-
اليمن
22 مايو 1990م يوم وشهر وعام فيه استعاد اليمنيون وهج تاريخ حضاري عظيم وبداية انطلاقة جديدة حاملين شعلته نورها يزداد سطوعاً ليضيء طريق المستقبل لتتبدى أمامهم أكثر وضوحاً.. يواصلون ماضيهم الحضاري التليد بحاضر مجيد مفعم بالآمال والأماني والتطلعات لصنع مستقبل أكثر إشراقاً بالإنجازات والتحولات الكبرى التي لا تحققها إلا الشعوب الحية العظيمة.
مايو هو انطلاقة شعب عاش تاريخاً طويلاً تواقاً لوحدة تنهي أزمنة التشرذم والفرقة وتقضي على التخلف والطغيان والقهر الإمامي الاستعماري متجاوزاً صراعات الدولة الشطرية إلى زمن الوحدة فكان البداية الحقيقية لتاريخ اليمن المعاصر القوي بالتئام لحمته ليزداد صلابة في مواجهة تحديات وأخطار عصر جديد ستشرفه صنع هذا اليوم فكانت النظرة الثاقبة والرؤية الاستباقية لتعقيدات وصعوبات عالم تتفكك منظومة دوله.. واتسم بالحروب والصراعات والأزمات في هذا اليوم الفارق كان اليمن يتوحد مستوعباً بوعي أبنائه العميق أن لحظة التوحد قد حانت فخرجوا جميعاً.. في عدن وصنعاء والمكلا وتعز وكل مدن وقرى اليمن معلنين للعالم أجمع أن التاريخ عاد إلى مساره الصحيح مؤكدين أن شعب هذا البلد جنوب الجزيرة العربية الذي عانى من ويلات عقليات كهنوتية متحجرة خرجت من مجاهيل دهور غابرة واستعمار ماكر بغيض ومن تشطير مقيت مفعم بالحروب والصراعات.. إنه حضاري وحتى قادر على أن يفاجئ العرب والعالم بإنجازات كانت في نظرهم ضرباً من المستحيل.
كانت الوحدة وكانت الجمهورية اليمنية ولم يكن في تفكير اليمانيين وهم يحققونها مجالاً للرومانسية السياسية والأوهام المغرقة في المنجز الوحدوي وعظمته بل كانوا على دراية بالصعوبات والتعقيدات التي تفرضها معطيات الواقع وتأثيرات النزاعات المرضية الاجتماعية والسياسية من الماضي، كما أن قيادة اليمن الموحد كانت تدرك تحديات الآتي الإقليمية والدولية والتي تحمل معها إفرازات متغيرات لايمكن التصدي لها الا بالديمقراطية لتكون المنجز الرديف للوحدة مشكلاً معاً القوة القادرة على تحطيم كافة الدسائس والمؤامرات التي أرادت إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف منتصرة عليها لتحول إلى محاولات يائسة لبقايا بائسة من مخلفات الماضي مؤكداً أن شعبنا وقواته المسلحة والأمن أن الوحدة والديمقراطية وجدت لتبقى.. وبهما يبنى الحاضر وتحقق متطلباته المؤسسة للمستقبل بكل تطلعاته واستحقاقاته.
ان الوحدة اليمنية لم تكن إنجازاً وطنياً حققه الشعب اليمني لنفسه لكنه ايضاً إنجاز قومي عربي بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى.. أعادت لأبناء الأمة العربية ألق الحلم الوحدوي من المحيط الى الخليج بعد أن كاد بصيص ضوء أمله يخبو وينطفئ في العقل والوجدان العربي الجمعي.. ومن وحدة اليمن استمد العرب قوتهم المعنوية التي مكنتهم من التصدي للأخطار غير المسبوقة والتي سارت بالتوازي مع صمود الوحدة اليمنية أمام تحديات كبرى حولها الشعب اليمني الى محض سراب وهشيم تذره الرياح ممازاد العرب ثقة بأنفسهم وبأن وحدتهم آتية لاريب.. فالوحدة هي عنوان القوة والازدهار والتجزئة هي الضعف والوهن ولأن انعقاد المؤتمر القومي العربي جاء متزامناً مع مباهج احتفالات شعبنا بعيده الوطني ال18 للجمهورية اليمنية كان من الطبيعي أن يكون إنجاز اليمن الوحدوي حاضراً لدى المشاركين يتحدثون عنه وكأنه نموذج لتحقق الحلم الذي طال انتظار تحوله إلى واقع.. وهذا كان جلياً وواضحاً في ذلك التفاؤل الذي تحدثت بها النخبة الفكرية والثقافية والسياسية العربية في فعاليات أعمال مؤتمرهم ال19 الذي احتضنته صنعاء لمدة 4 أيام الأسبوع الماضي مؤكدين في أحاديثهم أن الوحدة اليمنية مبعث فخر واعتزاز كل يمني أياً كان موقعه وهي محروسة بعناية الله سبحانه وتعالى وموضوعه في حدقات العيون ليس فقط من أبناء اليمن ولكن من العرب جميعاً فهي المنارة التي ترشدهم إلى طريق الوحدة العربية الشاملة.
فالوحدة وجدت لتبقى وستبقى ولو كره الحاقدون الواهمون، ومن هذا يكتسب مايو عظمته لليمن والعرب جميعاً.
*افتتاحية 26 سبتمبر