى أن التكامل والتنسيق بين مختلف الأجهزة والجهات المعنية بإدارة المؤسسات العامة تجعل نظرية المؤسسات العامة محل دراسة وتقييم دائمين ، ويرى الباحث:لو أن كل دولة تدير مرافقها العامة بأسلوب المؤسسة العامة مع الاهتمام أولا بالجانب القانوني واللائحي ، ثم الجانب التنفيذي والإداري، بالإضافة إلى تفعيل الجانب الرقابي، فإن ذلك سيجعل المؤسسات العامة تقوم بوظيفتها المطلوبة وتحقق نجاحات ومكاسب تخدم الاقتصاد الوطني، كما أن من عوامل تطوير المؤسسة العامة الجانب التشريعي ،و تنقسم الدول في هذا الشأن إلى قسمين: فبعض الدول تضع قانوناً خاصاً ينظم جميع أحكام المؤسسات العامة من حيث إنشاء المؤسسات وإداراتها والرقابة عليها وميزانيتها وإلغائها، ودولاً أخرى لا يوجد فيها قانوناً خاصاً بالمؤسسات العامة، وإنما يكون لكل مؤسسة نظاماً خاصاً بها، مما يؤدي إلى التباين والاختلاف في أحكام المؤسسات العامة في هذه الدول من حيث أداة إنشائها وطريقة إداراتها وعلاقتها بجهة الرقابة عليها وتنظيم مواردها المالية وإلغاءها ... الخ. بينما الدول التي وضعت قانوناً خاصاً تخضع له المؤسسات العامة , تكون محل تطور وتجديد باعتبار أن لها قالب وأحكام موحدة يتم تقييمها من وقت إلى آخر،وذلك على عكس الدول التي لا يوجد بها قانون خاص بالمؤسسات العامة فإن تقييمها ومتابعة علاقتها مع غيرها من الجهات يكون فيه نوع من الصعوبة، لأن ذلك يقتضي تقييم كل مؤسسة على حدة، ومدى نجاح أو فشل النظام الخاص بها.
وفي الباب الأول عمد الباحث إلى التحدث عن ماهية المؤسسة العامة وذلك بهدف تحديد معالم المؤسسة العامة، وينبثق من الباب الأول فصلين: يبحث في الفصل الأول تعريف المؤسسة العامة، حيث قام الباحث باستعراض التعريفات التي قيلت في المؤسسة العامة في ثلاثة مباحث، المبحث الأول لتعريف المؤسسة العامة في التشريع والمبحث الثاني لتعريف المؤسسة العامة في الفقه وذلك في مطلبين، المطلب الأول يبحث في تعريف المؤسسة العامة في الفقه الغربي والمطلب الثاني يبحث في تعريف المؤسسة العامة في الفقه العربي، ويبحث المبحث الثالث من الفصل الأول في تعريف المؤسسة العامة في أحكام القضاء المقارن، ثم أنتقل الباحث إلى الفصل الثاني للبحث في أركان (عناصر) المؤسسة العامة،حيث خص كل عنصر في مبحث مستقل، فبدأ ب(المرفق العام) من خلال البحث في الجزئيات المتعلقة به والمرتبطة بالمؤسسات العامة، وذلك في ثلاثة مطالب، يبحث المطلب الأول في مفهوم المرفق العام من خلال مناقشة تعريف المرفق العام وأنواع المرافق العامة، فيما يبحث المطلب الثاني في طرق إدارة المرافق العامة، والتي تعد المؤسسات العامة إحدى هذه الطرق، ويبحث المطلب الثالث في القواعد التي تحكم سير المرافق العامة،والمبحث الثاني يبحث في الشخصية المعنوية للمؤسسة العامة باعتبارها الركن الثاني للمؤسسات العامة ، ثم قسم الباحث هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب يبحث المطلب الأول في التكييف القانوني للشخصية المعنوية فيما يبحث المطلب الثاني في أنواع الأشخاص المعنوية، ويبحث المطلب الثالث في النتائج المترتبة على التمتع بالشخصية المعنوية أما المبحث الثالث تناول (التخصص) وقد نوقش فيه تخصص المؤسسات العامة وتم ذلك في ثلاثة مطالب: يبحث المطلب الأول في مفهوم التخصص، فيما يبحث المطلب الثاني في متطلبات التخصص، ويبحث المطلب الثالث في النتائج المترتبة على التخصص.
