كمال قدورة - الثوم .. سر النكهة في المأكولات الثوم من النباتات المعروفة والمهمة التي استخدمها الناس منذ اكثر من 5 آلاف سنة، لا لأهميته الغذائية فحسب، بل ايضا لفوائده الطبية الجمة. وهو في هذا المضمار اشبه بالعسل، إذ يتمتع بشعبية كبيرة حول العالم، وتتشكل حوله الخرافات لدرجة ان البعض يعتقد ان بإمكانه علاج كل مرض كما هو السحر، خصوصا الامراض المستعصية.
ولشهرته، اصبح الثوم الذي تنتشر زراعته في جميع أنحاء العالم، عبر التاريخ جزءا لا يتجزأ من ضرورات الطعام والمطابخ، خصوصا في البلدان الآسيوية وبلدان حوض البحر الابيض المتوسط التي يعتبرها البعض منشأه الاصلي. وعرف الثوم في العراق ايام البابليين والآشوريين، وتم العثور على الكثير من الشواهد الاثرية التي تدل على استخدامه. كما عرفه الفراعنة وكان جزءا لا يتجزأ من تراثهم اليومي، سواء في المآكل ام في الوصفات الطبية. كما عثر علماء الآثار عليه في المنقوشات الجدارية للمعابد، وعثروا ايضا على تماثيل ومنحوتات جميلة خاصة بالثوم تقديرا له وتعبيرا عن مكانته لدى الناس. وتقول قصص فرعونية باللغة الهيروغليفية «إن الثوم كان يعطى للعمال الذين يبنون الاهرامات لتقويتهم والحفاظ على صحتهم، وكان الرياضيون الإغريقيون في اليونان القديمة يأكلون ثوما نيئا قبل الاشتراك في المسابقات والالعاب الاولمبية، ويتناوله الجنود الرومان قبل خوض المعارك الحربية». وتقول الموسوعة الإلكترونية ان الثوم (Garlic) من النباتات العشبية الحولية المعمرة. وهو من فصيلة الزنبقيات (الهليون والبصل والزنبق والكراث). وتتكون نبتة الثوم من فصوص مغلفة بأوراق «سيليلوزية» شفافة لحفظها من الجفاف. ومن الناحية اللغوية نستخدم كلمة الثوم بدلا من الفوم كما جاء في القرآن الكريم. وجاء ايضا في رواية ليث بن أبي سليم أن «الفوم» هو الثوم. ويقال ان لفظة الثوم نفسها فرعونية. لكن اسم نبتة الثوم علميا هو Allium stavium، «وهو اسم مؤلف من كلمتين الاولى سلتية تعني «حار» او «حارق» والثانية لاتينية تعني «مزروع». اما الكلمة الإنجليزية المستخدمة (garlic)، فهي من اصل انغلو ـ ساكسوني garleac، وتعني «رمح الكراث».
وهناك أصناف عديدة من الثوم، تحمل اسماؤها دلالات على منشئها «كالثوم البلدي والثوم اليبرودي (نسبة إلى منطقة يبرود في سورية) والثوم الصيني والثوم الفرنسي. وفيما يقال ان المصري اجود انواعه بسبب التربة الخصبة المتاخمة لنهر النيل، يكثر البري منه في دول وسط آسيا مثل طاجكستان وتركمانستان واوزبكستان وقيرغستان. وانتشرت زراعته كما يؤكد المؤرخون، في منطقة تمتد من الصين الى الهند ومصر واوكرانيا. ويقال ايضا ان اجود أنواعه ما كان يتمتع بحبات او فصوص كبيرة مفرقة، والقليل الحرارة والكثير الرطوبة الدبق، وتفضل الفصوص الكبيرة الخشنة ايضا لسهولة إزالة قشرتها «السليلوزية».
ويؤكل الثوم الذي ينتج العالم منه سنويا ما لا يقل عن 10 ملايين طن ـ متري، «طازجا صحيحا أو مدقوقا مع الخضار واللحم لتحسين طعمها، أو مطبوخا مع مختلف الأطعمة. ويفضل البعض الثوم الجاف (الناشف) على الثوم الأخضر» لفعالية الاول وقوته. الرائحة: اهم ما يميز نبتة الثوم هو رائحتها القوية التي يعتبرها البعض كريهة الى حد انه كان على النساء في انجلترا في القرن الثامن والتاسع عشر الامتناع عن تناولها لتحاشي رائحتها، خصوصا إذا استعملت بإفراط. ويقال ان زيوته الطيارة تتبخر من داخل الجسم وقد تستمر هذه العملية لأكثر من يوم واحد، ولذا كثرت النصائح والوصفات الشعبية والطبيعية المفيدة التي تعنى بالتخلص من رائحة الثوم او التخفيف منها. ومن هذه النصائح مثلا ـ رغم توفر معجون الاسنان هذه الايام ـ مضغ عروق البقدونس واوراق النعناع أو حبات الهيل أو قطعة من التفاح. وينصح البعض بكأس من الحليب قضم حب البن (القهوة) او تناول قليل من اليانسون او الكمون. ويلجأ البعض وهذا يعتمد على المنطقة التي يعيشون فيها الى تناول ملعقة من العسل لطرد رائحة الثوم. بالنهاية يمكن استخدام ما يناسب الفرد وذوقه من نبتات واعشاب وتوابل وغيرها.
