د. عبدالحكيم محسن عطروش * -
المشاركة السياسية للمرأة والكوتا
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
أعلن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح , خلال اجتماعه بممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية مقترحات بتعديل الدستور تهدف إلى تطوير النظام السياسي لليمن. ومن هذه التعديلات ما يلي :
1- أن يكون النظام السياسي للحكم رئاسيا كاملا, وتكون مدة رئاسة الجمهورية خمس سنوات .
2- أن يتكون البرلمان اليمني من غرفتين تشريعيتين هما : مجلس النواب ومجلس الشورى, على أن تجري الانتخابات في كل من المجلسين كل أربع سنوات .
3- أن يعدل مسمى السلطة المحلية إلى الحكم المحلي, بحيث يكون رئيس الحكم المحلي منتخبا من هيئة الناخبين وفقا للقانون, ويكون لمجلس الحكم المحلي صلاحيات يحددها القانون .
4- أن تكون الضرائب والموارد المحلية من اختصاص المجالس المحلية وفقا للقانون الذي يحدد ما يعد ضرائب سيادية مركزية .
5- أن يكون تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بناء على ترشيح مجلس القضاء الأعلى لعدد( 14) قاضيا من ذوي الكفاءة والنزاهة بحيث يختار منهم رئيس الجمهورية سبعة ويصدر بهم قرار.
7- تخصيص (15%) من مقاعد البرلمان للمرأة.
وقد كانت هذه المبادرة محل نقاش وإثراء من قبل السياسيين والمفكرين في العديد من الندوات والمحافل العلمية. في ورقتنا هذه سنتطرق إلى أحد بنود هذه ألا وهي تخصيص (15%) من مقاعد البرلمان للمرأة, وهو ما يعرف باسم ( الكوتا ). ولكن قبل أن نتحدث عن ذلك سيكون من الأجدى الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة في الدستور النافذ , لذلك سنقسم موضوعنا إلى مبحثين : المبحث الأول يتناول المشاركة السياسية للمرأة في الدستور النافذ, والمبحث الثاني يتناول الكوتا النسوية وآلية تطبيقها .
المبحث الأول
المشاركة السياسية للمرأة في الدستور النافذ
تمهيد :
صدر الدستور اليمني المعدل في ابريل عام 2001م, وعند النظر في مواده يلاحظ أنه يشير إلى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. فلفظ " مواطن " يقصد به الرجل والمرأة دون تمييز. وفي هذا الخصوص نصت المادة (41) من الدستور ما يلي : " المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة". كما أن لفظ " عضو " أو "ناخب " أو "مرشح " أينما ورد في الدستور, يقصد به المرأة والرجل دون تمييز. في هذا المبحث سنتطرق إلى حقوق المرأة السياسية كما كفلها الدستور والقوانين ذات العلاقة في ثلاثة مطالب : المطلب الأول يتناول : حق المرأة في الانتخاب, المطلب الثاني يتناول : حق المرأة في الترشيح, المطلب الثالث يتناول : حق المرأة في تولي الوظائف العامة . وسنتولى تباعا بيان هذه الحقوق :
المطلب الأول
حق المرأة في الانتخاب
نصت المادة (43) من الدستور على أنه : " للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء , وينظم القانون الأحكام المتعلقة بممارسة هذا الحق ".
والقانون المنظم لحق الانتخابات هو قانون الانتخابات العامة والاستفتاء رقم 13/لسنة 2001م , فقد جاء في المادة (2) منه :" يتمتع بحق الانتخاب كل مواطن بلغ من العمر ثماني عشرة سنة كاملة...". ومتى ما بلغ المواطن – ذكرا كان أو أنثى – السن القانونية, فإنه يستطيع أن يمارس حقه في الانتخاب دون أي تقييد . وهذا النص جاء منسجما مع المادة (1) من اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة الصادرة في عام 1952م, حيث نصت المادة (1) منه ما يلي : " للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز ". كما جاء هذا النص منسجما مع ما قررته المادة (7) من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة , حيث نصت : " يتعين على الدول الأطراف أن تتخذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد بحيث تكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة ". فلا يعرف الدستور اليمني ولا قانون الانتخابات العامة والاستفتاء ولا قانون السلطة المحلية أية قيود تحول دون ممارسة المرأة حقها الانتخابي , بل نجد أن الجمهورية اليمنية تعمل على تشجيع المرأة للممارسة حق الانتخاب , وهذا ما أكدت عليه المادة (7) من قانون الانتخابات العامة والاستفتاء رقم 13/ لسنة 2001م حيث نصت المادة آنفة الذكر ما يلي :" تقوم اللجنة العليا للانتخابات باتخاذ الإجراءات التي تشجع المرأة على ممارسة حقوقها الانتخابية وتشكيل لجان نسائية تتولى تسجيل وقيد أسماء الناخبات في جداول الناخبين والتثبيت من شخصياتهن عند الاقتراع, وذلك في إطار المراكز الانتخابية المحدودة في كل دائرة من الدوائر الانتخابية ".
