المؤتمر نت-استطـلاع: نزار العبـادي - دور الإعلاميين في غرس مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان
حين تصبح الديمقراطية موضوع حوار طويل تتجاذب أطرافه رموز حكومية ومدنية رفيعة قدمت من كل صوب. وتجدً إلى صنعاء عبر آلاف الأميال المضنية، فإن ذلك يعني أن الديمقراطية والحقوق الإنسانية المتمخضة عن ممارساتها أمست موضع ارتكاز الجهد البشري في إعادة تأهيل ذاته، وأدواته، وارتباطاته على سبيل بلورة الأطر العصرية لـ"عالم فاضل" ينشده الجميع ضمن تطلعات متشابكة لا تكترث لجنس، أو قومية، أو مذهب ديني، أو فكري.
وإذا كان الأوربيون والعرب، وأفريقيون، وآسيويون آخرون قد تداولوا أبجديات الحوار بهذا الصدد؛ أملاً في استشراف مسئوليات والتزامات أدبية تسحب أقدام العالم إلى نواصي حقب ديمقراطية بمفاهيم الممارسة الأنضج والأوسع، فلا شك أن مساهمة المؤسسات الإعلامية في إشاعة تلك القيم، وإنماء ثقافتها ستكون بمثابة محور الفعل الأولى لمحاولة الانتقال والتغيير السلوكي لمختلف المجتمعات الإنسانية.
ولكن ظل أكثر ما يثير الجدل في هذا، هو كيف يتسنى للإعلاميين حمل رسالة الديمقراطية، وحقوق الإنسان لمجتمعاتهم، وبلدانهم؟ ألن تكون المهمة في غاية المشقة على أولئك العاملين في ظل أنظمة لم تتذوق طعم الديمقراطية قط؟ وهل أن غرس الديمقراطية مسئولية سلطوية أم مدنية أم وطنية عامة؟
وعليه آثر "المؤتمرنت" فتح أبواب الرأي عن دور الإِعلاميين في غرس مفاهيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، لعدد من الشخصيات الإعلامية الأوربية، والعربية رغبة في الإفادة من الرأي الآخر، والتجربة الأخرى التي استطلعناها من خلال الآتي:
المساعدة على تكوين الموقف والرأي
يعتقد مراد هاشم- مراسل قناة الجزيرة الفضائية بصنعاء بأنَّ:(للإعلامي دور مهم في تنوير الرأي العام، بل وفي تشكيله – أحياناً)، ويضيف:(مناط الإعلامي في نقل حقيقة مجردة، ودقيقة، وموضوعية لكل الناس بمختلف شرائحهم، وطبقاتهم، وفئاتهم –مما يعني- أنه يساعدهم على تكوين مواقفهم وآرائهم). ويستخلص مراد هاشم رأياً يقول:(إنك يدُُ تصنع الرأي العام. والرأي العام هو الذي يغير، ويطور).
بعيداً عن نفوذ أي سلطة
"جابريل رومانيو"- مراسل صحيفة "الديلي نيوز"، يرى أن(دور الصحفي ليس كبيراً –جداً- ولكن على الجميع أن يأتي بجهده، ودوره من أجل الديمقراطية) ويشترط لقيام الإعلامي بدور مؤثر (ألاّ يكون خاضعاً لأي صيغة سلطوية، سواءً كانت سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية)، مضيفاً - (ويجب أن يكون مستقلاً ونزيهاً لايحابي أحداً على حساب الآخر) ويؤكد (إن التزام الصحافي بتلك القيم والمعايير تجعل منه قدوة يتعلم منها الآخرون الصراحة، والحديث بجرأة عن حقوقهم، وحرياتهم، ومختلف شئون حياتهم).
