د/عبدالقادر مغلس- -
أسئلة المستقبل!
رغم أن الشورى متأصلة في نفوس اليمنيين وتعتبر مكسباً ومنجزاً حضارياً في تأريخ بلادنا كما أثبت ذلك القرآن الكريم،إلا أن المُشكل هو أن البعض منا ما يزال يتعامل مع هذه القيمة الحضارية الجميلة بأنانية مفرطة وحب شديد للذات. وبعض القادة الحزبيين الكبار الذين يمارسون العمل السياسي بالطول والعرض في الساحة منذ زمن طويل ربما لا يعلم بأن الديمقراطية،أحياناً،قد تكون ضد (الرغبات). فالاحتكام والقبول بنتيجة صندوق الاقتراع يتطلب وعيا ًرفيعاً وثقافة راسخة بهذه الممارسة وقناعة تامة بالنتيجة التي سيفرزها الصندوق. وتأتي النتيجة عادة كما يقول أساتذة الدعاية الانتخابية لصالح المرشح القريب من الناس،وليس بالضرورة أن يكون محقق منجزات ومكاسب للمناطق التي يعيشون فيها. ورأينا كيف تهاوى سابقا اصحاب شهادات عليا واصحاب اموال واصحاب مشاريع تنموية امام مرشحين محدودي الثقافة وبسطاء.
* لقد تفاعل جميع اليمنيين دون استثناء ومن مختلف الاحزاب والتنظيمات السياسية والمستقلين مع عملية انتخابات المحافظين التي تمت في بلادنا قبل أيام . وكلٌ احتفى بها على طريقته الخاصة. وبالنسبة لأحزاب المعارضة أو المستقلين الذين يقفون موقفاً رافضاً لسياسات الحزب الحاكم فالبعض سجل موقفاً مؤيداً وواضحاً لهذه التجربة في المنابر وأمام الناس ومن خلال الصحف دون خجل أو تردد وذلك شعوراً منه بأهمية هذه العملية في منظومة التجربة الديمقراطية الناشئة التي تعيشها بلادنا،والبعض الآخر سجل موقفاً على طريقة (شقولك بس لتقولش)،وهذه خصوصية يمنية نعرفها جيداً لأن مبادئ (شيطنة) العمل السياسي في بلادنا تتطلب تسجيل موقف ضد الآخر حتى وإن كان هذا الموقف لا يخدم مصالح البلاد والعباد.
* إن عملية انتخابات المحافظين أثارت ردود أفعال كثيرة داخلياً وخارجياً،ورافقتها ايضاً العديد من الاسئلة المرتبطة بالدور الذي ستشارك به هذه التجربة في بناء دولة المؤسسات،إضافة الى نتائج التجربة الجديدة وتأثيرها على قضايا التنمية الشاملة بمفهومها الواسع. أما بالنسبة لبناء الدولة،وبحكم أننا ارتضينا الديمقراطية خياراً وحيداً للتداول السلمي للسلطة،فإن الباب قد انفتح على مصراعيه لتعبر من خلاله القوى والأحزاب السياسية المتطلعة للوصول بطريقة ديمقراطية ذات يوم الى هذا الموقع الحيوي الهام والاكثر التصاقا بالناس وقضاياهم. وهذا امر متوقع وغير مستبعد في الدول الديمقراطية. وقد نرى حزبا معارضا في المستقبل،ان شاء الله،يمتلك برنامجه السياسي الخاص ولديه رؤية تحدد اسلوبه في ادارة شؤن الناس وقضاياهم صانعا للقرار في هذه المحافظة او تلك.
* والسؤال الذي يطرحه بعض الناس: اين سيكون موقع هذا الحزب الذي استفرد بحكم اية محافظة من منظومة بنيان وكيان الدولة؟ واين التخوم والخطوط الحمراء التي لا يجب عليه تجاوزها إذا حالفه الحظ يوما ما ووصل الى كرسي القرار في اية محافظة من محافظات البلاد؟ وهل اصبح بعد فوزه يمثل حزبه السياسي ام يمثل الدولة التي ينتمي اليها؟ وهل هناك تشريعات تحدد هذه العلاقة بوضوح؟ ان هذه القضية تتطلب من الحريصين على مستقبل البلاد الوقوف على واقع تجربتنا الجديدة بكل صدق وشفافية وحيادية. ونحن بحاجة كذلك إلى معرفة إن كانت هذه التجربة تجربة يمنية خالصة 100 %أم استفدنا في تطبيقها من تجارب بعض البلدان كماهو الشأن مع العديد من الاصلاحات التي نشاهدها في بلادنا من وقت لآخر؟
* إن بعض البلدان المتقدمة التي تمارس تجارب قريبة من تجربتنا الوليدة حددت بوضوح أين تنتهي صلاحيات الحزب الذي يفوز بحكم أية محافظة. وتفرض الدولة وجودها هنالك من خلال تعيين حاكم (Governor) في المحافظة،ويتمتع عادة بصلاحيات عسكرية وامنية،ويصدر بتعيينه قرار من رئيس البلاد. ويظل على الدوام بعيداً عن الصراع السياسي الذي يدور بين الأحزاب في المحافظة،ويقوم فقط بدور المراقب والحكم والمتابع المحايد لسير الأوضاع في المحافظة ولا يتدخل في شؤونها إلا في الحالات الحرجة،فعلى سبيل المثال حين تنفلت الاوضاع الأمنية وتحدث اضطرابات في المحافظة،أوانحراف الحزب الحاكم في تسيير شؤون أبناءالمحافظة،أو أي اختلال كبير تشهده المحافظة ويتطلب تدخلاً لحسمه وإيقاف تداعياته. وقد يتطلب الأمر في بعض الأحيان الدعوة لانتخاب مجلس محلي جديد ومحافظ جديد اذا تطلب الأمر ذلك.
* إن أبرز محاسن وايجابيات هذه التجربة أنها دفعت بوجوه يمنية من عمق المجتمع إلى موقع المسؤول الأول في العديد من المحافظات،ارتبطوا بمعانات الناس،ولم يخلقوا وفي افواههم ملاعق الذهب. والناس تؤمل فيهم خيرا. لأنه لا يفكر بمعاناة الناس الا من ذاقها وادركها وعرفها عن قرب. إن تجربتنا الجديدة تمتلك مقومات النجاح الأكيد. وهي بحاجة الى تقييم وتقويم من وقت لآخر. وعلى المسؤلين عن هذه التجربة اصدار تشريعات لرعايتها وتطويرها وحمايتها من اية تجاوزات او خروقات واختراقات. وهي بحاجة كذلك الى تشريعات لتقويم اعوجاج اي من المحسوبين عليها لتجعل منه انموذجا في الادارة والتعاطي مع قضايا الناس. وهذه التجربة الرائدة تتطلب دعما ومساندة من الحكومة واطلاق الصلاحيات اللازمة التي من شأنها منح هذه التجربة النجاح المتوقع منها. فبعض الوزراء ما يزالون يفكرون بعقلية (الامام) والتسلط والمركزية. وهؤلاء عليهم ادراك دورهم الهام في انجاح هذه العملية. وانا على يقين بان بلادنا تمتلك مقومات نجاح هذه التجربة المتميزة فقيادة البلاد تمتلك ارادة سياسية قوية ولدينا امكانيات وبيئة اجتماعية متفهمة للواقع ومدركة لمجمل التحديات التي يواجهها البلد اضافة الى وعي شعبي متنامي قادر على دعم هذه التجربة والدفاع عنها. وكان الله في عون المخلصين.
*جامعة تعز
*
[email protected]