بقلم: نزار خضير العبادي - كرم الرئاسة واخفاق الصحافة
البعض اسماها بـ "السلطة الرابعة" والبعض الآخر فضل الأخذ بمسمى "صاحبة الجلالة" لكن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح كان أول من شق طريقه إلى مسمى "السلطة الأولى" من غير أن يختفي الإعلاميون بهذا التكرم الرئاسي الرفيع الذي رفعهم إلى مصاف سلطانه وما يتبوؤه من منزلة قيادية للدولة اليمنية.
توقعت أن أطالع صحف اليوم التالي لحديث الرئيس مع الإعلاميين وهي تزهو بخطوط عريضة تفاخر بنفسها فيما نالته من تكريم، ولكن على ما يبدو أن قسماً كبيراً منها لم تفهم المعنى، ولم تدرك فحوى تلك الرسالة الذكية التي بلورها رئيس الجمهورية بمهاراته السياسية المعهودة.
أما القسم الآخر –فيغلب الظن- أنه لم يكترث لمسمى يذكره بحجم المسئوليات الوطنية المناطة به، ويضاعف من الأدوار التي تنتظره ليمارسها بوعي من موقعه الرفيع كصحفي.
الغريب في الأمر برمته ليس في أن ترتقي الصحافة إلى منازل "السلطة الأولى" ولا في قصور الفهم للمصطلح أو غض الطرف عنه ، ولكن أن تنقلب موازين الفهم الديمقراطي في بلادنا ، وتصبح السلطة هي التي تلح في حاجتها لقيم الديمقراطية، في الوقت الذي يتجاهل المثقفون في بلادنا، وطلائع المجتمع حقوقهم وحرياتهم. وهي ظاهرة تجري على غير اتفاق مع ما يحدث في العالم المتحول إلى خيارات البناء الديمقراطي.
فقد تعودنا أن يخرج الإعلاميون في أوروبا وغيرها بمسيرات احتجاج ومظاهرات يطالبون فيها الدولة بمزيد من الصلاحيات وحريات الرأي، بينما – في بلادنا- يصبح رئيس الدولة هو من يطالب الإعلاميين بالانتقال إلى مزيد من الأدوار والمشاركات في تحديد معالم المستقبل الوطني اليمني، ورسم آفاق ما يتطلع إليه كل فرد من أبناء المجتمع.. ولا نظن ذلك إلا رهان رئاسي على الوعي والثقافة ومحاور ارتباطاتهما بعجلة التنمية والتحديث والتطور.
ربما جرت العادة على أن يمارس الإعلام حرفة نقد السلطة والادعاء على مؤسسات الدولة بالقصور أو الفساد أو ما شابه، لكن يجدر بنا اليوم – كصحافيين- أن نوجه نقدنا لأنفسنا أولاً، وأن نراجع كل ما نحن عليه من واقع ممارسة مسئولياتنا. فإن قليل من التأمل في نتاجات صحفنا ووسائلنا المختلفة كفيل بالكشف عن عيوب أدائنا، وكفيل بمواجهة الكثير منا بحققية كم أنهم كانوا استعراضييين، ويدورون مع الأغلفة التي تقصيهم عن حاجة الفرد إلى من يعلمه، ويثقفه، وينقي سرائره، ويشذب سلوكه وعاداته ومفردات حياته اليومية.
لا شك أن دور الصحافي موازٍ لدور "السلطة الأولى" .. فليس العبرة في أن تقوم الدولة بحملة نظافة بيئية – على سبيل المثال- وتملأ الطرقات بعمال وسيارات وبراميل النظافة دون أن يوازيها الإعلام بحملة توعوية مماثلة لشرح أهمية ما يحدث، لرفع قدرة التجاوب عند عامة الناس، فأهمية كل مشروع أو مؤسسة تكاد تنعدم بغياب التثقيف الإيجابي بها.. ربما حتى الديمقراطية والحقوق الإنسانية تصبح غير قيمة إذا لم يجد الفرد من يفتح مدراكه على أدواتها، وأساليبها، وأنماطها، والكيفية التي يستفيد من تبني خياراتها – سواء على صعيد أسري أم شعبي عام.
ومن المؤكد أن ينجر القياس نفسه حتى على محاربة الفساد، وتطهير المجتمع من المفسدين.
واعتقد أن هناك ضرورة ملحة لصحافتنا وهي أن عليها التسليم بالواقع اليمني وعدم القفز على ظروفه ومواريثه لمجرد أن يكون ذلك الأسلوب الصحفي هو المعمول به لدى هذا البلد أو ذلك.
فاليمن مازالت في تجاربها الديمقراطية الأولى، وفي بدايات مسارات العصر التنموية والتحديثية ومواردها الطبيعية محدودة جداً قياساً على ما نتطلع إليه من تغيير وتطور.. أننا لا ينبغي أن نكون سلبيين وغير مبالين على الدوام لحاجات الفرد الأساسية، ولا أن نعطي الأولوية لمصالحنا الذاتية "فردية أم حزبية" ونكرس هممنا للنيل من بعضنا البعض، وانتقاد الصحيفة لأختها، والفرد لأخيه بقدر ما هو مطلوب من دور قيادي لفكر الفرد وثقافة المجمع وسلوكه وأسباب نمائه – فضلاً عن- سمعته والصور التي يجب أن ننقلها لعالم اقترب فعلاً من أن يصبح قرية صغيرة.
لا أظن فخامة الأخ رئيس الجمهورية أراد من تكريمه الرفيع للصحافيين برفعهم إلى مصاف "السلطة الأولى" إلا معنى جسامة المسئوليات المناطة بهذه الشريحة الواعية من أبناء المجتمع.. ولا شك أن من حق المخلصين الشرفاء من الصحافيين أن يتوسموا بالتكريم الرئاسي وينسبوا أنفسهم إلى "السلطة الأولى".
|