عادل المشرعي* -
(المشترك) و(أصحاب المشاريع الصغيرة).. ماذا بقي بعد معركة (الضالع)؟!
ما زالت أصداء حادثة "الضالع" أو ما يمكن تسميتها أن صح التعبير بمعركة " الضالع" بين أحزاب "اللقاء المشترك" ومجموعة دعاة الانفصال التي تقودها عناصر من أصحاب المشاريع والأجندة الخاصة‘ تتردد على أكثر من صعيد ‘مثيرة جملة من التساؤلات لدى كثير من الأوساط السياسية وكثير من المراقبين والمتابعين وكذلك المهتمين بالشأن اليمني وما تشهده الساحة اليمنية من تطورات مختلفة على صعيد المعترك أو الحراك السياسي والحزبي الدائر بين أطراف المعادلة السياسية في البلاد‘وما يفرزه هذا الحراك من حقائق ومعطيات تتجلى من خلال مواقف تلك الأطراف إزاء كثير من قضايا الوطن الحيوية.
ولعل ابرز تلك التساؤلات التي أثارتها معركة "الضالع"‘قد تمحور حول طبيعة ومدى علاقة يتصل بطبيعة ومدى علاقة أو صلة أحزاب اللقاء المشترك بالفعاليات التي شهدتها بعض المحافظات الجنوبية تحت مسمى " الحراك الشعبي الجنوبي" ‘والتي كانت قد بدأت بمطالب حقوقية ‘ ثم سرعان ما تحولت إلى مطالب انفصالية‘ إضافة إلى ما يتصل بحقيقة وكذا طبيعة المشاريع التي تحملها أحزاب " المشترك" وعلاقتها بمشاريع تلك العناصر الداعية إلى الانفصال‘ خاصة وأن هذه العناصر والتي كانت صاحبة المبادرة في تنظيم تلك الفعاليات‘ تنتمي في الأساس إلى أطراف منضوية داخل تكتل " المشترك".. وما يعزز مثل هذه التساؤلات هو تلك المواقف التي اتخذتها أحزاب اللقاء المشترك وأعلنتها منذ البداية‘ والتي تمثلت بمحاولاتها ركوب موجة "الانفصال"‘ بل وإعلانها تبني تلك الاحتجاجات والفعاليات في المحافظات الجنوبية والشرقية ومسايرتها والتعاطي معها بايجابية‘ بما تحمله من مشاريع وأهداف مشبوهة تدعو إلى أحياء مشروع الجنوب العربي الذي تعود فكرته إلى الاستعمار البريطاني الذي طرحه عند رحيله من جنوب اليمن قبل عدة عقود‘وتم التصدي له وإسقاطه في حينه.
وعلى هذا الأساس يرى بعض المراقبين أن ثمة علاقة مفترضة بالنسبة لأهداف تلك المشاريع التي يحملها كلا الجانبين " المشترك" ودعاة "الانفصال"‘لكنهما يختلفان في الرؤى وأساليب العمل ‘سواء فيما يتعلق بإدارة تلك الفعاليات أو في ذلك أسلوب الخطاب الإعلامي المواكب لها‘وهو ما يمكن ربطه بما حدث بالنسبة لمعركة "الضالع"‘ وفقاً لهؤلاء المراقبين ‘أما البعض الأخر من المراقبين والمتابعين فيرى أن معركة "الضالع" أزاحت الستار عن حقائق مهمة ربما كانت غائبة عن أذهان البعض‘ ولعل من أبرز ذلك أنها عرت أحزاب " المشترك" ومعها دعاة " الانفصال" على حد سواء وكشفت عن حقيقة أن تلك الأطراف التي راحت تتمترس خلف أولئك الناس ممن يتم تجميعهم من هنا وهناك إلى تلك الفعاليات‘باتت تعيش أوضاعاً صعبة ومهترئة‘وذلك من منظور أنها كانت قد بنت مواقفها على أسس هشة وغير سليمة ‘ دون أن يكون لديها مشروعاً أو برنامج عمل وطني أو قضية وطنية واضحة الأهداف والرؤى.