إلاّ أن مايسة ردمان- في تلفزيون اليمن، ومراسلة ((MbC- تخالف "رومانيو" بشأن حجم دور الإعلاميين، وتقول (للإعلامي دور كبير جداً في نقل الكثير من مفاهيم حقوق الإنسان، والتهذيب الديمقراطي) وتبلور لهذه العملية صيغة خاصة ترى من خلالها ضرورة (عدم التعرض- وبشكل تأديبي للشعب، أو المواطنين ليفعلون كذا ولايفعلون كذا، ولكن ليأتي كل شيء في إطار توعوي) وتعتبر مايسة ردمان الإعلامي بأنه (جهاز نقل للقيم بدونه تنعدم الوسيلة التي تنتقل بها المعلومة إلى عموم المواطنين. لذا فإن دوره حساس جداً).
كما تلتفت إلى مسألة أخرى هي (إن للإعلامي دور في فضح الممارسات الإعلامية، وهذا هو دور أهم من النقل للمفاهيم، لأنه يفضح مثل تلك الممارسات ربما ينجح في إيقاف من يمارسونها ، ويمنعهم من أن يتطاولوا أكثر من اللازم في انتهاك بعض الحقوق الإنسانية).
إشكالية التمويل هي العقبة
أما العزب الطيب الطاهر- المحرر السياسي لـ"الراية" القطرية، ومراسل "الأهرام" بالدوحة- فيركز على مشكلة التمويل، ويعتبرها (إشكالية خطيرة). يتساءل فيها:(كيف يمكن أن تُحّقق حرية الإعلام في العالم العربي، ومعظم وسائل الإعلام تابعة للحكومات؟).
وهو لا يحصر مسئولية التبعية بالجهات الحكومية، بل يتعداها(هناك صحافة ووسائل إعلام تعبر عن بعض التنظيمات، أو المنظمات، ودوائر القطاع الخاص، والشركات، وهي بهذا ستكون تابعة لها، ولرجال الأعمال الذين ينفقون عليها) مضيفاً:(أعتقد أن الوسيلة الإعلامية إذا تجاوزت إشكالية التمويل سيكون بمقدورها تكريس مفاهيم الديمقراطية عبر التغطيات المتوازنة التي تعمق الوعي بالحريات، والممارسات الديمقراطية، وعبر فتح مساحات للرأي الآخر الذي يمكن أن يسهم في تعميق المسار).
ويرى (العزب) أن هناك علاقة توافقية إنعكاسية بين حريات المجتمع، والحريات الإعلامية إذْ يذهب إلى القول:(إذا أردت أن يكون المجتمع حراً، ومنفتحاً، وديمقراطياً فإن ذلك يتجسد –بدرجة أولى- في ظل وجود إعلام يحمل نفس المواصفات من الحرية والانفتاح، ويعبر عن كل تفاعلات المجتمع، وفقاً لمنهجية الرأي والرأي الآخر).
وتعتقد "جوليانا سكرينو"- محررة بصحيفة "الديلي نيوز" أن (على الصحافة التي تضطلع بدور مؤثر في المجتمع أن تقوم بعملها جيداً، وبإخلاص، وبدون الاستسلام للتأثيرات الخارجية، والضغوطات من أي جهة كانت) وتؤكد على حقيقة:(متى ما مارس الصحافي حرياته، وبلور أفكاره الديمقراطية -فيما يكتب حينذاك يمكنه أن يقول أنه لعب دوراً في غرس مفاهيم الديمقراطية، والحريات الإنسانية .. فالتغيير يبدأ من الذات ثم ينتقل إلى الآخرين).
السياسة مفسدة الإعلام والإعلاميين
رانيا رعيدي- مراسلة تلفزيونNTV)) لبنان، تؤمن كثيراً بأهمية دور الإعلام في تعزيز الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت تؤكد على أن (الإعلام حتى يقوم بدوره يجب أن يكون حراً، وغير مراقب من الدولة، وليس موجهاً –خارجياً).
كما تدعو (رانيا) إلى تعدديةٍ بوسائل الإعلام،( يجب أن يكون هناك إعلام خاص إلى جانب الإعلام الحكومي الرسمي) لكنها تعارض الجمع بين السياسة والإعلام(ينبغي أن يكون الإعلام بعيداً جداً عن التدخلات السياسية، لأن السياسة إذا دخلت بالإعلان تفسده، وتفسد الإعلاميين).
سلوك وليس تشريعات
يرى نبيل الصوفي- رئيس تحرير "الصحوة" أن على الإعلامي (ألاّ يمثل دور المنشغل بالقضايا التنظيرية للديمقراطية، وتشريعاتها. فالصحفي يخدم الديمقراطية أكثر لو ركز على الشارع، والسوق، ونقل وقائع الأحداث العامة) ليخلص من تلك المهمة بنتيجة ( أن يصبح الشارع العام مصدراً لتكوين المواقف، والرؤى بدلاً من التنظيرات الفكرية) مؤكداً أن (الديمقراطية سلوك، وليست تشريعات).
ومن جهة أخرى ينتقد الصوفي –برأيه- تضييق المدلول الفكري للديمقراطية، وحصره بالجانب السياسي (نحن الآن نؤكد على أن الديمقراطية شأن سياسي، والحياة شأن سياسي. كل شيء سياسة؛ في الوقت الذي يجب أن نركز على الحياة: كثقافة، ورياضة، وفن..) لافتاً النظر إلى أهمية غرس الديمقراطية في عهد مبكر من حياة الأجيال:( إن لم تحضر الديمقراطية لدى الأطفال في مدارسهم لن تكون لها قيمة لو تعلموها، وهم كبار جداً).
أما عبدالكريم عيسى- مراسل وكالة الأنباء السورية- فيعتقد أن (للإعلامي دور في تنمية، ليس الحريات فقط، وإنما الحرية المرتكزة على العدالة الاجتماعية، والوطنية) مشيراً إلى أن (دور الإعلامي يتعاظم أكثر في هذه المرحلة، والظروف الراهنة التي تشهد هجمة شرسة على المنطقة العربية، ومقوماتها الثقافية، والفكرية).
كما يرى عبدالكريم (الدور الرئيسي الذي يجب القيام به هو تثقيف، وتوعية الشعب بالمخاطر التي تحيق به، وبحرياته، وإنسانيته، وإبقائه في حالة من اليقظة الدائمة).
الإعلامي قادر على كل شيء
"جيتانو دنتامارو" – محرر الموقع الإلكتروني لمنظمة "الاإسلام بدون عدالة" أكد منذ البدء على (إن الإعلامي مناط به المسئولية الأولى في غرس المفاهيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان لأنه الوسيلة الوحيدة التي تكون على احتكاك مباشر، ومتواصل مع عامة الناس) ويعتقد أن بمقدور رجل الإعلام (توجيه الناس، وقيادتهم إلى الممارسات السليمة، وجعلهم في حالة من اليقظة فيما يدور في محيطهم الخارجي؛ فمثلما الإعلام يرِّوج لخطاب الحكومات بإمكانه، أن يرِّوج لخطاب الديمقراطية، والحقوق والحريات، فهو يمتلك القدرة، وعليه أن يأتيها في وقتها المناسب).
ويضيف "دنتامارو" -مشيراً إلى الاستطلاع الذي يقوم به "المؤتمرنت"-:(الآن- مثلاً- أنتم تعملون استطلاعاً حول دور الإعلامي في غرس مفاهيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وهذا يعني أنكم تقومون بدور في إشاعة خطاب الديمقراطية.. ويعني – أيضاً- أنكم تحاولون نقل تجارب الآخرين في هذا المضمار، وإتاحة فرص وخيارات متعددة أمام الإعلاميين اليمنيين كي يتعلموا منها أفضل سبل العمل) وتساءل:( لماذا لا نقوم كلنا بتحقيقات صحفية مشابهة لما تقومون به؟ أو نقوم بمبادرات أخرى للإكثار من الحديث بهذه المسائل، ودفع الناس باتجاهها؟).
شركاء بالإنجازات والإخفاقات
ويعتقد أحمد غيلان- رئيس تحرير صحيفة "وهج الحقيقة" أن (الإعلامي يتصدر صف قادة الرأي) ويحمله مسئولية( إذا لم يكن الإعلام في الصدارة ممّن يعرّفون بحقوق الإنسان، والديمقراطية؛ فلن تكون هناك حقوق إنسان، ولن تكون هناك ديمقراطية).
