الدكتور/ أحمد صالح بن إسحاق* -
تأملات حول توجيه الرئيس باعتماد الانجليزية في التعليم
توجيه القيادة السياسية باعتماد الانجليزية في مناهج التعليم الجامعية:
تأملات حول أهمية القرار، وتجربة جامعة حضرموت في التطبيق
في ظل مايو ليه فخامة الاخ علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية من رعاية واهتمام لقطاع الشباب والطلاب، شهد الأسبوع المنصرم بميدان الحسينية للفروسية والهجن بمدينة الحسينية بالحديدة فعاليات اختتام مهرجان الحسينية الرابع للفروسية والهجن والموروث الشعبي، الذي شارك فيه (484) خيالا وهجانا إضافة الى عدد كبير من الرياضيين الشباب في العاب الكاراتية والكونغ فو والمبارزة والشطرنج وسباقات ألعاب القوى واختراق الضاحية إلى جانب مسابقات ثقافية وفنية.
وقد تضمن خطاب الأخ الرئيس التوجيهي خلال المهرجان الكشف عن العديد من السياسات والتوجهات الحديثة في تطوير وتنمية الإنسان؛ علميا، وثقافيا، ومهنيا، باعتباره أغلى موارد الوطن، فالإنسان وسيلة التنمية وغايتها، ولعل ابرز الخطوط العريضة للسياسات التربوية والتعليمية في خطابه، تكمن في توجيهه للحكومة باعتماد اللغة الإنجليزية مادة رئيسية في المراحل الجامعية وفي التعليم الأساسي على حدٍ سوى، وقال:" نحن سنتعامل مع العالم الخارجي والعالم المتحضر فيجب أن تكون مادة اللغة الإنجليزية من المواد الرئيسية في التعليم وانه يجب ان تعدل المناهج في ضوء ذلك.
فإذا تأملنا عزيزي القارئ لهذا التوجه الجديد الذي تنشده القيادة السياسية انطلاقا من قناعاتنا بان اللغة أهم وسائل الاتصال بين بني البشر؛ باعتبارها منظومة رمزيّة، ووسيلة للتواصل والوصول للحقيقة وفهم العالم من حولنا والتعبير عنه، وإنها ليست مجرد كلمات ومصطلحات تستعمل لتدل على أشياء فحسب، وإنما هي أداة للتفكير، ووعاء للأفكار، فان من لا لغة له لا فكر له.
فتعددت لغات الأمم، واقتضت ضرورات التواصل مع الشعوب معرفة لغاتها، ويتحيز بني البشر للغات مواطنهم باعتبارها جزء من ثقافتهم ويعتز العرب والمسلمون بلغتهم العربية باعتبارها لغة القرآن ولغة أهل الجنة، وفي الوقت نفسه يرون ضرورة تعلم لغات الغير للتعايش معاً في هذا الكوكب الصغير الذي تحول بفعل تطور وسائل الاتصال والمواصلات إلى قرية صغيرة فمثلا اعتمد علماء المسلمين مؤخراً على العديد من اللغات الأجنبية في الرد علي حملات التشويه للإسلام، و دحض الأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة عن العرب والثقافة العربية الإسلامية، و الاستفادة من العديد من اللغات الأجنبية في نشر الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية .
وإذا كنا على قناعة بان اللغات الأجنبية تختلف في أهميتها، فان أهمها بنظري؛ هي اللغة الانجليزية، باعتبارها من أكثر اللغات شيوعاً في أنحاء مختلفة من العالم؛ حيث أصبحت تتمتع بصبغة عالمية، فقد طغت على سائر اللغات، وسادت لدى الكثير من الأمم والشعوب في مشارق الأرض ومغاربها، فتكاد لا ترى بلدا يخلو منها، بغض النظر عن مركزه ودرجته في سلم الحضارة. فقد القت مراسيها على امتداد بقاع أفريقيا وصحاري استراليا والمناطق القطبية الباردة، فضلا عن انتشارها في جميع المناطق المتمدنة من العالم… ويضاف إلى هذا الانتشار الواسع للغة الانجليزية في العالم الاعتماد عليها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي حيث أصبح الاعتماد عليها كبير في الكثير من المعاهد والجامعات العالمية، كما إنها أصبحت لغة الاقتصاد والتجارة الإلكترونية والطيران والسياحة والسفر... والخ
وفي ضوء ذلك أصبحت مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي في البلدان غير الناطقة بالانجليزية تواجه تحدياً جديداً، حيث أصبح من الضروري عليها ان تعد مخرجاتها من الطلبة والطالبات ليكونوا متقنين لمهارات اللغة الانجليزية بما يسهل انخراطهم في سوق العمل المحلي والعالمي، وتجديد معلوماتهم بصورة مستمرة في ظل التطور والتغير المعلوماتي السريع الذي يشهده العالم معتمداً على أكثر اللغات شيوعاً في العالم.
وجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا كواحدة من الجامعات اليمنية التي تسعى الى ترجمة سياسات القيادة السياسية إلى برامج عمل واقعية قد استلهمت من الإشارات السابقة للقيادة السياسية ما جعلها تبادر باتخاذ القرارات القاضية باعتماد اللغة الانجليزية كلغة للتدريس في مختلف التخصصات العلمية واعتبار مساق اللغة الانجليزية مساقاً إجبارياً على جميع طلبة اختصاصاتها المختلفة.
ولتحقيق هذا التوجه فان الجامعة لم تكتفي بتطوير المناهج الجامعية لتواكب هذا التوجه بل سعت إلى تحديث وتطوير مهارات اللغة الانجليزية لأساتذة الجامعة وطلابها من خلال التعاون مع السفارة الكندية لتأسيس بيئة تعليمية لتعليم اللغة الانجليزية في جامعة حضرموت وتزويدها بالتجهيزات والمختصين الناطقين باللغة الانجليزية كلغة أولى، لتقدم خدماتها لطلبتها وأساتذتها والمجتمع وكذا طلبة التعليم العام الذين يمثلون مدخلات الجامعة، كما سعت الجامعة غالى خلق أنماط من التعاون مع سفارات الدول الناطقة باللغة الانجليزية من أجل تطوير بيئة تعلم اللغة الانجليزية داخل جامعة حضرموت ومنها السفارة الأمريكية بصنعاء حيث كانت للزيارة الأخيرة للسيدة آن ماري روباشفسكي الملحق الإعلامي والثقافي بالسفارة الأمريكية الى جامعة حضرموت وكذا الزيارة الأخيرة للسيد نبيل خوري نائب السفير الأمريكي بصنعاء للجامعة والوفود المرافقة اثرها في تعزيز التعاون المشترك بين جامعة حضرموت والجامعات والمنظمات الأمريكية ومنها منظمة الأميدست التي أسست بجامعة حضرموت مكتبا متخصصا في تعليم اللغة الانجليزية ليتولى الإشراف على تأهيل طلبة جامعة حضرموت والمعيدين بها في اللغة الانجليزية ليحصلوا على درجة التوفل وتقديم خدمة تعليم مهارات اللغة الانجليزية لأفراد المجتمع وطلبة الثانوية العامة، والذي قدم للجامعة مؤخرا أكثر من مائة منحة دراسية مجانية.
كما يسهم مختبر (الركن الأمريكي) بكلية الهندسة والبترول بالجامعة والمكتبة التابعة للمختبر و المزود بأجهزة حاسوب وشاشات عرض تيسر لطلبة الجامعة وأساتذتها عقد حوارات علمية وثقافية هادفة على الهواء مباشرة مع طلبة و أساتذة أي من الجامعات الأمريكية والعالمية، في انجاح هذا التوجه.
وفي الاتجاه نفسه فقد عملت الجامعة على عقد العديد من اتفاقيات التعاون العلمي والثقافي مع العديد من جامعات الدول الأجنبية الناطقة باللغة الانجليزية وقد يكون آخرها اتفاقيات التعاون العلمي الموقعة مع ست من الجامعات البريطانية، حيث أولت العديد من الجامعات العالمية اهتمامها ودعمها لاتجاهات جامعة حضرموت في التطوير وقد يكون آخر الدعم الموجه لجامعة حضرموت مؤخرا يتمثل في منحة جامعة ماسترخت الهولندية التي قدمت اثنين مليون يورو لتطوير التعليم في كلية الطب التابعة لجامعة حضرموت.
وحيث أن جامعة حضرموت لم يقتصر اهتمامها في ترجمة هذه السياسات على تطوير المقرر الدراسي ومهارات الأستاذ الجامعي والطالب الجامعي والبيئة التعليمة بل امتدت لتشمل جميع فئات المجتمع المحلي من خلال توفير الدورات المتخصصة في مجال اللغة الانجليزية وعقد الندوات العلمية في هذا الاتجاه التي قد يكون آخرها ندوة أساليب تدريس اللغة الانجليزية التي عقدت بالجامعة وشارك بها العديد من الخبراء الأجانب واليمنيين وحشد من معلمي ومشرفي اللغة الانجليزية العاملين بمكاتب وزارة التربية والتعليم، وطلبة وطالبات قسم اللغة الانجليزية بالجامعة، حيث تناولت أوراق العمل المقدمة في الندوة جملة من أساليب التدريس والتقنيات الحديثة التي يستطيع من خلالها المعلم رفع مستوى دافعية الطلبة لتعلم الانجليزية، وإكسابهم مهارات اللغة الانجليزية كالقراءة والكتابة والحديث والاستماع بأقل الجهد والوقت والتكاليف.
فكيفما كانت اتجاهاتنا عزيزي القارئ نحو اللغة الانجليزية او متحدثيها فان تحدي إتقان مهاراتها ينبغي ان نخوضه بمنعزل عن اتجاهاتنا، ودون تفريط في لغتنا وثقافتنا العربية وقيمنا الإسلامية.
*أستاذ المناهج وتكنولوجيا التعليم ومدير عام العلاقات الخارجية والثقافية والإعلام بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا.