د/ رؤوفة حسن* -
هدايا الحكومة
في جزيرة سقطرى مجموعة من المدارس بنتها وكالة التنمية الأمريكية أو قامت بتجديدها وترميمها. وفي بوابات هذه المدارس تقبع لوحة جدارية صممت كي تظل معلما قائما مع وجود وحياة المدرسة، بها صورة العلم اليمني على اليمين وصورة العلم الأمريكي على الشمال.
وفي الوسط وحتى أسفل اللوحة مكتوب أن هذه المدرسة هدية من الحكومة الأمريكية ومن الحكومة اليمنية.
وكانت ثقافتي القديمة عن وظائف حكومتنا تنص على أنها مسؤولة عن بناء المدارس كجزء من موازنتها العامة التي تجمعها من موارد الأمة، فإن لم تكن كافية تقوم بالسلف أو بطلب المساعدات الخارجية.
لكن هذه اللوحات التي تكررت على بوابات المدارس ذات العلم اليمني والأمريكي المشترك، شوشت معلوماتي، بكلمة هدية.
كثير من سكان الجزيرة الذين عادة لا يتندرون بل تسيطر عليهم حالة من الجدية تفرضها ظروف الحياة، لفتوا نظري إلى اللوحة بسخرية. وأنا حاولت مخلصة أن أجد لحكومتنا الموقرة مبررا فقلت ربما تكون غلطة الخطاط أو غلطة المترجم.
فربما تكون هذه المدارس هدية من الحكومة الأمريكية، تحت اشراف وتعاون ومساهمة الحكومة اليمنية. قلت ربما، لكن ما تقوله اللوحة يسمح بالتأويل، ولذا أقترح على الجهات الحكومية ذات الهدايا الجميلة أن تقوم بتعديل هذه اللوحات، وتستمر في إيجاد المدارس.
وعندما يكون لدينا الثراء المناسب، لا مانع أن نقدم مع الأمريكان هدايا مثل هذه لشعوب شقيقة أو صديقة وليس لأبناء البلاد، حتى لو كانوا في جزيرة.
سقطريات قلنسية:
أحد المشاريع الجديرة بالتقدير في سقطرى، مدرسة للغة الانجليزية يقوم عليها، استرالي وزوجته، ويشاركهما عدد من المنخرطين في عضوية جمعية أصدقاء سقطرى الدولية.
بسبب هذه المدرسة تمكن عدد لابأس به من أبناء الجزيرة أن يتحدثوا باللغة الانجليزية السليمة، ويتولون عمليات الإرشاد والترجمة للسياح الذين يزورون الجزيرة في موسم هدوء الرياح.
هذا النوع من التعليم يوفر مصادر رزق لمهنة مطلوبة. فالتعليم المدرسي القائم بالكاد يؤدي إلى معرفة جيدة بمهارات الحياة اللازمة.
والحاصلين على الثانوية ليس أمامهم سوى كلية للعلوم الاسلامية وأخرى للتربية، يمكن لهم الالتحاق بها.
وكل الشباب يحلمون بوظيفة، فمن تعلم الانجليزية منهم وجد له طريقا سريعا للعمل المربح خاصة اذا كانت لديه سيارة قوية. وفي طريقي إلى المكلا التقيت في المطار بمدير المدرسة الاسترالي وتبادلنا السؤال عن الأحوال فأخبرني أنه يقوم حاليا بتوفير التعليم باللغة الانجليزية لسبعين فتاة في مدينة قلنسية.
أي نوع من الوظائف ستوجده هذه المعرفة؟ سؤال سوف احاول الاجابة عليه في رحلتي القادمة إلى الجزيرة. كلما أعرفه حتى الآن أن رجلاً مخلصاً واحداً مع زوجته قادرين على توفير فرص لعدد لا بأس به من الشباب. لو قام كثير من المتقاعدين وزوجاتهم بجزء مماثل في بقية انحاء البلاد لكانت المبادرات قد أخرجت شبابنا من ضيقهم وفتحت أمامهم آفاق المستقبل.
الطفل والمكوى:
دخلنا بيت عائلة سقطرية لنتأمل البستان الجديد في الحوش. لفت نظر صديقتي الطبيبة هذا الطفل المستلقي على الأرض يبكي بصوت مبحوح فيخرج صوته شبيها بالأنين.
نظرنا إلى الأم الذي كان واضحا من هندامها، وحالة البيت أنها من الأسر الثرية. قد يعود ثراؤها لمهنة رب البيت أو قد يعود لأقارب لهم يعملون في بلاد الخليج، إما الإمارات أو عمان. سألناها عن حالة الطفل، فقالت انه كان يعاني من إسهال شديد فخافت عليه من الوفاة، وقامت بعمل مكواة له في بطنه.
أصبنا بالفزع، وقلنا لماذا لم تأخذيه إلى المركز الصحي أو إلى أقرب طبيب؟ نظرت الينا باستنكار، وقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالكي، فهل تنكرن ذلك؟ قفزت الدموع من عين صديقتي الطبيبة وقلت أنا( صلى الله على النبي الكريم وسلم، سامحينا فقد جئنا للزيارة وليس للنقاش في ما تفعلينه بطفلك).
وخرجنا متوجهات إلى جمعية الهلال الأحمر نبحث عن الطبيب الذي يقوم بالتوعية في الجزيرة فقالوا لنا أنه في القرى البعيدة يقوم بتنفيذ برنامج للتوعية الصحية. ربما في المرة القادمة سأعرف طريقا لبرنامج توعية لا يتم فيه استخدام الدين لإقفال أي باب للوعي وإنقاذ صحة الأطفال.
رحلتي هذه المرة إلى الجزيرة لم تعد سياحية، صارت الأشجار وموج البحر والرمال البيضاء، مدعاة للحزن والحلم بيمن يجد مخارج له من الفقر والمرض واكتئابات التطرف.
[email protected]
*عن الثورة