* الثوم عبر التاريخ
* الكتب السماوية: ورد ذكر الثوم في القرآن مرة واحدة. حيث قال تعالى: «وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» (سورة البقرة).
ـ أبو قراط: من المعروف ان ابو الطب كان يوصي الناس حوله بتناول الثوم لحماية انفسهم من العدوى وتلوث الجروح والجذام والاضطرابات في جهاز الهضم التي قد يتعرضون لها. ومن المعروف ايضا ان ابقراط عالج سرطان الرحم بالثوم.
ـ داود بن عمر الأنطاكي (1534 ـ 1592م): الطبيب والصيدلي والعالم الفلكي الاعمى، الذي اهتم بخصائص النباتات الطبية والأعشاب وكيفية التداوي بها، اكد ان للثوم 40 فائدة طبية. وتنقل بين دمشق والقاهرة وبلاد الأناضول طالبا للعلم، واستقر به المقام في مكة إلى حين وفاته.
وكان الأنطاكي يعرف باهتمامه بتحويل النبتات المفيدة الى كبسولات واستخدامها بطرق مختلفة ـ العصور الوسطى: لأن في تلك العصور كانت تكثر الخرافات، كان الناس يرتدون الثوم مثل القلائد رغبة في طرد الشياطين ومصاصي الدماء. ومع هذا كان ايضا يستخدم للوقاية من الطاعون اللعين الذي كان ينتشر من فترة الى فترة.
ـ لويس باستور (عالم الاحياء المشهور): من قصص الطب المعروفة ان باستور عرف قدرة الثوم على قتل البكتريا بعد ان وضعهما معا في نفس الوعاء اثناء احد اختباراته.
ـ الطبيب البيرت شويتزر: يقال ان الطبيب الالماني عالج الكوليرا وحمى التيفوس و الديزنطارية بنبتة الثوم خلال وجود في أفريقيا بداية الخمسينات.
ـ الحرب العالمية الاولى والثانية: استعمل الثوم بفعالية ـ قبل توفر المضادات الحيوية ـ لتعقيم جروح المصابين من الجنود وللقضاء او الوقاية من الالتهابات المؤدية الى الغرغرينا الخطيرة. وقد اعتمد الجيش السوفياتي على الثوم في معالجة الجرحى لدرجة ان صار يسمى بـ «البنسلين الروسي». واستخدم كل من الجيش الفرنسي وبعدها البريطاني الثوم لتنشيط جنودهم وابقائهم بصحة جيدة اثناء معارك الحرب الاولى. ـ تجارب علمية عدة: كشفت تجارب اخيرة على الفئران، ان مادة «الأليسين» التي يحتوي عليها الثوم تمنع النوع المتوسط من ارتفاع الضغط الرئوي. وتجرى حاليا دراسات عديدة للبحث عن العلاقة بين الثوم والنشاط الذهني والذكاء.
ـ التجارب الاميركية: وهي تجارب على الجرذان ايضا لكنها أثبتت أن تناول فص من الثوم كل يوم يؤدي الى كبح جماح نمو المواد المسرطنة في الجسم (Carcinogenic).
ـ التجارب البلجيكية: أشارت بعض الدراسات إلى ان تناول ما لا يقل عن 5 غرامات من الثوم بانتظام يؤدي الى الحصول على بشرة نقية. كما ان بإمكان الثوم تنقية البشرة من النمش والبثور والرؤوس السوداء. ـ وباء الكوليرا: استخدم الثوم للوقاية من العديد من الأمراض والاوبئة المعدية والخطيرة والتي تنتشر بسرعة، ومن هذه الاوبئة وباء الكوليرا في القرن الثامن عشر في اوروبا. ـ التجارب اليابانية: دلت التجارب الاخيرة على الحيوانات في طوكيو ان تناول الثوم بانتظام يؤدي إلى «زيادة في إفراز مادة «نورايبينفرين» التي تسرّع عمليات هضم الدهنيات الثلاثية مع زيادة ملحوظة في نمو الأنسجة الدهنية البنية. وأوضح الباحثون أن الأنسجة الدهنية البنية هي عبارة عن دهنيات مولدة للحرارة تعمل على أكسدة حرق الدهون العادية، حيث يتم إطلاق الطاقة الناتجة عن الحرق على شكل حرارة، مؤكدين أن الثوم قد يصبح أشهر المواد الحارقة للدهن فيما لو ثبت ان له نفس النتائج على البشر».
|