فأحزاب " المشترك" وفقاً للمراقبين كانت قد سارعت إلى تبني الفعاليات التي شهدتها بعض المحافظات الجنوبية والسيطرة عليها وحاولت ركوب موجة " الجنوبية" وذلك بمسايرتها لمجمل لتلك الفعاليات والاحتجاجات ‘بما تخللها من ممارسات وأفعال خارجة عن الدستور والثوابت الوطنية وذلك من خلال المناداة بتكريس الطائفية والمناطقية ورفع الشعارات الانفصالية الداعية إلى إحياء مشروع " الجنوب العربي" الذي هو في الأساس مشروعاً استعمارياً قديماً.. بحيث نجد أن أحزاب اللقاء المشترك ‘وكما يشير المراقبون والمتابعون لمجريات الأحداث في الساحة اليمنية‘ عمدت إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات واندفعت إلى التعاطي بهذا النحو مع تلك الأفعال والممارسات الانفصالية محاولة بذلك إيجاد قواسم مشتركة مع العناصر الداعية إلى الانفصال‘منطلقة في ذلك من اعتقادها أن سيمكنها من الاستفادة من تلك الفعاليات واستغلالها لمصلحتها في تحقيق بعض المكاسب السياسية والحزبية‘سواء من خلال تعزيز حضورها وتواجدها في المحافظات الجنوبية والشرقية ومن ثم توسيع قاعدتها الجماهيرية‘ أو من خلال استغلالها كورقة ضغط في سياق حراكاتها السياسية مع الحزب الحاكم ( المؤتمر الشعبي العام)‘بما في ذلك تجييرها باسمها وتهويلها إعلامياً وإرسال رسائل مفادها أن لديها قواعد شعبية تلك المحافظات.
وإزاء ذلك يرى المراقبون أن أحزاب اللقاء المشترك ‘قد وضعت نفسها في موقف محرج لا تحسد عليه ‘بحيث كانت معركة " الضالع" بمثابة الصدمة التي أسقطت ما بنته منى مشاريع وما خططت له من أهداف عندما انساقت وراء موجة تلك الاحتجاجات والفعاليات ‘ ومن ثم فقد أصيبت بخيبة أمل كبيرة‘لتظل تدور كما يقال في " حلقة مفرغة".. أضف إلى ذلك أن ما حدث في مدينة الضالع قد كشف عن مدى حالة الضعف والوهن التي تعيشها أحزاب "المشترك" واثبت عكس ما دأبت على ترديده من مزاعم وادعاءات أمام الرأي العام من أنها هي التي تسيطر وتقود الفعاليات أو ما يسمى " الحراك الشعبي" في المحافظات الجنوبية.. وهو الأمر الذي يثير تساؤلاً هاماً وهو .. كيف يمكن لهذه الأحزاب قيادة الوطن في الوقت الذي بدت عاجزةً تماماً عن السيطرة أو التأثير على تلك العناصر " الانفصالية" ‘ التي لم يكن لديها من البشر عندما وقعت معركة " الضالع" سوى تلك المجموعات التي لم يتجاوز تعداد أفرادها الـ( 200 شخص)‘في حين احتشدت هناك الآلف من جماهير المشترك.
وإجمالاً وحسب رأي المراقبين فإن تلك الأحزاب ربما وقعت في فخ الحسابات الخاطئة ‘نتيجة اندفاعاتها العشوائية ومواقفها المتسرعة المبنية على أساس المصالح الحزبية الضيقة‘وعدم استيعابها لقواعد وأبعاد اللعبة السياسية وكذا تعاطيها مع كثير من القضايا الوطنية بنظرة قاصرة غير مدركة لحقائق ومعطيات الواقع ومقتضيات العمل والتعامل معها.
ولعل في ذلك ما يفسر اندفاع أحزاب " المشترك" وراء تلك العناصر الداعية إلى الانفصال ‘وبتلك الصورة المتهورة التي ذهبت معها إلى حد الخروج عن الثوابت وتبنى شعارات معادية للوحدة الوطنية واستخدام لغة الإثارة والتحريض على المناطقية والطائفية وإثارة الفرقة والكراهية في أوساط المجتمع اليمني‘ سواء من خلال تلك الفعاليات مباشرة‘ أو من خلال مفردات الخطاب الإعلامي لهذه الأحزاب ‘والذي كُرس في ذات الاتجاه.
