الدكتور سيف العسلي -
الجهاد.. غاياته ووسائله !
،يندهش المراقب عندما يلاحظ أن العديد من الفواحش (القتل) ترتكب باسم الله الذي نفى عن نفسه رضاه أو أمره بذلك وبالتالي فإن الذي يزين لهؤلاء ذلك ويحضهم عليه هو الشيطان.
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك من يمارس أو يحض أو يبرر العديد من الفواحش على أنها من أجل مرضاة الله كذبا وافتراء عليه والدليل على ذلك ان من يمارسون القتل يبررون ذلك بالجهاد في سبيل الله وتنفيذا لأوامره.
إننا نقول لهم إن الله تعالى قد قال «الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم» (البقرة 962) إن ما تقومون به فحشاء وليس جهادا.
فممارسة القتل لأجل القتل إشباعا لهوى الطامحين الى السلطة ليس جهادا بل فحشاء لأنه يؤدي الى الفقر لتسببه في إعاقة التنمية وإشاعة الهرج والمرج ومن ثم الخوف.
في حين أن الجهاد الذي أمر به الله تعالي يؤدي الى دفع الظلم وتحقيق العدل الذي يشجع التنمية الاقتصادية مما يحقق الفضل ويقضي على الفقر.
فالقتل لمجرد القتل هو فحشاء استنكرته جميع الأديان سواء كانت سماوية أو غير سماوية ، ولا يختلف عن ذلك موقف غير المتدينيين منه، وبالإضافة إلى ذلك فقد أجمع على إدانته جميع فلاسفة العالم حديثه وقديمة، فقد فندوا مبرراته ودحضوها، إن ذلك يدل على أن الفطرة الإنسانية كلها مجمعة على إدانة القتل لمجرد القتل.
ومما يؤكد ذلك أن أضرار ممارسة القتل تطال أول ما تطال من يمارسونه أو يروجون له ومن يدعي هؤلاء حبهم (الدين، الأمة، الطائفة، المذهب، القيم) ومع أن حجم أضراره كبيرة جدا فإن البعض يتجاهل ذلك ويصر على ممارسته أو الدعوة إليه أو تبرره بدليل ما حدث في صعدة في سعوان وفي العديد من المناطق اليمنية.
وأكثر أهمية هو انتشار القتل ليطال العديد من مناطق العالم، أن ذلك يشير إلى أن هذه الممارسات لا تخص اليمنيين ولا العرب ولا المسلمين فقط، فالقتل باسم الله وباسم الخير وباسم الفضيلة ظاهرة تعاني منها كل الأمم الحالية والسابقة.
ولسوء الحظ فإن مبرراته تتطور مع الزمن، فما ان يتم دحض مبرر إلا ويتم ابتداع مبرر جديد، ومن اجل ذلك فإنه لا بد من مناقشة مبررات القتل الجديدة وبهدف دحضها وتحذير الأمة من أخطار ها.
يقوم تبرير القتل عند هؤلاء على الخلط بين غاياته ووسائله المشروعة وغير المشروعة، وينبغي ملاحظة أن العلاقة بين غاياته ووسائله ليست بسيطة بل معقدة.
إن هذه الثنائية في العلاقة تسبب خلطا واضحا لمن لا يتعامل معها بالدقة المطلوبة، ولذلك فان هؤلاء يبررون القتل مع انه إما ان تكون غايته غير مشروعة أو تكون وسائله غير مشروعة وإحدهما مشروعة والاخرى غير ذلك.
فعلى سبيل المثال فإن رد العدوان مشروع أي أن غاية القتال لرد العدوان مشروع لكن تحقيق ذلك من خلال قتل الأبرياء ليس مشروعا.
وفي هذه الحالة فإن رد العدوان إذا لم يكن من خلال قتل المعتدين يكون غير مشروعا.
ولذلك فإن الدين الإسلامي قد أعطا هذه العلاقة أهمية كبرى من خلال وضع ضوابط تقلل من هذا الخلط ومن ثم تمنع من ممارسة القتل غير المشروع.
وعلى الرغم من اتفاق الأمة الإسلامية على هذه الضوابط الإجمالية فإنه نلاحظ وجود اختلاف حول الأمور المرتبطة بتفصيلات بعض الغايات أو الوسائل من حيث مشروعيتها أو عدم مشروعيته.
ويتجلى ذلك من خلال ما سجله القرآن للخلاف بين ابني آدم حول مشروعية بعض غايات القتل ووسائله، ويؤيد ذلك ما نلمسه في واقعنا.
فقد اعتبر احد ابني آدم عدم قبول قربانه وقبول قربان أخيه غاية مشروعة لقتله، في حين اعتبر الأخ الآخر تهديد أخيه له بالقتل غاية غير مشروعة للممارسة القتل وبالتالي فإنه لم يقبل بأي غاية تبرر القتل حتى ولو كانت الدفاع عن النفس.
وعبر التاريخ فقد انحاز فريق من البشر الى وجهة النظر الثانية وفريق ثالث دمج بين وجهتي النظر الأولى وفريق ثاني لوجهة النظر ليكون له وجهة نظر ثالثة.
وقد ركزت وجهة النظر الثالثة على تحجيم القتل الى أقل قدر ممكن من خلال وضع قيود وضوابط تحدد مشروعية غاياته ووسائله.
لاشك ان من يمارسون بعض القتل في الوقت الحاضر يتجاهلون هذه الضوابط والقيود.
وبذلك فإنهم يوقعون بعض البسطاء في ممارسة القتل غير المنضبط عن طريق التضليل والكذب باسم الدين أو باسم الأمة او باسم الحرية أو باسم الحضارة أو بأي اسم آخر.