محمد حسين العيدروس -
حين يطول الشر مقدساتنا
مع أن العنف حالة سلوكية تتفاوت بدرجة وجودها بين الناس، إلا أنه قد يتحول لدى البعض إلى حالة مرضية، وثقافة تكون هويته الشخصية.. فهناك من يعتقد أن وجوده مرهون ببقاء العنف، لأن مصالحه لا يمكن أن تتحقق في كنف مناخ آمن، وبيئة مستقرة.. لذلك نجدهم يتحينون الفرص لتأجيج الصراعات والفتن وجر الناس إلى العنف.
عندما تستهدف قوة معينة مسجداً في يوم جمعة.. وهي عيد للمسلمين - فإن الأمر يتعدى أي حسابات سياسية، أو خلافات حزبية، أو أي ثارات بين هذه القوة والدولة، فلكل تلك الأمور ظروف خاصة وممارسات معنية لحسمها، أو تصفيتها، يستحيل أن تتجاوز إلى دور العبادة بأي شكل من الأشكال، لأن هذه الدور توصف في كل الديانات السماوية بأنها "بيوت الله" وبالتالي فإن التعدي عليها هو بمثابة عدوان على الله سبحانه وتعالى.
وحتى لو أراد البعض جر ما حدث في صعدة يوم الجمعة الماضي من عمل إرهابي إلى تفسيرات شخصية، فإن العرف القبلي اليمني يحرم الاقتصاص بالثأر في مثل هذه الأماكن، أو عندما يكون المرء غافلاً، فما بالكم وهؤلاء الإرهابيين قد استهدفوا أناساً بين يدي خالقهم؟ ومن هنا يمكن القول أن منفذي جريمة صعدة تخلوا عن عقيدتهم الدينية، وعن أعرافهم الاجتماعية، ومبادئهم الثقافية، ولبسهم الشر حتى غالوا في عدوانهم على الإنسانية فامتدت أيديهم إلى المصلين..!.
ومهما كان مسمى الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة النكراء، فإن من المهم أن ندرك جميعاً أن ما سعى إليه هؤلاء هو ليس الأفراد الذين قتلوا بالحادث، وإنما كل الشعب اليمني لأن أياً منا كان متوقعاً خروجه من الجامع في تلك اللحظات التي نفذوا فيها الجريمة! وعندما نقول أن الشعب كله مستهدف فإننا لا نغالي في ذلك، لأن هؤلاء سعوا لإشعال نيران فتنة قد تلتهم اليابس والأخضر إذا لم يحسن المرء التعاطي معها برؤية وحكمة كما هو حال ما تعاملت به القيادة السياسية من ضبط نفس، ورباطة جأش.
ولكن مهما كانت التفسيرات ومسميات الجهات المتهمة، فإننا اليوم نجد أنفسنا مسئولون جميعاً أمام الله وشعوبنا والأجيال القادمة وباختلاف أحزابنا وصفاتنا السياسية والوطنية- بأن نجند كل جهودنا وطاقاتنا لوضع حد لهؤلاء المتطاولين على إنسانيتنا وأمننا ودور عبادتنا.. فالمسؤولية لم تعد مناطة بأجهزة الأمن فقط، كما يتصور البعض، طالما وان الاعتداء وصل أبواب المساجد التي هي بيوت الله، وطالما وان الخصم المنفذ لهذا العمل الإرهابي بلغ به الغي والوقاحة إلى هذه الدرجة التي لم يترك لأحد مجالاً لتأويل فعله إلى منحى سياسي أو اجتماعي أو حقوقي، لأنه أوغل في الحقد والعنف الذي يستهدف حياة الإنسانية.
وبما يتعلق بالمنابر إلى متى ستبقى بعض منابرنا الدينية غارقة في هموم السياسة، وصراعات الأحزاب، والحسابات الفئوية الضيقة التي لا تمت لوظائف المسجد بأي صلة!؟ فإن ساحة المجتمع بأمس الحاجة إلى من يغرس الإيمان في قلوب الناس، ويشيع المحبة والسلام وروح التكافل والتعاون بين الأفراد بدلاً من بث سموم الحقد والضغينة وتأجيج روح الانتقام!! فإن التطاول الخطير المتمثل بالعمل الإرهابي الذي استهدف أحد مساجد صعدة لهو شر خطير على حجم الهوة التي صارت تفصل مثل هؤلاء الناس عن مقدساتهم وثوابتهم وإنسانيتهم.. فهذه سابقة غريبة في حياتنا اليمنية، ومن الواجب تحويلها إلى سابقة يتيمة لا يمكن أن تتكرر بأي حال من الأحوال.
ولا شك أن مؤسساتنا الدينية بحاجة إلى إعادة النظر بأسلوب عملها، ومراجعة خطابها، لأن التعبئة المغلوطة من قبل البعض جعل منها هدفاً لقوى الشر، في الوقت الذي يعرف العالم كله أن اليمن بلد محافظ وشعب مسالم وأرض طيبة لا يمكن أن ينبت فيها غير الثمر الطيب.. وهذا فيه الكفاية ليجعلنا جميعاً نستنفر هممنا دولة وأحزاباً ومنظمات ومؤسسات دينية وثقافية واجتماعية وغيرها من أجل انتزاع أية بذور سوء دستها هذه الجهة أو تلك بقصد النيل من عقيدتنا ووحدة وطننا الغالي، واستقرار وتكاتف أبنائه.
وهنا لا ننفي أننا في زمن الديمقراطية والتعددية، وان مناخاً كهذا قد يجرنا إلى منافسات، وسباق للتعبئة، والاستقطاب، وغير ذلك من ممارسات الديمقراطية، إلا أنه بالتأكيد يجب أن يجري ذلك كله في إطار الثوابت، والقيم الوطنية النبيلة، وفي ظل ممارسة حكيمة لا ينبغي السماح بخلع صمامات أمانها لأن الأمان هو الأساس الذي انطلقت منه تجربتنا الديمقراطية وما لم تتضافر جهود الجميع للحفاظ على خط الأمان والاستقرار فإن قوى الشر التي تستهدف بيتاً من بيوت الله لن تتوانى عن استهداف بيوتنا جميعاً.