ويستعرض غيلان التجربة اليمنية منتقداً تطرف الرأي (بعض الإعلاميين يتبنون رأي السلطة فيروجون للوزير الواحد، والمدير الواحد، والمسئول الواحد، والقيادي الذي لم تلده أم. وهناك إعلاميو المعارضة الذين يجعلون الواقع أسودَ، وقاتماً، ولا يعترفون بحقيقةٍ، أو إنجازٍ، ولا يعترفون بأي شيء إيجابي، وهذه هي المشكلة).
ويعلق على التجارب الديمقراطية باليمن:(كان فيها الكثير من الإيجابيات، وأيضاً الشوائب، والإعوجاجات. وليس صحيحاً أن نقول بأن كل ما أُنجز من إيجابي يحسب للسلطة، أو الحزب الحاكم. وليس صحيحاً أن نقول بأن كل الأخطاء محسوبة على الحزب الحاكم. فنحن شركاء فيما أُنجز من إيجابي، ونحن شركاء في الأخطاء) مضيفاً (أخطاء المعارضة، وممثليها ربما توازي أخطاء ممثلي السلطة. بل على العكس ربما كانت الأخطاء والسلوكيات التي يمارسها مندوبو السلطة- وعلى الأخص منهم الأميون – كانت لربما ردود أفعال لبعض الأخطاء التي ترتكبها أحزاب المعارضة) مؤكداً في ختام حديثه (نحن بحاجة إلى الرائد، أو قائد الرأي الذي يقول للصحيح هذا صحيح، ويقول للسلوك المعوج هذا معوج، من أجل أن نرسخ فعلاً تطبيقياً حقيقياً للممارسة الديمقراطية).
في حين تقول "نيليانا تيرسيني" – مراسلة الإذاعة والتلفزيون الإيطالي:(الديمقراطية هي فعل يمارسه الفرد، ويعلمه لغيره لا إرادياً في أغلب الأحيان، والإعلامي يمكن أن يلعب دور المشجع، والمحفز للآخرين على الإتيان بفعل الديمقراطية) منوهة إلى أن (طبيعة مهنة الإعلامي تقتضي أن يكون مثقفاً، ومدركاً أكثر من غيره، ووفقاً لتلك المواصفات فهو أكثر تحسساً للمسائل والأحداث، وينبغي عليه نقل أحاسيسه، وظنونه بصدق، وأمانة للآخرين لكي يبلوروا منها مواقفهم، أو آراءهم، وبإمكانه –أيضاً- أن يقترح عليهم خيارات تساعدهم في الوصول إلى رأي صائب).
قُلها ومُت
عبدالخالق عبدالملك- مراسل إذاعة MBC، يؤكد على أن يكون الصحفي (أميناً مع المتلقي- أياً كان نوعه: قراء، مستمعين، أو مشاهدين. يجب نقل الحدث كما هو دون تحيز، ولا مجاملة، وعليه ألاّ يقبل أن يُفرض عليه خبر ليقوله على لسانه، وهو في الأصل كلام ملفق).
ويضيف عبدالخالق:(من تلك النقطة يبدأ دور الإعلامي في غرس المفاهيم الديمقراطية، لأنه حرص على عدم تضليل الرأي العام، أو خداعه. وهذا الأمر بحد ذاته يعد احتراماً من الوسيلة الإعلامية لحقوق المتلقي، وحمايتها –أيضاً).
كما يشير إلى اعتقاده أن (الإعلامي يؤدي وظيفة هامة في المجتمع تهدف إلى تنوير الآخرين بكل الأحداث التي تهمهم، ويفترض أن تنقلها بأمانة حتى لو أدى ذلك إلى اعتقالك، أو سجنك، أو إعدامك.. لابد أن تقولها، وتريح ضميرك.. فأنت إذا قلتها متّ، وإذا لم تقلها متّ، فقُلها ومُت..!).
|