ثم أنتقل الباحث إلى الباب الثاني الخاص بإنشاء المؤسسات العامة ويتكون من ثلاثة فصول: يبحث الفصل الأول في أداة إنشاء المؤسسات العامة، والتي تدور بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية،وتفرع منه ثلاثة مباحث ،خص المبحث الأول في إنشاء المؤسسات العامة بواسطة السلطة التشريعية، وخصص المبحث الثاني البحث في إنشاء المؤسسات العامة بواسطة السلطة التنفيذية، فيما تناول المبحث الثالث موقف المشرع اليمني من أداة إنشاء المؤسسات العامة.
وتناول الفصل الثاني من الباب الثاني أسباب إنشاء المؤسسات العامة في ثلاثة مباحث: المبحث الأول الأسباب التاريخية، والمبحث الثاني الأسباب الاقتصادية، والمبحث الثالث الأسباب الاجتماعية والثقافية والإدارية.
وفي الفصل الثالث تحدث عن عناصر إنشاء المؤسسات العامة في ثلاثة مباحث: المبحث الأول يبحث في اسم المؤسسة والغرض الذي أُنشئت من أجله، وذلك في مطلبين: يبحث المطلب الأول في اسم المؤسسة ومركزها الرئيسي، فيما يبحث المطلب الثاني في الغرض الذي أُنشئت المؤسسة من أجله ومجال نشاطها، وخصصنا المبحث الثاني للبحث في استقلال المؤسسة العامة مالياً وإدارياً، حيث بحث الاستقلال المالي في المطلب الأول، والاستقلال الإداري في المطلب الثاني، كما خصص المبحث الثالث للبحث في السلطات المخولة للمؤسسة وجهة الرقابة على المؤسسة، وذلك في مطلبين: يبحث المطلب الأول في السلطات العامة المخولة للمؤسسة العامة، فيما يبحث المطلب الثاني في جهة الإشراف والرقابة على المؤسسة العامة.
أما الباب الثالث فقد خصصه الباحث في إلغاء المؤسسات العامة وقسمه في ثلاثة فصول: يبحث الفصل الأول في الرقابة على المؤسسات العامة وذلك في ثلاثة مباحث: يبحث المبحث الأول في الوصاية الإدارية، وهي الرقابة التي تمارسها جهة الإشراف على المؤسسات العامة،و تناولهافي ثلاثة مطالب: يبحث المطلب الأول في مفهوم الوصاية الإدارية، فيما يبحث المطلب الثاني في الوصاية على ذات المؤسسة العامة، ويبحث المطلب الثالث في الوصاية على أعمال المؤسسة العامة.
ثم يبحث المبحث الثاني في الرقابة الإدارية وقد تفرع منه ثلاثة مطالب من خلال البحث في الرقابة التي تمارسها الجهات الإدارية على المؤسسات العامة ابتداءً بالبحث في رقابة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في المطلب الأول، يلي ذلك البحث في رقابة وزارة المالية في المطلب الثاني، وإنتهاءاً بالبحث في رقابة وزارة الخدمة المدنية والتأمينات في المطلب الثالث.
ويبحث المبحث الثالث في الرقابة القضائية، وذلك في مطلبين: المطلب الأول يبحث في رقابة المحاكم، فيما يبحث المطلب الثاني في التحكيم كوسيلة من وسائل فض نزاعات المؤسسات العامة.
ويبحث الفصل الثاني من الباب الثالث في أداة إلغاء المؤسسات العامة، وذلك على غرار البحث في أداة إنشاء المؤسسات العامة، وقد تضمن هذا الفصل ثلاثة مباحث: المبحث الأول يبحث في إلغاء المؤسسات العامة بواسطة السلطة التشريعية، فيما يبحث المبحث الثاني في إلغاء المؤسسات العامة بواسطة السلطة التنفيذية، و يبحث المبحث الثالث في موقف المشرع اليمني من أداة إلغاء المؤسسة العامة.
ويبحث الفصل الثالث من الباب الأخيرمن الدراسة في أسباب إنقضاء المؤسسات العامة، حيث خصص المبحث الأول للبحث في الأسباب العامة لإنقضاء المؤسسات العامة، ثم أفرد المبحث الثاني للبحث في انقضاء المؤسسات العامة عن طريق الخصخصة باعتبارها أوسع الأسباب انتشاراً.
منهج الدراســة
وفي محاولة متعمقة لسبر أغوار الدراسة فقد اعتمد الباحث في بحثه على المنهج التحليلي – كمنهج أساسي- من خلال دراسة وتحليل نصوص القانون رقم (35) لسنة 1991م بشأن الهيئات والمؤسسات العامة، بالإضافة إلى المنهج التطبيقي من خلال استعراض قوانين وقرارات إنشاء المؤسسات العامة في الجمهورية اليمنية ،ووفقا لهذا المنهج قسم الباحث هذه الدراسة إلى محاور ثلاثة يندرج المحوران الأول والثاني في إطار المنهج التحليلي، فيما يندرج المحور الثالث في إطار المنهج التطبيقي.
ففي المحور الأول ناقش الباحث مفهوم المؤسسة العامة في محاولة للخروج إلى فكرة واضحة وموحدة خاصة أنه يوجد عدة مسميات للمؤسسات العامة في الجمهورية اليمنية (مؤسسة-هيئة-جامعة-مركز-صندوق-مجلس) وهذا التعدد في التسميات_من وجهة نظر الباحث_ جعل هذه المؤسسات تخضع لقواعد قانونية مختلفة في إنشاءها وإدارتها والرقابة عليها وإلغائها، بهدف توحيد مفهوم المؤسسة العامة من خلال مناقشة وبحث النظرية العامة للمؤسسات من حيث تعريفها في التشريع والفقه والقضاء ومحاولة استخلاص العناصر المشتركة بين هذه التعريفات والتي تمثل الأركان الموضوعية للمؤسسة العامة، وهذه الأركان تعتبر مقياساً لاعتبار أي مرفق أو جهة مؤسسة عامة من عدمه بغض النظر عن التسمية.
ثم أختص المحور الثاني بمناقشة مواد قانون الهيئات والمؤسسات العامة وخاصة المواد المتعلقة بإنشاء وإلغاء المؤسسات العامة ابتداءً بأداة الإنشاء، والتي نص عليها القانون حيث تنشأ المؤسسات بقرار جمهوري بعد موافقة مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص، وناقش هذا الوضع باعتباره نموذجاً للتشريعات التي منحت السلطة التنفيذية حق إنشاء المؤسسات العامة.
مع التوضيح بشكل مفصل لمدى توافق ما أخذ به المشرع اليمني مع الأحكام الدستورية المتعلقة بالمؤسسات العامة.
بشكل عملي وعلمي يصدمنا الباحث بحقائق قوية فعند مناقشته لجانب إلغاء المؤسسات العامة يقول أن أداة الإلغاء أغفلها المشرع اليمني رغم أهميتها القصوى، وكذلك أسباب الإلغاء والتي أغفلها المشرع اليمني أيضاً، بإستثناء أسباب التصفية والتي تقتصر على المؤسسات الاقتصادية دون بقية المؤسسات، موضحا مساوئ إغفال أداة وأسباب الإلغاء، ومؤيدا ذلك بالأمثلة في الجانب العملي، وكذلك تحدث الباحث عن محاسن وإيجابيات ذكر أداة وأسباب الإلغاء في القانون من استقرار وديمومة لهذه المؤسسات وعدم تعليق مصيرها برغبة شخص أو أشخاص معينين.
أما المحور الثالث فقد أفرده الباحث لمناقشة الأوضاع القانونية للمؤسسات العامة القائمة ومدى توافقها وانسجامها مع ما نص عليه قانون الهيئات والمؤسسات، يؤكد الباحث وجود تعارض وتناقض غير منطقي وغير مستصاغ، يضرب مثالا: نجد في ديباجة قانون أو قرار إنشاء مؤسسة معينة إشارة إلى قانون الهيئات والمؤسسات العامة رقم(35) لسنة1991م ولكن بعض الأحكام التي يتضمنها قانون أو قرار الإنشاء مخالفة لقانون الهيئات والمؤسسات، وكأن قرار الإنشاء صادر بمعزل عن القانون.