وهناك من يرى أن العشوائية والتخبط أيضاً وقصور الرؤية لدى أحزاب " المشترك " قد جعلها أيضاً تنجر خلف تلك المجموعات أو العناصر الانفصالية أمثال ناصر النوبة وشلال علي شايع وصلاح الشنفرة وناصر البخيتي وغيرهم من أصحاب المشاريع الصغيرة‘ من دون وعي أو إدراك من جانب هذه الأحزاب وقياداتها لحقيقة تلك المشاريع.
وفي ذات السياق يرى المراقبون أيضاً أن معطيات الواقع تشير إلى أن تلك العناصر الداعية إلى الانفصال ‘ هي الأخرى تعيش أيضاً حالة من التخبط والعشوائية والغرور‘ وأن ما تقوم به من خلال تلك الفعاليات التي عادة ما تشارك فيها نفس الوجوه ونفس الأسماء من الأشخاص الذين يتراوح عددهم مابين ( 200 – 300 ) شخص‘يتم تجميعهم ونقلهم عبر الحافلات من مكان إلى أخر‘ لا يعدو أكثر من مجرد شطحات ومحاولات يائسة لإثبات الوجود واستعراض العضلات‘معتبرين أن غرور تلك العناصر قد جعلها تتوهم وتعتقد أنها استطاعت تحقيق مكاسب وبطولات وأن الأمور أصبحت بيدها‘ غير أن واقع الحال يشير إلى أن كل ما حققه ( النوبة ) ومن معه هو أنهم قد نجحوا على حد ما في إحداث ضجة وزوبعة إعلامية محلية وخارجية لربما أزعجت الدولة كثيراً ‘ وما دون ذلك فلم يحققوا شيئاً يذكر على صعيد ما يروجون له من مشاريع عبر فعالياتهم التي فشلت فشلاً ذريعاً في أكثر من محافظة ‘ وهي الفعاليات التي جعلت منهم مجرد ظاهرة ( صوتية)‘ وبالتالي يمكن القول هنا أن ما حققته تلك العناصر هو عبارة عن بطولات وهمية عبر ( الانترنت) ليس أكثر.
وعلى ضوء ما سبق ووفقاً للمراقبين والمتابعين لمجريات الأحداث فإنه لم يعد بمقدور تلك العناصر وغيرهم ممن لا يملكون أية مشاريع وطنية في رؤوسهم وليس لهم رصيد وطني ‘ النيل أو المساس بالوحدة اليمنية ‘ التي يرى المراقبون ان معطيات الواقع سواء على صعيد الساحة الوطنية أو على الصعيد الإقليمي والدولي‘ تؤكد في مجملها على شيئاً من هذا القبيل بات اليوم أمراً مستحيلاً .. هذا إلى جانب أنه وإذا كانت مثل هذه المخططات قد فشلت وانهارت في حرب صيف عام 1994م ‘ رغم كل ما تم تسخيره لها من إمكانيات هائلة ترسانة عسكرية ضخمة‘ فما بالك اليوم بأصحاب المشاريع الصغيرة ‘ممن يفتقرون إلى أبجديات المنطق في مشاريعهم وأطروحاتهم ‘ولا يملكون أدنى المقومات التي يمكنهم الاستناد عليها فيما يدعون إليه.
وإزاء كل هذا وذاك يرى المراقبون أن على أحزاب "اللقاء المشترك" ان تأخذ الدرس والعبرة من معركة "الضالع" ‘ وأن تجعل من ذلك منطلقاً جيداً لتصحيح مسار عملها وأدائها على الصعيد الوطني ‘وذلك من خلال إعادة النظر في مجمل سياساتها وتوجهاتها وخطابها الإعلامي وفي مواقفها وأساليب عملها وتعاطيها مع مجمل القضايا على الساحة الوطنية‘ بعيداً عن المصالح الضيقة والحسابات المغلوطة الخارجة عن معايير الواقعية والمنطق.
*مأرب برس