المطلب الثاني
حق المرأة في الترشيح
تنص المادة (43) من الدستور اليمني على أنه :" للمواطن حق الترشيح...". وهذا الحق هو بطبيعة الحال تجسيد لحق الانتخاب, فيحق للمواطن ذكرا كان أو أنثى أن يرشح نفسه لانتخابات مجلس النواب, ولانتخابات المجالس المحلية. وقد جسدت المادة (56) من قانون الانتخابات العامة والاستفتاء هذا الحق على النحو الآتي :" يحق لكل ناخب أن يرشح نفسه في الدائرة التي بها موطنه الانتخابي ". وقد حددت المادة (64) , الفقرة (2) من الدستور, وكذلك المادة (56) من قانون الانتخابات العامة والاستفتاء , الشروط الواجب توافرها في المرشح لعضوية مجلس النواب وهي على النحو الآتي:
1- أن يكون يمنيا
2- أن لا يقل عمره عن خمسة وعشرين عاما
3- أن يكون مجيدا للقراءة والكتابة
4- أن يكون مستقيم الخلق والسلوك, مؤديا للفرائض الدينية, وأن لا يكون قد صدر ضده حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف والأمانة مالم يكون قد رد إليه اعتباره.
كما جاء في المادة (9) من قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000م المعدل بالقانون رقم 25/لسنة 2002م ما يلي :" للمواطنين جميعا في نطاق وحداتهم الإدارية حق الترشيح والانتخاب لعضوية المجالس المحلية طبقا لأحكام هذا القانون وقانون الانتخابات العامة ".
وقد حددت المادة (99) من قانون السلطة المحلية الشروط الواجب توافرها في المرشح لعضوية المجلس المحلي وهي ما يلي :
1- أن يكون يمنيا .
2- أن لا يقل عمره عن خمسة وعشرين عاما.
3- أن يجيد القراءة والكتابة.
4- أن يكون مقيما أو له محل إقامة ثابت في الوحدة الإدارية التي يرشح نفسه فيها.
5- أن يكون اسمه مقيدا في جداول الناخبين في نطاق الدائرة المرشح بها في الوحدة الإدارية.
6- أن يكون مستقيم الخلق ومحافظا على الشعائر الإسلامية, وأن لا يكون قد صدر ضده حكم قضائي في جريمة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
وعلى الرغم من الدستور وقانون الانتخابات العامة والاستفتاء لا يمنعان المرأة ولا يقيدان حريتها في ممارسة حق الانتخاب والترشيح, إلا أنه على صعيد الواقع نرى أن نسبة مشاركتها كمرشحة ضعيفة جدا إذا ما قارناها بنسبة مشاركتها كناخبة, رغم أن كثيرا من الأحزاب والتنظيمات السياسية تنافست لضم واستقطاب النساء لصفوفها والتهافت على أصواتهن اعترافا من هذه الأحزاب بأن النساء يشكلن قوة ضاغطة في العملية الانتخابية ومؤثرة في إنجاح صوت المرشح وفوزه بالمقعد النيابي سواء في مجلس النواب أو في المجالس المحلية. ولقد استغلت الأصوات النسائية في إنجاح المرشح لا في إنجاح المرشحة الأمر الذي عكس نفسه سلبيا على النساء المرشحات في الانتخابات الأخيرة إلى مجلس النواب حيث لم تفز سوى مرشحة واحدة.
ومما لا شك فيه أن هناك عدة عوامل تحول دون ممارسة المرأة لحقوقها السياسية وعلى وجه الخصوص حقها في الانتخاب والترشيح, لعل أبرزها :
1- العامل الاجتماعي:
فلا زال المجتمع ينظر إلى المرأة باعتبارها كائن اجتماعي لا يمكن أن يسهم بنشاط وفاعلية في الحياة السياسية للمجتمع, مع أن الدستور قد أكد على حق المرأة في ذلك , حيث تنص المادة (42) منه ما يلي :" لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية". ( فالمطلوب إذن تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة, وهذا لن يتأتى إلا بالعمل الجاد ومحو أميته الثقافية ورفع مستواه الثقافي والاجتماعي ).