مبررات دستورية متناقضة
صال الباحث وجال في في بعض مواد الدستور اليمني باحثا عن موقف واضح للمشرع اليمني من انشاء والغاء المؤسسات العامة، فما الذي وجده ؟
لقد صدمنا الباحث بنتائج قراءته لبعض مواد الدستور اليمني ،ولعل القارئ يدرك من خلال ما توصلت إليه الدراسة أن الدستور يناقض نفسه في مسألة لمن تكون أولوية انشاء والغاء المؤسسات العامة ،هل للسلطة التنفيذية أم التشريعية ؟
الباحث يستعرض ما نصت عليه المادتين(7،21) من الدستور ليجد أن المشرع اليمني منح السلطة التنفيذية حق إنشاء المؤسسات والهيئات العامة المشمولة بأحكام قانون الهيئات والمؤسسات العامة ، و على هذا الأساس أنتهجت بلادنا هذا الإتجاه.
وللباحث رأيه في مدى تطابق ما نص عليه قانون الهيئات والمؤسسات العامة – بمنح السلطة التنفيذية حق إنشاء المؤسسات العامة- مع النصوص الدستورية، فيذكر ما نصت عليه المادتين (120)، (18) من الدستور.
حيث نصت المادة (120) على الآتي" يصدر رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح الوزير المختص وبعد موافقة مجلس الوزراء القرارات واللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين وتنظيم المصالح والإدارات العامة على أن لا يكون في أي منها تعطيل لأحكام القوانين أو إعفاء من تنفيذها ، وله أن يفوض غيره في إصدار تلك اللوائح والقرارات".
كما نصت المادة (18) " عقد الامتيازات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة لا يتم إلا بقانون".
ويضيف:وبقراءة دقيقة لنص المادة (120) من الدستور يمكن القول أن الدستور لم يمنح السلطة التنفيذية حق إنشاء المؤسسات العامة، وذلك للأسباب التالية:-
1- أن نص المادة (18) من الدستور والتي أوجبت أن تكون عقود الامتياز بقانون تعتبر تأكيداً للأصل، وهو وجوب عقد امتيازات المرافق العامة بقانون، وبالتالي استبعاد الاستثناء وهو القرار الجمهوري بالقانون المنصوص عليه في المادة (119) والتي تم إلغاؤها في التعديل الدستوري الأخير . وبالتالي يمكن القول أنه حتى مع فرض أن المادة (18) لم يقصد منها استثناء أو استبعاد عقود الامتيازات من القرارات الجمهورية بقوانين ، فإن صياغة المادة (18) لا يوجد أي ارتباط بينها وبين المادة (120).
2- أن صياغة المادة (18) تعتبر عادية حيث وضعت حكماً يقضي بأن تصدر عقود الامتياز بقانون، ولا يوجد أي تشديد أو سمه مميزة لهذه المادة باعتبار أن الاستثناء الوارد في المادة يلغي النفي الذي سبقه.
3- نصت المادة (120) على اختصاص رئيس الجمهورية بإصدار القرارات المنظمة للمصالح والإدارات العامة، فيفترض منطقياً أن تكون المصالح منشأة وموجودة لكي يتم تنظيمها ، ويدلل على ذلك أن المؤسسات والمصالح العامة يتم إنشاؤها بقرار خاص، فيما يصدر باللائحة التنظيمية لها قرار لاحق ومستقل ، ذكر الباحث خمس جهات نذكر منها:
*الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء أنشئت بموجب قانون، وصدرت اللائحة التنظيمية للهيئة بموجب قرار رئيس الجمهوري
* المؤسسة اليمنية العامة للنفط أنشئت بموجب قرار جمهوري، وصدرت اللائحة التنظيمية للمؤسسة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (236) لسنة 1997م.
