د/عبدالعزيز المقالح* -
في وداع فقيد الوطن اللواء عبدالله عبدالسلام صبره
أولاً:
قلبي معه، مع الرمز الوطني المتوهّج المناضل الكبير القاضي عبدالسلام صبره، قلوبنا جميعاً معه في أحزانه التي هي أحزاننا برحيل نجله الوحيد المناضل الجسور عبدالله عبدالسلام. الوطن معه جباله وسهوله وشواطئه، يشاطره حزنه النبيل، وصبره الجميل، وصموده الذي كان وسيبقى مضرب الأمثال لمئات السنين. وسيظل الوطن يتذكر عندما كانوا - في زمان مضى وانقضى- يضعون القيود في أقدامه وهو يبتسم، يضعون الأغلال في عنقه ويديه، وهو يسخر منهم ومن محاولاتهم الخائبة في إيقاف حركة التغيير، كان شعار "السعادة الخالدة"، على فمه في كل الحالات مؤكداً به أن الحياة بكل خيرها وشرها، وبكل أفراحها وأحزانها ليست سوى مرحلة اختبار، لا ينجح فيها إلاَّ ذلك النفر القليل من البشر المؤمنين الصابرين، الذين رسم الله تعالى صورتهم في القرآن الكريم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة 156،157].
قلبي مع هذا المناضل التسعيني، الذي يقترب من الخمس السنوات التي ستقوده إلى المئة وما بعد المئة بإذن الله، وهو محتفظ بوعيه ووقاره ورؤيته الصافية للأمور، كما كان في الثلاثينيات والأربعينيات، متذكراً كل ما مر بالوطن من أحداث، ومؤمناً بأن الإنسان هو روحه، أما الجسد فما هو إلا وعاء كسائر الأوعية المعرضة للكسر والتهشيم، وقد استطاعت روحه العالية المؤمنة أن تمنح جسده النحيل القدرة على مواجهة المتاعب، ومقاومة الكسر والتهشيم، وكان وهو الشاب التسعيني ينظر إلى أحفاده وإلى شباب الوطن بإشفاق، وهم يتراجعون أمام ضربة شمس أو هبة هواء قاسية، قلبي معه وهو يتقبل ضربات الحياة منذ مطلع شبابه بقلب صبور، وإيمان لا يعرف اليأس ولا الانكسار.
ثانياً:
أيها الصديق والزميل العزيز عبدالله عبدالسلام، يا فقيد الوطن، لا أستطيع أن أتصور مكانك خالياً وأن ضحكتك الودودة قد اختفت، لكن تلك هي مشيئة الله وحكمته، وما يخفف من وطأة الحزن وقسوة الفراق، أنك أيها الراحل العزيز لم تفارق أهلك ووطنك إلا بعد أن أديت دورك الوطني كاملاً غير منقوص، ودافعت باستماتة عن الثورة والوطن في أكثر من موقع وموقف، وكنت في طليعة الضباط الأحرار الذين تحملوا مسئولية القيام بالثورة، وأتذكر الآن وأنا أستعيد ملامحك ومواقفك قبل الثورة شاباً يملأه الحماس، وتغتلي في وجدانه قيم الثورة والتغيير. كما أتذكر يوم السادس والعشرين من سبتمبر، وأنت تقود الدبابة في ميدان التحرير، وكأنك تقود الوطن بأكمله نحو التحرر والانعتاق. ولن ننسى موقفك من فك الحصار على الإذاعة في ذلك الصباح الذي لم تطلع على اليمن شمس أجمل من شمسه.
لقد أراد أفراد من الأسرة الآثمة في حق الوطن أن يسكتوا صوت الشعب في المهد، وكانت قصورهم تحيط بدار الإذاعة من كل الاتجاهات، وبدأت زخات الرصاص تنهمر على المبنى الصغير الذي يضم "الاستديو" الوحيد، وفي لحظة مباركة ظهر الملازم عبدالله عبدالسلام صبره يقود دبابته التي تكاد تطير في الهواء، وفي دقائق صمتت القصور وإلى الأبد.
إن مناقب الراحل أوسع من أن تستوعبها سطور هذه الزاوية، لكن من حقنا، ونحن نودعه إلى مثواه الأخير، أن نتذكر أنه أعطى وطنه الكثير والكثير، كما أسهم في الأيام الأخيرة بنصيب وافر في تنقية الصحيح من المدلس، والصالح من المغشوش، فيما تمت روايته عن واقع الأيام الأولى للثورة وما تلاها من معارك، إذ كان طرفاً فاعلاً ورقماً صحيحاً فيها، وقد علمت منه أنه قام بتسجيل عشرات الأشرطة مع الصديق العميد محسن خصروف، وتم تفريغ الجزء الكبير منها لتظهر في كتاب، تمنيت أن يكون ذلك في حياته، تغمده الله بواسع الرحمة والرضوان.. وألهم أهله وزملاءه ووطنه الصبر والسلوان.
وجدي الأهدل في أحدث أعماله الروائية:
بعد أن أثبت المبدع وجدي الأهدل وجوده المتميز في عالم القصة القصيرة، ها هو ذا يثبت وجوده في عالم الرواية. وهذه هي روايته الثالثة (بلاد بلا سماء) التي تشكل قفزة نوعية في إنتاجه الروائي، لا من حيث المضمون وإنما في الشكل والأسلوب أيضاً، وفي الجمع بين العالم المتخيل والواقع، كما في التقنية البارعة التي ابتدعها في رصد وجهات النظر المتعددة تجاه الحدث الذي قام عليه موضوع الرواية وما يرمز إليه ذلك من تعدد الحقيقة وتعدد رؤى الباحثين عنها. الرواية من سلسلة إبداعات يمانية، منشورات عبادي للدراسات والنشر.
تأملات شعرية:
لا تغيب الكواكبُ،
لا تتساقط،
لكنها تتحول
تأخذُ شكل مدارٍ جديد
وتمضي مكللة نحو باب الإلهْ.
الكواكبُ
لا يختفي نُوْرُهَا
فهو مختزلٌ لا يُفارِقنا
من بريقِ النجوم
وضوء المياهْ.
*عن الثورة