الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:35 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
المؤتمر نت -

السبت, 10-مايو-2008
أجرى الحوار :عدنان فرزات -
سعدية مفرح: الشعراء صاروا يتصرفون بمنطق الأنبياء
بعد صدور خمسة دواوين شعرية لها ، ما زالت الشاعرة سعدية مفرح تؤمن بأن البطل الحقيقي هو الذي يلهو منفردا ،لذلك فهي تكتب قصيدتها من مملكتها الخاصة ، تصنعها عبر خيال غزير تبني من خلاله بيوتا وجدران وشوارع وتصنع جغرافية خاصة بها .
في حوارنا معها نقلب الكثير من الصفحات ، منها ما يتعلق بأسلوبية شعرها ، وطرحها الثقافي والفكري والسياسي ، ومنها ما يتعلق بالواقع وما تتوالى فيه من أزمات تترك أثرها على قريحتها التي لها خصوصيتها في التعبير..فكيف يكون البوح عندها، بعد دواوينها الخمسة : "آخر الحالمين كان" ، "تغيب فأسرج خيل ظنوني" ،"كتاب الآثام"، "مجرد مرآة مستلقية" ، وديوانها الذي صدر قبل أشهر قليلة "تواضعت أحلامي كثيرا"..
* في مقدمة ديوانك الخامس "تواضعت احلامي كثيرا" ترددين مقولة بودلير: "البطل الحقيقي هو الذي يلهو منفردا"..كيف كانت رحلتك المنفردة في عالم الشعر منذ أن أمسكت بزمام القصيدة وحتى صدور خمسة دواوين لك؟
ـ لا يمكن للشاعر الا أن ينفرد في رحلته الشعرية والانسانية، أرى أن ذلك من ضرورات الكائن الشعري عموما. لا ينبغي للشاعر ان يسير على طريق معبدة ولا على خطوات مرسومة بدقة تحت قدميه، بل عليه أن يجترح طرائقه الخاصة بعيدا عن طرق الآخرين مهما كانت تلك الطرق مغرية وآمنة، ومهما كان طريقه المقترح أو المشتهى شائكا أو غامضا أو مجهولا .. بالنسبة لي، أنا متأكدة أن القصيدة ما زالت عصية علي ، ولم أستطع ان امسك بزمامها حتى الان، ولعل هذا ما يغريني أبدا في رحلتي الدؤوب نحوها . كما أنني لا أدري ان كنت نجحت في رحلتي المستقلة أم لا ، ولكنني على الاقل دائما كنت ألهو وحيدة وأشعر بسعادة بالغة عندما يفردني الآخرون إفراد البعير المعبد وفقا لمنهج طرفة بن العبد الاضطراري ، والذي خلق منه ذلك الشاعر المتفرد في شعريته . نعم يا عزيزي ، يجب أن يلهو الشاعر منفردا حتى يكون شاعرا حقيقيا ، أما أشباه الشعراء فهم الذين يغريهم أن يندسوا بين أغطية الآخرين مستفيدين من ذلك الدفء المزيف ، ولكنها استفادة آنية لا تغنيهم ولا تشبعهم من جوع للابداع لو يعلمون.
دلالات الأمكنة
*في قصائدك ملامح مدن غريبة وبيوت حالمة بساكنيها الدائمين وغرف تلونينها بشغب طفولي..ما هذا الشغف بالبلاد؟
ـ لست أدري بالضبط ، ولكنني صرت الآن على وعي مما تلمح اليه في سؤالك بعد أن قرأت دراسة نقدية كتبتها أنت في وقت سابق حول دلالات الامكنة في تجربتي الشعرية....ومنذ قراءتي لتلك الدراسة وأنا أحاول أن أفسر ذلك التوق غير المعتاد في للمكان بكل تجلياته ..للبيوت وللجدران والشوارع والنوافذ والأبواب واشارات المرور والمطارات والمصاعد وغيرها من أمكنة تسكن قصيدتي بدلا من أن أسكنها ..لكن الامكنة لا تغني عن البلاد ، وليست بديلا عنها في أي حال من الاحوال ، فالبلاد ليست جغرافيا وحسب بل هي أولا وقبل كل شيء انتماء عصي على التفسير والتحوير.
الفكر السياسي
*مزيج من وعي سياسي وعمق ثقافي ..تلك قصيدتك.. فكيف توازنين بين أن تكون القصيدة سياسية بما تحمله هذه المفردة من صلابة وبين أن تكون شاعرية رقيقة المفردات؟
ـ هل قصيدتي كذلك ؟ ربما ولكن صدقني لا اقصد أن أجعلها كذلك ، على ان هذا لا يمنعني من الاعتراف بأن ثقافتي العامة تتكيء في جوانبها الأهم على قراءات متنوعة في الفكر السياسي التاريخي والمعاصر ولعل في ذلك تفسير للاشارات السياسية التي ترد احيانا دون قصدية مسبقة في قصيدتي ، فالقصيدة في النهاية عبارة عن ترجمة جمالية لثقافة الشاعر وتداعياته النفسية . وبالمناسبة لا أجد تناقضا بين الشاعرية والصلابة في كل مناحي الحياة وليس على صعيد القصيدة وحسب، أن رقة الماس وفرط لمعانه ورهافته لم تمنعه من أن يكون أكثر المواد صلادة تقريبا.
