د. محمد السعيد إدريس* -
القمة العربية وإعلان صنعاء
ليس غريباً أن تفرض الأجواء السلبية التي ألمت بالقضية الفلسطينية وعلى الأخص بين حركتي فتح وحماس، نفسها على توقعات نجاح ما تم التوصل اليه من اتفاقات تضمنها “إعلان صنعاء”. ولذلك لم تكد تمر ساعات قليلة على توقيع هذا الإعلان حتى كان نمر حماد القيادي البارز في قيادة حركة فتح ومستشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يتهم عزام الأحمد ممثل حركة فتح والرئاسة في مفاوضات صنعاء بتجاوز صلاحياته المخولة اليه وقيامه بالتوقيع على نص الإعلان دون التشاور حوله مسبقاً مع الرئاسة الفلسطينية، بل ان الخلاف برز بعد دقائق في المؤتمر الصحافي لوفدي حماس وفتح في صنعاء حول ما إذا كان نص الإعلان هو للتنفيذ المباشر، كما تريد فتح أم أنه مجرد إطار لحوار يجب أن يبدأ كما ترى حماس. وفي هذا الوقت كان اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة يسعى الى توسيع حكومته وضم وزراء جدد اليها بما يعني ان حماس لا تتوقع نجاحاً لإعلان صنعاء.
قد يتصور البعض أن هذه الخلافات السريعة التي برزت مجرد سوء نوايا مبيتة من الطرفين، لكن الأمر أكثر من ذلك، والأسباب والدوافع التي أفشلت “إعلان مكة المكرمة”، لا تزال قائمة، وأضيف اليها تراكمات الصراع الدامي الذي حدث في يونيو/ حزيران 2007 وتداعياته. فالذي اعترض على اتفاق مكة من الأطراف الاقليمية والدولية لم يحدث ما يجعله يتراجع عن اعتراضاته، خاصة الأمريكيين و”الإسرائيليين” الذين لا يريدون منح حركة “حماس” أي شرعية وطنية، ويريدون حصرها في إطار كونها “حركة إرهابية”.
من هنا فإن موقف القمة العربية يجب أن يكون واضحاً وحاسماً ليس فقط في تبني إعلان صنعاء، ولكن في توفير كل الضمانات اللازمة لإنجاحه، وذلك بأن يصبح الموقف العربي مرجعية يمكن لكل الفصائل الفلسطينية، وليس فتح وحماس فقط، أن تعول عليها في تفعيل الإعلان وإنجاحه من خلال أدوار يجب أن تقوم بها الدول العربية عبر مؤسسة القمة بتشكيل لجنة وزارية عربية لها كامل الاختصاصات في تحمل مسؤولية تنفيذ اتفاق إعلان صنعاء، وحسم نقاط الخلاف المثارة حوله.
الأسئلة كثيرة والإجابات غامضة، لكن الأهم أن التحديات هائلة، وعلى الأخص من جانب “إسرائيل”، والولايات المتحدة، ومن هم على تواصل معهما داخل المؤسسات الفلسطينية، ومن دون أخذ الحيطة والتحسب لكل الأسباب والظروف التي أفشلت “إعلان مكة المكرمة” وفجرت الصراع بين حركتي فتح وحماس وبالذات تلك الخطة التي كشفتها مجلة “فانتي فير” على لسان الصحافي الأمريكي ديفيد روز وكانت تهدف الى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنية عن طريق انقلاب يقوده محمد دحلان، ومجموعته داخل السلطة الفلسطينية بدعم أمريكي - “إسرائيلي” وتسهيلات من أطراف عربية، من دون الوعي بهذا كله والتحسب له لن تكون هناك ضمانات حقيقية لإنجاح “إعلان صنعاء”، وهذه بالتحديد مسؤولية القمة العربية.
*الخليج الاماراتية