كذلك لا زالت نظرة الرجل إلى المرأة تقليدية – تابعة للزوج بحكم قوامته عليها والطاعة له, ناهيك عن الالتزامات الأسرية التي تكون عادة على عاتق المرأة أكثر من الرجل, ونعتقد أنها هي الأخرى معوقة للممارسة المرأة حقوقها السياسية.
2- العامل الديني:
الناجم عن التفسير الخاطىء لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف, أو الناجم عن الاجتهادات الفقهية المتطرفة التي تحرم مشاركة المرأة السياسية. فبسبب قلة الوعي والأمية , فإن لهذه التفسيرات والاجتهادات أثرها السلبي على المرأة , الأمر الذي يعكس نفسه على ممارسة حقها في الانتخاب والترشيح .
من خلال ما تم ذكره نخلص إلى القول بأن الدستور وقانون الانتخابات العامة والاستفتاء, وقانون السلطة المحلية لا يمنعوا المرأة من حق الانتخاب والترشيح, ولكن هناك من العوامل الاجتماعية والثقافية التي تحول دون مشاركتها السياسية , الأمر الذي يتطلب البحث عن آلية جديدة لضمان مشاركتها فيها دون أي تمييز .
المطلب الثالث
حق المرأة في تولي المناصب العامة
أولا- منصب رئيس الجمهورية :
عند النظر في أحكام الدستور اليمني النافذ, يلاحظ أنه لا يوجد نص واضح وصريح يمنع المرأة من تولي منصب رئيس الجمهورية. فانطلاقا من مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (41) من الدستور, وانطلاقا من أن كلمة " مواطن " تعني الرجل والمرأة(1) , نستطيع القول أن المرأة يحق لها تولي هذا المنصب. فقد نصت المادة (107) من الدستور ما يلي :" كل يمني تتوفر فيه الشروط المحددة فيما يأتي يمكن أن يرشح لمنصب رئيس الجمهورية :
أ- أن لا يقل سنه عن أربعين سنة .
ب- أن يكون من والدين يمنيين.
ج- أن يكون متمتعا بحقوقه السياسية والمدنية.
د- أن يكون مستقيم الأخلاق والسلوك محافظا على الشعائر الإسلامية وأن لا يكون قد صدر ضده حكم قضائي بات في قضية مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
هـ - أن لا يكون متزوجا من أجنبية وإلا يتزوج أثناء مدة ولايته من أجنبية.
إلا أنه بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي تعد مصدر جميع التشريعات(2), بما في ذلك الدستور, يرى بعض أهل العلم أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى منصب رئيس الجمهورية, على اعتبار أن هذا المنصب من الولاية العامة استنادا لقوله تعالى :" الرجال قوامون على النساء..."(3) , وبقوله تعالى " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ".(4) ووجه الاستدلال في الآيتين أن الله أثبت قوامة الرجل على المرأة بناء على استعدادات وأوصاف خاصة فيه تختلف عن المرأة. كما استدلوا أيضا بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:" لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة "(5). وانسجاما مع الشريعة الإسلامية جاءت المادة (31) لتؤكد أن الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء يجب إلا تتعارض مع الشريعة الإسلامية, فقد نصت المادة المذكورة ما يلي : " النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة الإسلامية وينص عليه القانون ".
أما بالنسبة للوظائف العامة الأخرى فيجوز للمرأة توليها, إذ يحق للمرأة أن تكون رئيسا للوزراء أو وزيرة إذا ما استوفت الشروط الواردة في المادة (131) من الدستور, حيث تنص هذه المادة ما يلي :" يجب أن تتوفر في رئيس الوزراء ونوابه والوزراء الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس النواب مع مراعاة أن لا تقل سن أي منهم عن ثلاثين باستثناء رئيس الوزراء الذي يجب أن لا يقل سنه عن أربعين سنة ".(6)
ثانيا – منصب القضاء :
لا يمنع قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م وتعديلاته المرأة من أن تتولى مهنة القضاء مادامت مستوفية للشروط. وقد حددت المادة (57) من القانون شروطا واضحة ومحددة لمن يعين من منصب القضاء أو النيابة العامة, ولم يرد منها شرط الذكورة صراحة أو ضمنا. وتنص المادة (57) من قانون السلطة ما يلي :" يشترط في من يعين ابتداء في وظائف السلطة القضائية ما يلي :
أ- أن يكون متمتعا بجنسية الجمهورية اليمنية , كامل الأهلية , خاليا من العاهات المؤثرة على القضاء.