قدرات سحرية
*الشعر فلسفة الغاوين كيف يمكن له أن يكون واقعا يحرض ويقلب الموازين ويحرك الجماهير..وهل ما زالت الجماهير تتحرك؟
ـ هل يمكن له أن يكون كذلك؟ هل ينبغي له أن يكون كذلك؟ لعلي من القلائل الذين لا يؤمنون بقدرات سحرية للشعر على صعيد تحريك الجماهير ، بقدر قدراته على صعيد تحريك الفرد المنفرد بذاته وربما إعادة خلقه من جديد ..الشعر كائن فردي جدا وحميم جدا ، ولا أعتقد أن حميميته تلك تناسب الحالة الجماهيرية ذات التفكير الجمعي . صحيح أن هناك تجارب شعرية ناجحة تعاملت مع الوعي الجماهيري بدقة واستفادت من طرائقها الخاصة في استثارة عاطفة معينة تجمع عليها الجماهير في لحظة ما ، لكن هذا لا ينطبق على كل التجارب ولا في كل اللحظات .
أما الجماهير العربية فأنا لا أؤمن بها الا على صعيد فردي ، ولا أطيع عقلية القطيع التي تتصرف الجماهير وفقا لمنطقها في معظم الاحيان.ولذلك ارى أن نعزز الوعي الفردي لكل مواطن بغض النظر عن جنسه او نوعه او فئته العمرية مثلا.هذا أجدى أكثر منطقية كما أرى.
انحياز للشعر
*معظم الروائيين بدأوا شعراء أو على الأقل هناك شعراء جربوا القصة والرواية ، ولكنك تمسكت بالشعر حد الالتصاق ، هل هو إيمانك المطلق بان لا وسيلة أخرى للتعبير أجدى من الشعر أم ماذا؟
ـ ربما لأنني لا أجيد غيره ، فلا أعتقد انني اجيد كتابة قصة قصيرة أو رواية مثلا ، ولا توق عندي لذلك ، أنا منحازة للشعر ليس على صعيد الانتاج الذاتي وحسب بل أيضا على صعيد التلقي ، ويندر أن يمضي يوم من أيامي دون ان أقرأ شعرا ...غالبا ما أختم يومي بقراءة ما تيسر لي من قصيد لشاعر ما ...وبالتالي فإن التصاقي بالشعر التصاق تبرره ذائقتي الخاصة . ولكن هذا لا يعني أبدا أنني اعتبر الشعر الوسيلة الأجدى للتعبير ، فلست من دعاة الاقصاء حتى على صعيد وسائل التعبير على سبيل المثال ، ونحن نستطيع أن نعبر عن ذواتنا بمجرد تكريسنا لوجودنا البشري بغض النظر عن اجادتنا لفن الشعر او الرواية . وبالمناسبة فأنا قارئة جيدة للرواية ، لكنني لست مخلصة لها الى الحد الذي يجعلني احرص على تتمة قراءة كل ما أبدأ بقراءته من روايات مثلا ، فلا شيء يجبرني على اتمام رواية لا توفر لي لذة في التلقي منذ صفحاتها الأولى ، ولا يغريني في ذلك اسم الكاتب ولا حجم شهرته مثلا.
*غالبا ما يحمّلون الشعراء مسؤوليات خيبات الواقع وهزائمه وانكساراته أكثر من غيرهم من القصاصين والروائيين..لماذا؟
ـ ربما لأن الشعراء أوهموا الآخرين بقدراتهم الاستشرافية الخارقة، فأصبحوا يتحملون تبعات ذلك الادعاء ، وبالمناسبة أنا اعتقد أن الشعراء هم أول من صدق ذلك الادعاء وصاروا يتصرفون بمنطق الانبياء على اساس ذلك الوهم. أما "غيرهم" ممن يشير إليهم السؤال فلعلهم أكثر تواضعا على هذا الصعيد.
نار القصيدة
*في جلسة مع الناقد المرحوم عز الدين اسماعيل سئل عن تقصير النقد فأجاب بما معناه: "هل تريدون أن يقف ناقد وراء كل مبدع"..هل هناك تقصير في النقد فعلا؟
ـ لا ...لا أرى ذلك ، ولا أعتقد أن النقد مهمة إلى هذه الدرجة ، أعني أن الشاعر لا يحتاج الناقد الا بصفة هذا الشاعر قارئا أو متلقيا ، فأنا من الذين يؤمنون بأن النقاد يكتبون للقراء والمتلقين وليس للشعراء، ولا أعتقد ان الشعراء استفادوا مما يكتب حول تجاربهم الشعرية نقديا في انتاجهم للشعر، اعني ان الشاعر عندما يكون محترقا بنار القصيدة لا يفكر باستدعاء اي مقولات نقدية بل همه الوحيد آنذاك مصارعة الخاطر الشعري في سبيل تحقيق ما يراه خلاصا نهائيا. وعموما أعتقد أن في نقادنا العرب خير كثير وبركة أكثر ، ولعل عددهم في ازدياد وعدتهم في قوة.
*هل ثمة مشروع جديد لك تلوح ملامحه في الأفق؟
ـ نعم ...دائما هناك مشروعات جديدة تلوح في الافق، أستطيع الاقتراب منها أحيانا ، وتهرب مني وراء الافق البعيد أحيانا أخرى ...عموما، ألم أخبرك في لقاء سابق أنني امرأة المشاريع المؤجلة؟ ..ما زالت مشاريعي الأهم مؤجلة إذن.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر