سباستيان روتيلا * -
ورطة بريطانيا مع أبي قتادة
أدين أبو قتادة في الأردن، وتمت مقاضاته في إسبانيا، وألقي القبض عليه في بريطانيا واتهم بمناصرة فكر تنظيم «القاعدة» في أوروبا.
يسميه المحققون الغربيون الأب الروحي لـ«لندنستان»، وهو الاسم الذي يطلق على المجتمع المتطرف متعدد الأعراق الذي ظهر في لندن في التسعينات. وهناك مزاعم بأن خطب الشيخ أبي قتادة كان لها أثر على أبي مصعب الزرقاوي، الذي كان قائدا لتنظيم القاعدة في العراق حتى مقتله عام 2006؛ وعلى الانتحاريين الذين قاموا بعملية تفجير القطار في مدريد عام 2004؛ ومختطفي الطائرتين اللتين ضربتا الولايات المتحدة في 11 سبتمبر عام 2001.
ولكن سرعان ما سيتم الإفراج عن الشيخ الأردني ذي اللحية الطويلة، والبالغ من العمر 48 عاما، بكفالة من سجن مشدد الحراسة بالقرب من لندن. وكانت دائرة الهجرة قد أمرت بالإفراج عنه بعد أن رفضت محكمة الاستئناف ترحيله إلى الأردن.
وبعد مرور سبعة أعوام على اعتباره ممثلا عن لندنستان، ما زال المسؤولون عن مكافحة الإرهاب لا يعرفون كيفية التعامل معه. وصرح مسؤول بريطاني رفيع المستوى في مكافحة الإرهاب في لقاء معه بأن المحققين يحاولون تحويل المعلومات الاستخباراتية حول أنشطته إلى أدلة ادعاء، وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الموضوع: «إنه (أبو قتادة) رمز لمشكلة الإيديولوجية».
وقد أفاد المدعي العام في مكافحة الإرهاب ستيفانو دامبروسو بأن الكثير من الدول الأوروبية يفتقد إلى قوانين صارمة تجاه التحريض والتجنيد، ويقول: «إنه من الصعب إيجاد الصلة التي تربط بين ما يقال والأفعال التي يرتكبها الآخرون».
ويتهم المحامون المكلفون بالدفاع عن أبي قتادة الحكومة بالتعدي على حقوقه وسط حملة لتجريم النشاط الديني واعتقال غير محدود للمشتبه بهم من الأجانب. ووصفت محاميته اللقب الذي تطلقه وسائل الإعلام عليه كزعيم روحي للقاعدة في أوروبا بأنه لا معنى له، كما أنها تحدت جهات إنفاذ القانون بمحاكمته.
وبدلا من ذلك، اتبعت السلطات استراتيجية إرساله إلى الأردن لتتم محاكمته. وعقد الدبلوماسيون البريطانيون اتفاقا بحيث يوافق الأردنيون على السماح لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة بأن تراقب طريقة معاملته أثناء فترة إعادة محاكمته بتهم تتعلق بهجمة إرهابية وخطة تفجيرية تم إحباطها في الأردن، وقد أدين فيها غيابيا هناك.
وعلى الرغم من ذلك، حكمت محكمة الاستئناف في الشهر الماضي بأن المسؤولين البريطانيين لا يمكنهم ضمان سلامة أبي قتادة أو منع استخدام الدليل الأردني الذي تم الحصول عليه بواسطة التعذيب. وكان ذلك هو آخر انتصار حققه في ظل النظام القضائي، وفي أوائل عام 2005، أفرج عنه بعد أن أمضى ثلاثة أعوام في السجن عندما ألغى مجلس اللوردات، وهو أعلى جهة استئناف في بريطانيا، قانون مكافحة الإرهاب الذي وضع خصيصا لاعتقال أبي قتادة. وقد ألقي القبض عليه مجددا حتى تتم إجراءات الترحيل. من جهة أخرى، قال اسلاميون في لندن ان ابي قتادة سيخرج من السجن في غضون 10 ايام، وسيخضع لقيود الاقامة الجبرية. وتنتقد محامية أبي قتادة، غاريث بيرس، وآخرون برنامج ترحيل المسلحين الأجانب المتهمين من أجل محاكمتهم في بلادهم الأصلية التي تعاني من سوء أوضاع حقوق الإنسان مثل الأردن وليبيا والجزائر. كما يدعون أنه أسيء معاملة اثنين من الجزائريين بعد ترحيلهما، مما يجعل النقد البريطاني لمعتقل غوانتانامو الأميركي في كوبا ضربا من النفاق.
وقد كتبت بيرس في مجلة «London Review of Books» أن الحكومة تخطت الحدود القانونية التي تضمنتها الاتفاقيات المحلية والدولية بشكل غير جائز. وقالت أيضا إن التدابير الصارمة لمكافحة الإرهاب حولت المسلمين في بريطانيا إلى «مجتمع مشتبه به، مما يزيد اقتناعهم بأن هناك محاولات لمحو آرائهم وهويتهم والكثير من مبادئ دينهم الأساسية».
وأعربت وزيرة الداخلية جاكي سميث عن «شدة خيبة أملها» بشأن قرار الإفراج عن أبي قتادة. وتعهدت بمتابعة إجراءات ترحيله «واتخاذ كل الخطوات اللازمة لحماية المواطنين».
وعلى الرغم من عدم تفاؤل المسؤولين البريطانيين فيما يتعلق باستئناف قضية الترحيل، إلا أن الادعاء الإسباني أقل تفاؤلا تجاه قضيته المتوقفة. وقد أدان القاضي الإسباني بالتاسار غارتسون أبا قتادة في أواخر عام 2001 مع عدة عشرات من مسلحي القاعدة في إسبانيا. وقد أدين معظم المشتبه بهم في إسبانيا بتهمة ممارسة النشاط الإرهابي عام 2005، على الرغم من تبرئة العديد من الأفراد من تهمة المساعدة في عمليات 11 سبتمبر. وتوجه إلى أبي قتادة اتهامات بالعمل مع زعيم خلية مدريد المدان، وهو سوري الجنسية ويعرف باسم أبي الدحداح، في تقديم الدعم والأموال إلى مسلحي القاعدة في أوروبا والشرق الأوسط وأفغانستان.
وانتقد غارتسون بريطانيا لعدم تطبيق الأمر الذي أصدره بالقبض على أبي قتادة، كما صرح غارتسون في حديث له بقوله: «لو أرسلوه إليّ عندما طلبت منهم ذلك، لكنت حكمت عليه بالسجن 15 عاما مثل أبي الدحداح».
ويقول المسؤولون البريطانيون إن إرسال أبي قتادة إلى إسبانيا فيه مجازفة بفقدان السيطرة عليه إذا فشل الادعاء، ويقول محققون أوروبيون إن هناك صعوبات أخرى تواجه جهات إنفاذ القانون إذا ما أحالت أبا قتادة إلى المحكمة لأنه قد تعاون مع الاستخبارات البريطانية.
واسم أبي قتادة الحقيقي هو عمر محمود عثمان، وقد ولد في بيت لحم عام 1960، ثم انتقل إلى الأردن، وجاء إلى بريطانيا عام 1993 وحصل على حق اللجوء السياسي مثل الكثيرين من الأصوليين.
واشتهر أبو قتادة بكتاباته وخطبه التي تبرر الجهاد لمنظمات مثل الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والتي رأس تحرير مجلتها في لندن في التسعينات. وقد وصفه المحققون في أوروبا بـ«واضع نظرية الجهاد»، كما جاء في تقرير الاستخبارات الفرنسية عام 2000، وبأنه على اتصال بكبار رجال القاعدة وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكنه ينفي الادعاءات بصلته بالعنف الإرهابي. وسيتسبب الإفراج عن أبي قتادة في حرج بمجال العلاقات العامة، ولكن يؤكد المسؤولون البريطانيون أن تأثيره سيكون محدودا، فسوف تراقبه الشرطة عن قرب؛ وسيخضع لحظر تجول لمدة 22 ساعة يوميا وحظر على استخدام الإنترنت والاتصال بالنشطاء. وعلاوة على ذلك، فقد حدث الكثير من التطورات في عالم المتطرفين خلال سنوات حبسه، حيث وضعت القوانين الجديدة والمراقبة المشددة علماء الدين المثيرين للقلاقل تحت ضغط كبير، ومن ثم أصبح المسلحون يفضلون بث أفكارهم المتطرفة عبر الإنترنت وفي مجموعات صغيرة في المنازل أو صالات الألعاب الرياضية أو أماكن أخرى للتجمعات.
وصرح مسؤول رفيع المستوى في مكافحة الإرهاب بقوله: «لم يعد علماء الدين يثقون في الإفلات من العقوبة لأن البيئة حولهم أصبحت أكثر عدائية. يوجد الآن تحول في حركة التطرف، فلم يعد هناك تطرف في المساجد... فالتحدي الآن ليس هناك».
* خدمة «لوس انجيليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»