ب- أن لا يقل عمره عن ثلاثين عاما, ولا يتولى القضاء إلا بعد مضي فترة تدريبية لا تقل عن سنتين في المجال القضائي.
ج- أن يكون حائزا على شهادة من المعهد العالي للقضاء بعد الشهادة الجامعية في الشريعة والقانون, أو في الحقوق من إحدى الجامعات المعترف بها في الجمهورية اليمنية.
د- أن يكون محمود السيرة والسلوك, حسن السمعة.
هـ - ألا يكون قد حكم عليه قضائيا في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة.
لقد كفل الدستور والقوانين النافذة حق المرأة في تولي المناصب العامة دون تمييز انسجاما مع اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة , حيث نصت المادة (3) منها ما يلي:" للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز ".
إلا أن المتتبع لمستوى مشاركة المرأة في هذا المجال يجد أنه متواضع إذا ما قارنّاه بمستوى مشاركة الرجل. ومن الطبيعي أن هناك جملة من العوامل والعراقيل التي تحول دون ممارسة المرأة الوظائف العامة لعل أبرزها:
1- نقص الوعي الثقافي والاجتماعي :
فالمجتمع اليمني لا تزال أغلبيته ترى أن الوظائف العامة تخص الرجل دون المرأة, على اعتبار أن المرأة غير مهيأة لها من الناحيتين النفسية والبدنية, بل أن وظيفتها الأساسية هي رعاية الزوج وتربية الأطفال والاهتمام بشئون المنزل.
2- العامل الديني :
ويستند هذا العامل على وجهات نظر بعض التيارات الإسلامية المعاصرة التي تستند على مرجعيات فقهية ومذهبية معينة ترفض بشدة مزاولة المرأة للوظائف العامة على اعتبار أن هذه الوظائف من الولاية العامة التي تكون حكرا فقط على الرجال, مستندين في ذلك لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام السابق ذكره : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ", ولحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :" القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار . فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به, ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار, ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ".(7) فقد جاء في الحديث رجل ورجل فدل بمفهومه على عدم جواز المرأة توليه, وأنه يشترط أن يكون القاضي رجلا, متناسين قوله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ".(8) كما أن الشواهد التاريخية تثبت أن الملكة بلقيس قد حكمت مملكة سبأ اليمنية, وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم, وأن السيدة أروى بنت أحمد الصليحي كانت ملكة الدولة الصليحية .
3- عوامل أخرى :
ومن المعوقات الجديرة بالاعتبار أن ممارسة هذه الوظائف تتطلب جهدا شاقا ووقتا أطول قد يمتد إلى ساعات متأخرة في المساء وخارج المنزل, كما أنها قد تتطلب التنقل إلى محافظات الجمهورية وأحيانا تتطلب السفر إلى خارج الجمهورية . فقد تكون هذه الوظائف على حساب الأسرة والصحة.
ولتيسير السبل ولفتح المجال أمام المرأة للانخراط في مثل هذه الوظائف أرى إزالة العراقيل التي أشرنا إليها , بالإضافة إلى تحسين القوانين التي تنظم عمل المرأة بحيث تكون ملائمة مع خصوصيتها كشريك فعّال في بناء المجتمع.
المبحث الثاني
الكوتا النسوية وآلية تطبيقها
تمهيد :
أعلن فخامة رئيس الجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح في مبادرته بشأن التعديلات الدستورية تخصيص نسبة (15%) من مقاعد البرلمان للمرأة , وهو ما يعرف بالكوتا النسوية. والحديث عن الكوتا يتطلب تعريفها وآلية تطبيقها, لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين : المطلب الأول سنتناول: تعريف الكوتا وأسباب الأخذ بها, وفي المطلب الثاني : نتناول فيه آلية تطبيق الكوتا مع استعراض تجارب بعض البلدان العربية.
