نصر طه مصطفى -
في ذكرى الوحدة (2)
عندما شاهدت صور الساسة اللبنانيين على شاشات التلفزيون وهم يتجولون ويتناقشون في أرجاء فندق شيراتون الدوحة منذ يوم الجمعة الماضي تذكرت بكثير من الغصة مشهداً مشابهاً – لا أعاده الله – للساسة اليمنيين في أرجاء فندق إنتركونتننتال في العاصمة الأردنية عمان في فبراير من عام 1994م أثناء الأزمة المشؤومة التي انتهت بحرب دامية استمرت شهرين وتخللها إعلان بائس يائس بالانفصال لنخرج بعد تلك الحرب إلى مرحلة البناء والتنمية والإصلاحات...
وهانحن اليوم نحتفل بالعيد الثامن عشر لقيام الجمهورية اليمنية وهو بلاشك زمن قصير في حياة الدول وكلي أمل أن نحتفل العام القادم إن شاء الله وقد زالت كل الغصص التي تنكد علينا حياتنا وخاصة تلك التي تقلق الأمن والاستقرار وتذكرنا بمنظرنا في عمان عام 94 تماما كما تذكرنا بنظر اللبنانيين في الدوحة... وما عدا مثل هذه الغصص فهو محتمل ويحصل في معظم المجتمعات وهو قابل للعلاج طالما توفرت الإرادة ووجدت الإدارة.
وكما أشرت في الأسبوع الماضي فإن أحد أسباب الاختلالات التي نعيشها قصور إن لم يكن غياب المعالجات الاجتماعية والثقافية لمشكلاتنا ذلك أن تسييس هذه المشكلات قد أوقعنا في أزمات ثقة لا تنتهي في مختلف الاتجاهات فتراجع الإحساس بالمسؤولية وترك ذلك آثاره السلبية على الأداء العام الحكومي والحزبي بشقيه الحاكم والمعارض... ولذا فقد آن الأوان لأن نقف وقفة جادة لمراجعة جوانب القصور في أدائنا، وأن يتحمل كل واحد منا مسؤوليته كاملة دون بحث عن شماعات يعلقها عليها وكأنه مثل الداخل في الربح الخارج من الخسارة!
إن المعالجات الاجتماعية والثقافية وحدها القادرة على أن تكسر شوكة دعاة العصبيات الناشئة بمختلف ألوانها مذهبية كانت أم قبلية، شطرية كانت أم مناطقية دون أن يعني ذلك الغفلة عن المعالجات السياسية والاقتصادية والأمنية إلا أن هذه الثلاث الأخيرة لا تؤتي أكلها في غياب المعالجات الاجتماعية والثقافية... وفي النهاية فإن المعالجات عادة ما تكون منظومة متكاملة برؤية استراتيجية بعيدة المدى محددة الأهداف واضحة الوسائل... وفي ظني أنه قد آن الأوان لأن تتجه الدولة والحكومة بكامل طاقاتها وجهودها لتنفيذ برامجها كاملة وفي مقدمتها البرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح دون الانشغال بالمعارضة وما تفعله لأن تنفيذ البرامج هو الكفيل بالرد عليها ذلك أنها – أي المعارضة – لا تتعيش إلا على تصيد أخطاء الحكومة أو تقصيرها وليس على شيء آخر!
ها نحن نحتفل اليوم بعيدنا الوطني وقد خضنا تجربة هامة هي انتخاب المحافظين والتي نتوقع أن تؤدي إلى امتصاص ومعالجة الكثير من الاحتقانات التي حدثت خلال الفترة السابقة بما أنتجته من وجوه جديدة هي في الحقيقة تعبير وتجسيد لواقعها الاجتماعي ومشهود لها بالكفاءة والنزاهة بما في ذلك محافظ الضالع المحبوب من أبناء محافظته بمختلف اتجاهاتهم السياسية... وبالقدر نفسه كلي أمل وتطلع أن نحتفل بالعيد القادم وقد أنجزنا تجربة انتخابات نيابية جديدة تعزز من وحدتنا الوطنية وتماسكنا الاجتماعي... وما بين العيدين سأفترض أن ننجز الكثير والكثير، وأن نتجاوز معظم معوقات الاستثمار باعتباره الضمان الوحيد لمستقبل اقتصادي أفضل، وأن تكون صعده قد عادت إلى حضن الأمن والاستقرار، وأن تكون مشكلات الأراضي قد دخلت في مرحلة المعالجات الجادة والحاسمة، وأن تكون الوزارات المعنية ببناء الإنسان قد وضعت رؤية متكاملة للبناء الثقافي وتعزيز الوحدة الوطنية وتحجيم دعوات العصبية المناطقية والمذهبية بالعمل الثقافي والتربوي أولا قبل أي شيء آخر.