أحمد غيلان -
إنجاز بلغ سن الرشد
بإيقاد شعلة 22 مايو 2008م تكون الوحدة اليمنية قد بلغت سن الرشد، ولم تعد تحتمل الوصاية ولا تقبل المساومة، ولا تخضع للمزايدة أو البيع والشراء، ولم تعد الوحدة مجَّرد تاريخ يُحتفى بذكراه أو مناسبة نحييها بالفعاليات الفرائحية، بل غدت شجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في السماء، مورقة مثمرة تأتي أكلها كل حين، وإن تعامى عن رؤيتها على حقيقتها الجاحدون.
الوحدة التي كانت حُلماً وهدفاً وغاية وأملاً أغدت اليوم حقيقةً ساطعةً وعُوداً شديد الصلابة، وصخرة تتحطم عليها كل أماني التمزُّق وأوهام المراهنات الخاسرة على نوازع التفتيت والمشاريع الصغيرة التي يرفعها ضِّيقوا الآفاق والصدور والتفكير.
ومثلما كانت ثابتاً من ثوابت النضال الوطني في كل مراحله التاريخية، هي اليوم قدر ومصير وخيار أبدي لا رجعة عنه، ولا تفريط فيه ودونه الموت والفناء، ولسنا بحاجة إلى دليل على أن الوحدة عنوان الشرف والعزة والنصر والمنعة بعد 18 عاماً من عمرها الزاهر، الزاخر بتحولات عظيمة شهدها وطن الوحدة من أقصاه إلى أقصاه في شتى مجالات الحياة، فضلاً عن أن الوحدة التي تحققت في يمن الحكمة والإيمان برهنت على قوَّتها وعزتها ومنعتها وعظمتها يوم وُلدت استثناءً في زمن الشتات العربي والتمزق الإقليمي والصراعات السياسية التي جعلت من حدود الدول والأقاليم والقارات أخاديد لهب وبؤر توترات منذ منتصف القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا، ليكون يوم 22 مايو 1990م وحده ضياءً يمانياً في تاريخ المنطقة العربية والعالم.
ولأن وحدة اليمن أتت لتبقى وتتطوَّر وتواكب متغيرات الحاضر والمستقبل، فإنها -يوم وُلدت- تواءمت مع الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية في ظل مؤشرات تدفع باتجاه انقراض الشمولية بكل مفرداتها وأفول شمس الديكتاتورية والتسلط والحاكمية الفردية، لتصبح الوحدة اليمنية وتوأمها النهج الديمقراطي منارة حرية ومنبع تحوِّل سياسي حضاري يستحق أن يكون المشروع القدوة في المنطقة والإقليم والعالم الثالث.
والوحدة اليمنية –اليوم- قد اشتد عودها وبلغت مرحلة النضج وتجاوزت المنعطفات والانتكاسات والمؤامرات بالتفاف وإرادة وصبر وكفاح أبناء اليمن، وبعزيمة وحنكة القائد الباني الموحِّد علي عبدالله صالح، لم تعد ذلك الرقم السهل الذي يمكن لأيٍّ كان أن يتجاوزه أو يتعامى عن قراءته ولا الاسم النكرة الذي لا محلَّ له من الإعراب، ولا حتى الفعل الجامد الذي لا يظهر له أثر، بل إنها الفعل الذي جعل من التحولات الحضارية والإنسانية والتنموية مفاعيل حاضرة من بعده تغمر حياتنا بكل ما ينتمي للمستقبل.