المطلب الأول
تعريف الكوتا وأسباب الأخذ بها
1- تعريف الكوتا :
الكوتا (quota) في الأصل كلمة لاتينية شاع استخدامها بلفظها الأصلي, ومعناها في اللغة العربية " حصة ".(9) أما معناها الاصطلاحي فهو :" تخصيص عدد من مقاعد البرلمان بغض النظر عن عدد الناخبين الذين تولوا انتخاب النساء ".(10) أي أن ذلك يعني أن تكون للنساء حصة في عضوية السلطة التشريعية على سبيل الوجوب والإلزام , بحيث لا تكتسب السلطة التشريعية , الصفة الدستورية والمشروعية, مالم يكن من بين أعضائها عدد من النساء.
ومن خلال التعريف يتضح لنا أن ( الكوتا ) عبارة عن إجراء يهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة سياسيا عن طريق تخصيص عدد أو نسبة من مقاعد البرلمان للنساء , ذلك أن تمثيلهن على صعيد الواقع لا يتناسب مع حقيقة أنهن يشكان نصف أي مجتمع وأنهن يمثلن نصف عدد المسجلين قي قوائم الانتخابات.(11) ويجب أن نعلم أن هذا الإجراء مؤقت حسب ظروف كل بلد حتى تستطيع المرأة إثبات ذاتها وقدراتها في الوصول إلى مواقع صنع القرار.
2- أسباب الأخذ بالكوتا:
توجد عدة أسباب للأخذ بنظام الكوتا لعل من أبرزها :
1- القضاء على ظاهرة التمييز ضد المرأة التي تعد واحدة من أهم العقبات التي تواجه خطط وبرامج التنمية في دول العالم النامي. لقد بدأ خبراء التنمية ينظرون للتنمية بمعناها الواسع, وفي علاقتها الوثيقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
2- ضمان مشاركة منصفة للنساء تتلاءم مع مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة المنصوص عليه في دساتير أغلب الدول. فعلى الرغم من وجود هذا المبدأ, إلا أن ظاهرة التمييز ظلت تشكل عقبة أمام خطط التنمية في المجتمعات وأمام تطورها بشكل عام.(12)
3- انسجاما مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة التي صدّقت عليها أغلب الدول,ومن أبرزها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي جسدت مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
4- إعطاء النساء بشكل مؤقت نوعا من الدعم المؤسسي أو القانوني ( وهو ما يعرف بالتمييزالإيجابي أو التدخل الإيجابي ), للتعويض عن التمييز السلبي الذي تعاني منه النساء من جراء المفاهيم التقليدية , ولعدم توفر أي مصادر النفوذ المالي أو الاجتماعي أو السياسي لديها إلى أن يتحقق بعض التكافؤ بين إمكانيات النساء والرجال .
5- القضاء التدريجي على النظرة النمطية التقليدية السائدة التي تقصي المرأة عن موقع القرار.
6- أن للنساء استحقاقات وأوضاع لا يتوقع من النواب الذكور حمل لوائها, وبالتالي فهن أدرى بها وبما يلائمها من تشريعات .
والجمهورية اليمنية تكاد تنطبق عليها نفس الأسباب والعوامل, فالدستور اليمني ينص على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة , وقانون الانتخابات العامة والاستفتاء وقانون السلطة المحلية لا يمنعان المرأة من حق الانتخاب والترشيح, ولكن بالمقابل نرى أن مشاركة المرأة السياسية لازال ضعيفا بسبب العديد من العوامل الاجتماعية والدينية التي أشرنا إليها سابقا. كما أن الجمهورية اليمنية انضمت إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بوجه عام وحقوق المرأة بوجه عام . لذلك بهدف تعزيز مكانة المرأة في الحياة السياسية, وبهدف تعزيز الديمقراطية والتنمية, ولتحسين صورة اليمن دوليا في مجال حقوق الإنسان ودعمها للديمقراطية والتنمية, أعلنت مبادرة الرئيس بتخصيص (15%) من مقاعد البرلمان للمرأة اليمنية.
المطلب الثاني
آلية اعتماد الكوتا
نظرا لعدم وجود نظام الكوتا في النظام القانوني اليمني, ونأمل أن يجد طريقه في التشريع كي يرى النور, نستعرض طرق اعتماد نظام الكوتا في بعض الدول التي عرفته. وفي هذا الخصوص نود الإفادة إلى وجود أكثر من طريقة لاعتماد نظام الكوتا كتدخل إيجابي لضمان تمثيل منصف للنساء, وللاقتراب من تحقيق المساواة التي تنص عليها القوانين والتشريعات الوطنية والدولية, وذلك في البلاد التي لا يزال تمثيل النساء فيها قليلا أو معدوما بتأثير نظرة المجتمع السلبية لمشاركة المرأة في العمل السياسي ومواقع صنع القرار, ولضعف إمكانيات المرأة في منافسة المرشحين من الرجال من حيث الخبرة والنفوذ والإمكانيات المادية. ومن هذه الطرق :
أولا : عن طريق الأحزاب :
ويكون ذلك بأن تقوم الأحزاب السياسية بتحديد نسبة منصفة للنساء من قوائم مرشحيها للانتخابات. ولتنفيذ هذه الطريقة يتطلب تعديلا في قانون الأحزاب بحيث تضاف مادة في القانون تشترط أن تحوي قائمة الترشيح للأحزاب على نسبة لا تقل عن 15% من النساء. وتكون هذه الطريقة ناجحة في البلاد التي يوجد بها أحزاب قوية وكبيرة قادرة على تداول السلطة عن طريق الانتخابات, ويكون لهذه الدول عادة قوانين انتخاب تعتمد النظام النسبي, أي نظام القوائم التي تتبنى فيها الأحزاب برامج تعالج القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم المجتمع.(13) وتحتاج هذه الطريقة لوجود حركة نسائية نشيطة وفعالة وقادرة على إحداث ضغط على الأحزاب للقيام بهذا الإجراء, ووجود أحزاب مدركة لأهمية تطوير مشاركة النساء وقادرة على تبني مطالبها. ومن مساوىء هذه الطريقة أنها لا تضمن وصول النساء ونجاحهن إلى المجالس النيابية, فقد ينافس النساء مرشحات مستقلات مدعومين من أحزاب بشكل غير رسمي أو غير مباشر, أو أن ترشح النساء في دوائر تعلم الأحزاب السياسية أن النساء لن ينجحن فيها مسبقا.(14) ومن الدول التي تتبع هذه الطريقة اندونيسيا - كبرى الديمقراطيات الإسلامية - إذ أنه بموجب التشريع الدستوري الصادر عام 2004م, الذي ينطبق على الانتخابات العامة دون المحلية, يجب أن يكون ضمن مرشحي الأحزاب السياسية في كل إقليم انتخابي نسبة من السيدات لا تقل عن 30% .(15)
وفي اليمن وعلى الرغم من وجود ثلاثة أحزاب رئيسية هي : المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني إلا أنها لم تدفع كثيرا بالمرأة للوصول إلى المجلس النيابي في الانتخابات النيابية لعام 2003م.(16) وأرى أن من صالح الأحزاب السياسية ترشيح النساء, لأن ذلك سيوفر لها مقاعد أكثر في البرلمان إذا ما قدمت هذه الأحزاب دعمها الكامل للنساء المرشحات. كما أن قانون الانتخابات رقم 13/لسنة 2001م يعتمد نظام الدائرة الفردية , وهذا النظام لا يسمح بتمثيل أوسع للنساء.
ثانيا : عن طريق الدستور أو قانون الانتخابات:
بحيث يتضمن الدستور أو قانون الانتخابات نصا واضحا بتخصيص عدد أو نسبة معينة من مقاعد البرلمان للنساء. ويمكن أن يتضمن الدستور نصا عاما بتحديد عدد أو نسبة معينة بينما يتناول القانون التفصيلات. وتستخدم هذه الطريقة في البلاد النامية المستقلة حديثا أو البلاد التي تمر في مراحل تحول نحو نظام سياسي ديمقراطي. وتتطلب هذه الطريقة وجود حركة نسائية منظمة وقوية ومنظمات مجتمع مدني قوية وحيوية قادرة على إحداث ضغط على صانعي القرار في البلاد. ويعد العراق من الدول العربية التي حددت نسبة (25%) من مقاعد البرلمان للنساء حسب الفقرة ج من المادة (30) من قانون إدارة الدولة (الدستور الانتقالي الصادر في عام 2004م)(17) . وتعد الأردن من الدول العربية التي اعتمدت نظام الكوتا عبر تعديل في قانون الانتخاب رقم 43/لعام 2001م. وقد أشار التعديل الصادر في عام 2003م بتخصيص ستة مقاعد للنساء في البرلمان كحد أدنى. (18)
وفي اليمن, ونظرا لأن الدستور لم يتطرق إلى نظام الحصة (الكوتا), فلإدخاله يتطلب تعديل الدستور عن طريق الاستفتاء بعد عرضه على مجلس النواب وموافقة ثلاثة أرباع المجلس عليه, إذا ما أردنا تطبيق نظام الكوتا في الانتخابات البرلمانية القادمة المقررة في ابريل عام 2009م.(19) ومن المعروف أن الإعداد للاستفتاء ليست بعملية سهلة بل هي شاقة وعسيرة ومكلفة حيث أنها توازي الإعداد للانتخابات نفسها, لذا يجب الاستعداد له مبكرا.
ثالثا : عن طريق إصدار مرسوم رئاسي أو ملكي :
وهو ما يسمى بالإرادة السياسية, وتستخدم هذه الطريقة في حال عدم وجود أحزاب وقوى سياسية قادرة على تداول السلطة وتمثيل النساء في قوائمها, أو في حال عدم وجود منظمات مجتمع مدني قادرة على دعم الحركة النسائية والضغط معها لتحقيق مطالبها, وفي حالة عدم تجاوب النظام السياسي مع حركة ومطالب المجتمع المدني. ومن الأمثلة على هذا النوع من الكوتا المغرب حيث تم اعتمادها عبر مرسوم ملكي بتخصيص (30) مقعدا للنساء كحد أدنى في انتخابات أكتوبر 2002م(20).
الخاتمة :
بعد أن استعرضنا بعض الجوانب المتعلقة بالمشاركة السياسية للمرأة ونظام الكوتا توصلنا في خاتمة عملنا المتواضع إلى جملة من النتائج والتوصيات نبرزها على النحو الآتي :
1- بينت الدراسة أن نسبة مشاركة المرأة كمرشحة للانتخابات تقل بكثير عن نسبة مشاركتها كناخبة ولضمان مشاركتها السياسية في البرلمان نرى تأييد مبادرة فخامة رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح بشأن تخصيص نسبة (15%) من مقاعد البرلمان لصالح المرأة, على أن ينص على ذلك في الدستور بعد إجراء التعديل المناسب عليه, وكذلك في قانون الانتخابات العامة والاستفتاء.
2- توسيع مبادرة الرئيس بحيث تشمل تخصيص نسبة ( 15%) من مقاعد المجالس المحلية للمرأة مع التأكيد على أهمية تمثيل المرأة في عضوية اللجنة العليا للانتخابات وفي كل اللجان الإشرافية والأصلية.
3- بينت الدراسة كذلك تدني نسبة مشاركة المرأة في سلطتي الدولة التنفيذية والتشريعية, ولضمان هذه المشاركة نرى ضرورة اتخاذ تدابير فعلية تؤمن مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار في سلطتي الدولة التنفيذية والقضائية, من خلال تخصيص نسبة معينة أو عدد معين في مواقع سلطتي الدولة التنفيذية والقضائية للمرأة, بعد إجراء التعديلات التشريعية المناسبة لبلوغ هذا الهدف.
4- أوضحت الدراسة أن نص المادة (107) من الدستور الذي يحدد الشروط الواجب توافرها في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية قابل للتأويل والاجتهاد , ولضمان عدم وجود اختلاف في فهم هذه المادة أرى إعادة صياغتها.
5- أشارت الدراسة إلى أن الأحزاب السياسية تراجعت في الدفع للوصول بالمرأة في المجالس النيابية وقد ظهر ذلك جليا في الانتخابات النيابية في عام 2003م, لذا فإننا نقترح تعديل قانون الأحزاب بحيث يتضمن نصا يلزم الأحزاب أن تتضمن قائمة الترشيح للانتخابات النيابية على نسبة لا تقل عن 15% من النساء المرشحات .
المراجع :
1- اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة الصادرة في عام 1952م.
2- اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عام 1979والنافذة عام 1981م.
3- دستور الجمهورية اليمنية الصادر في ابريل 2001م.
3- قانون الانتخابات العامة والاستفتاء رقم 13/لسنة 2001م.
4- قانون السلطة المحلية رقم 4/لسنة 2000م.
5- سنن الترمذي, دار إحياء التراث العربي, بيروت( بدون تاريخ), ج4 / ص 527.
6- شرح النووي على صحيح مسلم, دار إحياء التراث العربي, بيروت 1392هـ, ج12/ 14.
*كلية الحقوق – جامعة عدن