4- من استعراض أوضاع المؤسسات العامة نجد أن هناك العديد من المؤسسات تم إنشاؤها بقوانين، ومنها على سبيل المثال: المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون المنشأة بموجب القانون رقم (32) لسنة2003م، والهيئة العامة للاستثمار المنشأة بموجب القانون رقم (22) لسنة1991 م وتعديلاته، وصندوق رعاية النشء والشباب المنشأ بموجب القانون رقم (10) لسنة 1997م، والبنك المركزي اليمني المنشأ بموجب القانون رقم (14) لسنة 2000م .
ثم يتابع الباحث:- فإذا سلمنا أن الدستور اليمني قد منح حق إنشاء المؤسسات العامة للسلطة التنفيذية فذلك يعني أن إنشاء المؤسسات السابقة من قبل السلطة التشريعية يعتبر تدخلاً في عمل السلطة التنفيذية، وتجاوزاً لاختصاصاتها، وبالتالي يعتبر عملاً غير دستورياً.
ويضيف:- إذا كانت المبررات السابقة قد منحت السلطة التنفيذية حق الإنشاء، فإن هناك مبررات دستورية أخرى تدلل على أن إنشاء المؤسسات العامة لا يعد من اختصاص السلطة التنفيذية، بل من اختصاص السلطة التشريعية.
تلك المبررات وجدها الباحث بعد استعراض بعض نصوص دستور الجمهورية اليمنية، مثل :- المادة (13) من الدستور نصت على الآتي:
- إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون، ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والتكاليف العامة.
- إنشاء الرسوم وجبايتها وأوجه صرفها وتعديلها والإعفاء منها لا يكون يكون إلا بقانون.
يقول: الملاحظ للنص السابق أن الدستور وضع قيوداً مشددة على الضرائب والرسوم من حيث إنشائها أو تعديلها أو إلغائها أو الإعفاء منها كلياً أو جزئياً ، وبمقارنة مع إنشاء بعض المؤسسات العامة نجد أنه يستوجب إنشاء أو تعديل أو إلغاء أو إعفاء من الضرائب أو الرسوم، وعلى هذا الأساس إذا كانت المؤسسات العامة تنشأ بقانون فلا يوجد أي أشكال باعتبار أن قانون الإنشاء يقرر ضريبة أو رسوم أو يلغيها أو يعدلها، أما إذا أنشئت المؤسسة العامة بقرار جمهوري ونص القرار على فرض ضريبة أو رسوم أو إلغائها أو الإعفاء منها فإن القرار يُعد غير دستورياً لمخالفته الدستور الذي أوجب أن جميع الإجراءات الخاصة بالضرائب والرسوم تصدر بقانون .
يرى الباحث أنه لكي تكون قرارات إنشاء المؤسسات العامة موافقة للدستور فيما يتعلق بفرض الضرائب والرسوم يفترض مراعاة الآتي:
- إنشاء المؤسسات العامة وخاصة التي تنص على فرض ضريبة أو رسوم أو تعديلها أو إلغائها أو الإعفاء منها بقوانين.
- عدم النص في قرارات إنشاء المؤسسات العامة على فرض الضرائب والرسوم أو تعديلها أو إلغائها أو الإعفاء منها في حالة إنشائها من السلطة التنفيذية.
ويستقرئ الباحث مرة ثانية ما نصت عليها المادة (16) من الدستور كمبرر دستوري آخرعلى أولوية السلطة التشريعية في انشاء والغاء المؤسسات العامة حيث تقول :" لا يجوز للسلطة التنفيذية عقد قروض أو كفالتها أو الارتباط بمشروع يترتب عليه إنفاق من خزانة الدولة في سنة أو سنوات مقبلة إلا بموافقة مجلس النواب".
وللباحث تعليقه فيقول :نجد أن المادة السابقة حددت بعض الأعمال التي يمنع على السلطة التنفيذية القيام بها إلا بموافقة البرلمان وهي:-
أ- عقد القروض أو كفالتها.
ب- الارتباط بمشروع يترتب عليه إنفاق من خزانة الدولة في سنة أو سنوات مقبلة.
