عبده محمد الجندي -
لا يمكن ردع المخالفين للدستور إلا بتطبيق الدستور عليهم
هناك سلسلة من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للمواطنين على قاعدة المساواة في الحق والواجب، حيث نصّت المادة «58» من دستور الجمهورية اليمنية على أن «للمواطنين في عموم الجمهورية بما لا يتعارض مع نصوص الدستور الحق في تنظيم أنفسهم سياسياً ومهنياً ونقابياً، والحق في تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور، وتضمن الدولة ممارسة هذا الحق، كما تتخذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسته، وتضمن كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسية والنقابية والثقافية والعلمية والاجتماعية»..
هذه الحقوق والحريات التي كفلها الدستور وتضمن القوانين النافذة كيفية استخدامها لا يمكن النظر إليها والتعاطي معها واستخدامها بمعزل عن الربط الدائم والمستمر بينها وبين الواجبات التي نصّت عليها المادة «61» من الدستور القائلة: «إن الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واحترام القوانين والتقيد بأحكامها واجب على كل مواطن».
أقول ذلك وأقصد به أن المواطنين الذين يعتقدون أنهم أحرار في ممارسة الانتقائية إلى حد الإفراط والتفريط في الاستخدام المتعسف للحق دون استعداد للالتزام بالواجب يقعون في أخطاء قاتلة للديمقراطية وللتعددية الحزبية والسياسية والنقابية والمهنية والعلمية والثقافية الهادفة إلى التداول السلمي للسلطة النابع من الحرص على تطبيق العدالة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان وحماية العمال من أصحاب العمل والعكس.
أما الذين يتجاوزون المطالب الحقوقية إلى المطالب السياسية الهادفة إلى تمزيق الوحدة الوطنية وإقلاق الأمن والسلام الاجتماعي والسكينة العامة فهم يضعون أنفسهم في مصاف العداء للوطن والشعب والتآمر على ما لديه من الثوابت الوطنية؛ يتخذون من الحق مدخلاً للتناقض مع الواجب، ويتخذون من كلمة الحق إطاراً فضفاضاً لتمرير الباطل، يشبهون أولئك الخوارج الذين انشقوا عن الإمام علي بعد التحكيم واتهموه بالكفر في مثوله للتحكيم النابع من الحرص على وقف الحرب وما تنطوي عليه من الدماء والدمار التي يتضرر منها جميع المسلمين ولا يستفيد منها سوى الأعداء الذين قال لهم الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ كلمة حق ولكن قصد بها باطل رداً على ما طلبوا منه من اعتراف بالكفر لكي يضمن بيعتهم له وبقاءهم في معسكره.
ونقول بالأحرى لأولئك الانفصاليين الجدد الذين يستخدمون المظاهرات والاعتصامات ومناخات الحرية المفتوحة للسياسة والصحافة للمطالبة بفصل الجنوب عن الشمال: إنكم ترتكبون في حماقاتكم ومطالبكم غير الدستورية وغير القانونية جرائم سياسية توجب على الدولة إلقاء القبض على رموزكم وتقديمهم إلى المحاكمة القضائية العادلة بتهم التآمر والخيانة الوطنية الكبرى نظراً لما تقومون به من أعمال إجرامية تدغدغ عواطف العامة وتزجهم في تظاهرات واضطرابات وأحداث شغب ذات عواقب كارثية بكل ما تنطوي عليه الكلمة من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية سوف يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها أحد.
ويجب أن يكون واضحاً لديهم أن للصبر حدوداً وللعقل اندفاعات وانفعالات تبدأ من اللحظة التي يتعرض فيها أمن الوطن ووحدته وسيادته للاستهداف والتآمر من قبل جهات داخلية وخارجية يجب التصدي لها ومحاكمتها بقوة الدستور والقانون المستندة لقوة الإرادة الشعبية للأغلبية الجماهيرية صاحبة القول الفصل في اتخاذ القرارات المصيرية من خلال ما لديها من المؤسسات والسلطات الدستورية وعبر ما لديها من القوات المسلحة والأمن المسؤولة عن حماية الشرعية الدستورية والسيادة الوطنية.
أقول ذلك وأقصد به أن عدم التعامل بحزم مع هذه الحركات الصبيانية المتدفقة بجنون نحو الخيانة الوطنية يلقي بالمسؤولية على كاهل الدولة ويظهرها بمظهر التخاذل والضعف الذي يعرضها للمساءلات بتهمة اللامبالاة في عدم استخدام ما لديها من الصلاحيات والسلطات لحماية الوحدة والسيادة الوطنية وردع المتآمرين عليها من الخونة الذين لا يمكن التهاون والتدليل مع حالتهم المرضية بصورة لا تقف مع ماهو معمول به في جميع البلدان الديمقراطية الناشئة والناضجة القادرة على الموازنة بين المهادنة وبين الردع، وبين الفضيلة وبين القمع، وبين الثواب والعقاب؛ لأن إضعاف الدولة يبدأ من اللحظة الأولى التي تتهاون فيها مع الممارسات الفوضوية المستهينة بقدسية الدستور والقوانين النافذة؛ من حيث هي سلسلة مترابطة من الحقوق والواجبات الواجبة للثواب والعقاب تطبيقاً للعدالة التي نصّت عليها قوانين السماء والأرض.
لذلك عدم تطبيق القوانين يفتح المجال لسلسلة معقدة ومركبة من الممارسات الفوضوية المعادية للوحدة والمدمرة للحياة وللحرية وللحق والعدل والتنمية، خصوصاً بحق أولئك الخونة الذين يحرّضونهم على العنف ويدفعونهم إلى التمرد والتخريب والتدمير لكل ما هو مكتسب من المنجزات المادية والمعنوية للثورة والدولة اليمنية؛ تماماً كذلك الذي حدث ويحدث في بعض المحافظات الذي يكشف كل يوم عن أساليب جديدة تجاوزت الحدود المعقولة والمقبولة للمطالب الدستورية والقانونية إلى المطالبة صراحة بالتمرد على هذه المنظومة التنظيمية المنظمة للحقوق والواجبات مثل إحراق علم الدولة ونصب براميل التشطير والاعتداء على مؤسسات الدولة وإقلاق الأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي والسكينة.
إن السكوت على مثل هذه الحركات الفوضوية وعدم التصدي لما تهدف إليه من انتهاك للحقوق والحريات يفتح المجال نحو المزيد من التمادي والتطاول المعبر عن رغبة في تدمير الدولة الوحدوية الديمقراطية وزج الوطن والشعب في أتون حرب أهلية لا تخلّف للجميع سوى المزيد من حصاد العواصف وطوفان الكوارث المنتجة للهلاك في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إلخ؛ لأن الضعف لا يخلف للشعوب من قبل إعدائهم سوى المزيد من الأعمال المتطرفة ذات الأشكال التي تبدأ بديمقراطية الباب المخلوع وتنتهي بفوضى العنف والإرهاب.
وإذا كان من الفضيلة التعامل مع الأساليب السلمية بأعصاب هادئة نابعة من الحرص على تشجيع الجماهير في حق استخدام ما هو مكفول لها من الحقوق والواجبات؛ فإن الوقاية من الإرهاب تستوجب اليقظة المبكرة لترشيد الاستخدام الناضج للحق الواجب وعدم إتاحة الفرصة لأولئك الذين ينظرون لأنفسهم بأنهم أصحاب حقوق عدوانية على الحق الآخر طالما لا يجدون قيوداً توجب عليهم الكف عن العدوان وحماية المجتمع من العواقب الكارثية الوخيمة لحركاتهم الفوضوية لأن «الوقاية خير من العلاج» رغم اقتناعي أن المخالفين للدستور والقوانين النافذة لا يمكن الحد من تماديهم وغطرستهم إلا بتطبيق ما يستحقونه من العقوبات الدستورية والقانونية الكابحة للخيانة والعمالة والرادعة للتآمر على الثوابت والمقدسات الوطنية دون خوف من الشعب.
ودون ذلك سوف نجدهم في حالة من التمادي والتطاول إذا لم تقدهم إلى مواقع الضرر بأنفسهم فقد تمكنهم من الإضرار بمن حولهم وبالمصالح الوطنية العليا للوطن والشعب، الأمر الذي لا مجال فيه للعقلانية النابعة من حرص على الديمقراطية؛ لأن الذين لا يعرفون العقلانية لا يمكن إقناعهم عما يُقدمون عليه من المغامرات إلا بالمزيد من العقوبات المستمدة من أفعالهم ونوازعهم الشريرة المهددة لحق الشعب في الوحدة والحرية والحق والأمن والسلام الاجتماعي والتفرغ للتنمية.