المؤتمر نت-المحويت-استطلاع سعد الحفاشي - (المؤتمرنت) يكشف ما خفي عن اللقى الأثرية النادرة والمومياوات المكتشفة في محافظة المحويت
لم تعد حادثة المصادفة التي حدثت في العام 1977م –تقريباً- في منطقة شبام الغراس الأثرية الواقعة على الطريق إلى مأرب على بعد حوالي 20 كيلو متراً من صنعاء، والتي عثر خلالها على خمس جثث محنطة في إحدى المقابر الصخرية الموجودة في هذه المنطقة- وهي الحادثة التي أثارت اهتمام العالم بكشفها جانبٍ مهم من تلك الرموز التاريخية عن تاريخ اليمن، والجزيرة العربية بكونها دللت على حقيقة معرفة أهل اليمن قديماً بالتحنيط، وأيضاً قصة ذلك السائح الذي أتى إلى العاصمة صنعاء من المنطقة نفسها، وذلك في أكتوبر 1983، والذي حمله طالب أعمى في قسم التاريخ، والآثار بجامعة صنعاء؛ حيث كشف عن وجود لقى أثرية جديدة في الجبل المجاور للقرية، ووجدوا في اثنين من الكهوف بقايا آدمية، وجثث تالفة ملفوفة بالجلد والكتان، أستدعى من أجلها إسراع البعثات الأثرية، والباحثين عن تلك اللقى الأثرية النادرة المخفية في تلك المنطقة، والتي وجد منها الكثير من القبور، والمدافن.
لم تعد هاتان الحادثتان لوحدهما من حوادث المصادفات العجيبة التي شدت اهتمام الجميع بما كشفته من خبايا تلك الآثار اليمنية القديمة المطمورة تحت الرمال.
عمليات اكتشاف المقابر الصخرية التي وجدت في محافظة المحويت، بدأت في العام 1986م بالعثور على جثة محنطة في إحدى المقابر الصخرية الموجودة في حصن شمسان بالطويلة؛ حيث شاءت الصدفة كذلك أن يتم اكتشاف هذه المقبرة، والتي وجدت بداخلها جثة واحدة محنطة لفتاة وجد في معصمها الأيمن خيط من الحرير منضود بحبات الذرة - أفادت مختبرات الأبحاث التي قامت بإجراء التحاليل اللازمة لعينات أُخذت من تلك الجثة أن تاريخها يعود إلى ما قبل 3200 سنة ق م .
ولما كانت هذه المنطقة التي عثر فيها على هذه الجثة المحنطة ليست من أقدم مناطق اليمن تاريخياً، ولم يكن فيها قبور لملوك يمانيين؛ حيث يفترض أن تكون مقابر الملوك في مأرب، ومعين، فقد أثار هذا الاكتشاف اهتمام الجميع لأنها دللت على أن اليمنيين عرفوا أسرار التحنيط بشكل لا يقل عن المستوى الذي عرفه المصريون، وربما في زمن يسبق بكثير القرن الثالث قبل الميلاد..
اللصوص.. يكشفون الخبايا
في نهاية العام 1998م وبينما كان المهتمون بالآثار، ومنهم المتعطشون لمعرفة رموز الشرق، وخبايا التاريخ الحي لليمن منهمكين في فك، وتحليل تلك الأسرار المكنونة التي كانت تثيرها نتائج الاكتشافات .
في هذه الأثناء، وبينما كان أفول العام 1998م قد أصبح محسوباً في أيام معدودة حدثت المفاجأة غير المتوقعة، وذلك حين تلقت الأجهزة الأمنية بلاغاً من مواطنين في منطقة سارع –جنوباً من مدينة المحويت – مفاده قيام بعض الأشخاص الغرباء، ومعهم مواطن عربي من جنسية غير يمنية يقومون منذ بضعة أيام، وبمساعدة بعض الأشخاص -من أبناء المنطقة- بالعبث والحفر في موقع أثري لحصن قديم بحثاً عن الكنوز الذهبية، أو ما شابه ذلك، ليتبين وفور نزول أفراد الأمن، ومعهم مسئولي الآثار بالمحافظة ،أن من يقومو بتلك الأعمال ليسوا بتلك السذاجة التي كانوا يتوقعونها عنهم في أنهم مجرد أشخاص مغفلين يبحثون عن كنوز ذهبية، أو غيرها، وإنما عصابة لصوص منظمة تستهدف نبش القبور الصخرية الموجودة في كهوف المنطقة، والتي وجدت بعد ذلك، وقد نُبش منها نحو خمسة قبور تم انتزاع عددٍ من الجثث التي كانت موجودة بداخلها، والعبث بعددٍ آخر منها..