ويضيف : إن المقصود من موافقة البرلمان صدور قانون منه ، وبالتالي فأي عمل يترتب عليه عقد قرض، أو كفالته، أو إنفاق مستقبلي من خزانة الدولة سواءً كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة لا يتم إلا بقانون، ولا يجوز للسلطة التنفيذية القيام بأي عمل من تلك الأعمال .
وعنـــــــــــــد تلك النقطة في المتابعة التحليلية يعاود الباحث من خلال الإطلاع على قرارات إلغاء المؤسسات العامة ليجد أن السلطة التنفيذية تقوم بإنشاء وإلغاء المؤسسات العامة بطريقة شبه عشوائية، ودلل على ذلك بالأمثلة التالية :-
أولا القرار الجمهوري رقم (46) لسنة 1996م بإنشاء المؤسسة اليمنية العامة للثروات المعدنية والمسح الجيولوجي، وبموجب هذا القرار تم إلغاء هيئة الاستكشافات المعدنية وحلت المؤسسة المنشأة محلها، فيما تم إلغاءها بموجب القرار الجمهوري رقم (317) لسنة 1999م بشأن إنشاء هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية.
يقول الباحث معلقا :نلاحظ أنه خلال أقل من ثلاث سنوات تم إلغاء مؤسستين وإنشاء مؤسستين جديدتين لممارسة نفس النشاط .
ثانيا: القرار الجمهوري رقم (249) لسنة 1996م الخاص بدمج الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في هيئة جديدة تسمى الهيئة العامة للمعاشات والضمان الاجتماعي ، ثم تم إلغاءها لاحقاً بالقرار الجمهوري رقم (127) لسنة 1999م ، بشأن إلغاء القرار الجمهوري رقم (249) لسنة 1996م الخاص بدمج الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ، وفي هذا الشأن سجل الباحث ملاحظاته:-
أ- أن الهيئة العامة للمعاشات والضمان الاجتماعي المنشأة بموجب قرار الدمج لم يتم إصدار لائحتها التنظيمية منذ إنشائها حتى إلغائها .
ب- أن المؤسسة العامة للتأمينات والمعاشات والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية اللتان تم دمجهما في هيئة جديدة لم يتم إعادة تنظيمهما وفقاً لقانون الهيئات والمؤسسات العامة، حيث أن قرارات إنشاءهما صادرة قَبل قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990.
وبرغم هذا الإنتقاد الشديد من الدراسة لبعض ما نص عليه قانون الهيئات والمؤسسات العامة إلا أن ذلك في نظر معدها لا يعني تمردا عليه بل أن الضرورة تقتضي الالتزام والتقيد بما ورد فيه من أحكام عند إنشاء أو إدارة أو إلغاء أي مؤسسة باعتباره المرجع القانوني الأساسي لهذه المرافق.
"فهذا لا يعتبر الوضع الأمثل للمؤسسات العامة" هكذا يرى الباحث ويؤكد أنه في ظل الوضع القائم يفترض أن ينص القانون على أن يكون إلغاؤها بقرار جمهوري ،أما في الوضع المستقبلي فيجب أن يكون إنشاء وإلغاء المؤسسات العامة من اختصاص البرلمان ،لأنه إذا لم يكن للسلطة التشريعية حق إنشاء المؤسسات العامة وإقرار موازنتها كرقابة سابقة فإن الرقابة التي تمارسها في هذا الشأن ستكون صورية وليس منها أي جدوى ، حيث أن منح السلطة التنفيذية حق إنشاء المؤسسة العامة يحد بشكل كبير من رقابة السلطة التشريعية، باعتبار أن تدخلها وممارستها للرقابة على المؤسسات العامة لا يكون إلا بإذن من السلطة التنفيذية،.
النتائج والتوصيات
الدراسة لا تدين فحسب وإنما كما ذكرنا آنفا تستعرض وتناقش وتحلل نصوص قانونية ، لعلها تكشف عن جزء خفي من المسكوت عنه في إشكالية إنشاء المؤسسات العامة والغاؤها في الجمهورية اليمنية ،وعلى ضوء ذلك أنبثق عن الدراسة عشرات النتائج و تم على أساسها تحديد وصياغة التوصيات التي أختتمت بها هذه الدراسة قدمها الباحث وصفة جاهزة لحل هذه الإشكالية في وضعها الراهن حتى يتسنى للمؤسسات العامة تحقيق نجاحات ومكاسب تخدم الاقتصاد الوطني .
