إقبال علي عبدالله -
خواطر في لحظة الميلاد
مازلت وبعد مضي عقد وثمانية أعوام، أتذكر لحظة الميلاد، شرَّفني الزمن أن أكون أحد الصحافيين المتواجدين لحظة الميلاد في صبيحة الثاني والعشرين من مايو 1990م في مدينة عدن وتحديداً في مقر رئاسة الجمهورية بالفتح...
لحظة تاريخية مسحت وإلى الأبد سفر تاريخ طويل أسود من التشطير.. شاهدت رجلاً، بل رجالاً بحجم الوطن يصنعون التاريخ في لحظة أذهلت العالم كله.. شاهدت ومعي العالم كله زعيماً يرفع علم اليمن الجديد ومعه كان الرجال، الانتماء واحد والوطن المشطر صار واحداً.. والدموع بتلك الاجفان..
نعم شاهدت بل عايشت تلك اللحظة وكانت وساماً على صدري وأنا أتابع هذا الحدث الذي مازال وسيظل ما حييت مخزوناً في ذاكرتي.
كانت أمنيتي التي تحولت مع السنين إلى حلمٍ أن أزور مدينة (تعز) القريبة من (عدن).. أسمع عن جبل »صبر« و»الحوبان« و»الراهدة«، عرفت من الآباء وبعض الأصدقاء أن »تعز« تغتسل يومياً بالأمطار وجسدها لايقبل إلاّ الثوب الأخضر..
حلمت بـ»تعز« ولم أستطع زيارتها ولا حتى الاقتراب منها.. الموانع كانت كثيرة.. و»العسس« منتشرون في حدودها..
الزائر أو المسافر إليها من عدن إما هارباً من بطش »الرفاق« في عدن، وإما للتجسس على الوطنيين الذين كانت »تعز« وجهتهم الرئيسة..
هكذا كان حلمي، وحين شاهدت العلم يرتفع رويداً رويداً يعانق السماء صرخت بأن حلمي سيتحقق وأخيراً سأزور »تعز«.
هذا الحلم، كان اختزالاً لأحلام كل أبناء شعبنا في توحيد الأرض.. وكان الرئيس القائد علي عبدالله صالح، يدرك منذ الساعات الأولى لتوليه قيادة الوطن أن الشعب كله يحلم بلحظة ميلاد الوطن الموحد.. فحقق الحلم وانتصرت الإرادة وانهزمت الأيديولوجية.. وصارت السنوات الثمانية عشرة وحدها وأرقام انجازاتها تتحدث عن عظمة هذا الميلاد..
هذه الخواطر التي تزاحمت في ذهني وأنا اليوم أشاهد وطناً جديداً يرتسم أمامي، بل أمام كل من يعرف اليمن شماله وجنوبه قبل ثمانية عشر عاماً.. لا وجه للمقارنة.. ولا مجال للحديث عن ماضٍ أسود وسنوات كلها تحديات في شتى المجالات..
* الصورة لم تكن داخل الوطن، بل خارجه، الأبناء كانوا ممزقين.. الجنوبي إذا تحدث مع شقيقه الشمالي وهم في الغربة كانت مكائن التسجيل وعدسات التصوير تتسارع في نقل اللحظة إلى الداخل.. وتفتح الملفات وتصادر الممتلكات وكأننا أعداء وليس أشقاء..
هذه المشاهد المأساوية كانت حاضرة في الذهن وأنا أتابع وأشاهد عن قُرب لحظة الميلاد.. لأصرخ من جديد »كم أنت عظيم يا فخامة الرئيس..«..
* من لايعرف اليمن قبل الوحدة المباركة، فإنه لايعرف اليمن الجديد.. يمن الانجازات التي أخرجت وطناً من نفق مظلم إلى رحاب النور.. يمن يعتز أبناؤه بالانتماء إليه والتحدث عنه أمام العالم بكل فخر واعتزاز..
صرخرت أنا »كم أنت عظيم يا فخامة الرئيس« وصرخ الوطن: »رددي أيتها الدنيا نشيدي«..
* لحظة الميلاد، زعيم حقق الحلم وقاد وطناً وسار فوق رؤوس الثعابين إلى حدائق الحب وملتقى العشاق وعانق السماء وجعل سيمفونية البحر والجبل تزدح عاماً بعد عام..