ومن أبرز هذه النتائج :إختلاف التشريعات في وضع تعريف للمؤسسة العامة و–معضمها - حددت التعريف لغرض تطبيق أحكام القانون، دون وضع تعريف يحدد أساساً ثابتاً للتكييف القانوني للمؤسسة العامة.
من جهة أخرى أعتمدت الدراسة- ضمن عناصر المؤسسة العامة- المرفق العام كعنصر أساسي في تحديد مجالها ،وتوصلت إلى أن الجمع بين المدلولين الموضوعي والعضوي للمرفق العام يظهر المرفق العام بشكل متكامل، بينما التعريف من ناحية واحدة فقط يكوّن نظرة مجتزئة للمرفق العام
وتؤكد على أهمية تخصص المؤسسات العامة كونه يميز بعضها عن بعض، وكذلك يميزها عن أجهزة الدولة الأخرى (المركزية).
إضافة إلى أن التخصص يجب أن ينص عليه في قرارات إنشاء المؤسسات العامة، وهو المُحدد القانوني والعملي لنشاط المؤسسة العامة
هذا وتبنت الدراسة أن تكون عملية إنشاء المؤسسات العامة من قِبل السلطة التشريعية، لما فيه من الضمانات الكفيلة بالحفاظ على المال العام وتحقيق المصلحة العامة
وعلى ضوء ذلك توصي الدراسة بجملة من التدابير والتوصيات أهمها وضع تعريف للمؤسسة العامة يشمل جميع أركان المؤسسة، وتقترح التعريف التالي "المؤسسات العامة هي الوحدات المتمتعة بالشخصية الاعتبارية لإدارة مرفق عام متخصص"
ومن توصيات الدراسة للمشرع اليمني النص صراحة على أداة وإجراءات إلغاء الهيئات العامة، وكذلك تصحيح الوضع المعيب في المادة (70) من قانون الهيئات والمؤسسات العامة الذي منح مجلس الوزراء سلطة إصدار قرار تصفية المؤسسات العامة ، وذلك بالنص على أن تكون التصفية بقرار جمهوري .
وكما تطالب بتعديل حق إنشاء المؤسسات العامة من السلطة التنفيذية ومنحه للسلطة التشريعية
وتوصي الدراسة بالإكتفاء بالنص على الجهات المشمولة برقابة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في قانون الجهاز، دون تكرار ذلك في قوانين وقرارات إنشاء وتنظيم بعض المؤسسات العامة وإغفالها في البعض الآخر، لما قد يسببه ذلك من تحديد وتقليص لنطاق رقابة الجهاز على المؤسسات العامةا
وكذلك إنشاء قضاء إداري مستقل، وبيان درجاته واختصاصاته، لما في ذلك من حفاظ على المصلحتين العامة والخاصة
وتشدد على تعديل المادة (5) من قانون الخصخصة، وذلك بمنح مجلس النواب دوراً رقابياً فاعلاً يكون مصاحباً لتنفيذ علميات الخصخصة
أخيراً؛؛؛
وتبقى أهم الجهود المبذولة من قبل الباحث هي محاولته تقديم رؤية تكاد تمثل عقدا قانونيا واجتماعيا وتنمويا جديدا يهدف لخدمة الإقتصاد الوطني ،لتقوم المؤسسات العامة بالدور الفاعل والرئيس كطرف في ذلك العقد .
ولهذا لست مجانبا الصواب إذا قلت أن هذه الدراسة مثيرة وسوف تباغت الكثير بموضوعيتها وجراءتها ،فهي تغوص عميقا لتجعل صعوبة قراءتها بحجم الصعوبة التي أحتاج إليها الباحث للخروج بها على هذا النحو .
التهنئة الصادقة للدكتور بشير العماد وبحثه القيم الذي يعد اضافة حقيقية لمكتبة الدراسات القانونية .