تلك الجثث -في الواقع- لم تكن مجرد جثث موتى عادية بل كانت محنطة ثبت بعد عمليات تحليلها أنها تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد..
متحف مطمور
وبالتحري عن نشاط تلك العصابات من اللصوص- والتي شاع انتشارها في ذلك الوقت بشكل اُكتشف أن أعمال، النبش، للمواقع الأثرية، وبالذات المقابر الصخرية قد حدثت في منطقة الذوحمي- ذوحمي هو أحد ملوك حمير- وفي مناطق أخرى توالى الكشف عنها بعد ذلك ووجد أنها تزخر بالكثير من المقابر التي تحتفظ بعشرات المومياوات المحنطة ما دفع الهيئة العامة للآثار، والسلطة المحلية لمحافظة المحويت القيام بتنفيذ عدة إجراءات؛ لحماية ما تزخر به مختلف مناطق، ومديريات هذه المحافظة من مواقع، ومعالم أثرية مختلفة، ومن ذلك الإسراع في إجراء عمليات المسح الميداني الأثري لتوثيق كافة المواقع، والمعالم الأثرية، والتاريخية، الموجودة؛ حيث باشرت اللجان المختصة، والمشكلة من مجموعات من المختصين، والباحثين في مجال الآثار مهامها اعتباراً من ذلك التاريخ، وبشكل منظم لتكشف بعد ذلك الكثير –جداً- من النتائج، والحقائق الهامة، التي أكدت أن محافظة المحويت بكامل مناطقها تشكل متحفاً مهماً يختزن كماً هائلاً من التراث، والمعالم الأثرية الهامة. وكانت خلاصة ما كشفته تلك اللجان حتى نهاية العام 2001- أن أعلنت عن مسح، وتوثيق ما يزيد عن سبعمائة موقع، ومعلم تاريخي، وأثري قديم في هذه المحافظة، بينما المسوحات الميدانية كانت لا تزال متواصلة، وكان من أهم ما أعلنت اللجان عن اكتشافه، وتوثيقه من هذه المواقع، واللقى الأثرية الهامة نحو مئتي مقبرة صخرية موجودة في مديرية المحويت، وشبام كوكبان، والطويلة، وبني سعد، وغيرهما من المناطق الأخرى. وجميع هذه المقابر تحتوي على جثث محنطة يرجع تاريخها الافتراضي إلى عصور ما قبل التاريخ.
غير ان العبث كان طال ذلك المتحف المطمور فقد وجدت لجان الاستكشاف عدداً غير قليل من المقابر- للأسف- وقد تعرضت للنبش، والتخريب، والعبث بها من قبل اللصوص، أو المواطنين أنفسهم ونتيجة لكونها غير مؤهلة لمعالجة تلك الجثث التي وجدتها في بعض المقابر المنبوشة -خاصة، وإن أغلبها كان قد أصابها التلف ؛ بينما البعض منها فقط كانت تجدها، ومازالت محتفظة بشكلها ؛فقد حاولت الاستعانة ببعض الخبراء المختصين الذي ساعدوا على إعادة تلك الجثث إلى مقابرها، وإعادة إغلاق تلك المقابر.
ولعل من أهم ما نبهت إليه تلك اللجان المختصة في تقاريرها الهامة، والعاجلة التي رفعتها إلى الهيئة العامة للآثار، والجهات المعنية أن دعت إلى ضرورة توفير الحماية اللازمة، والحراسات الكافية للحفاظ على باقي المقابر التي لم تطلها أيادي العبث ، والنبش بعد.
تحفظات رسمية
ورغم ما أثير من تفاصيل كثيرة حول هذه الاكتشافات الهامة، واللقى الأثرية النادرة خلال فترة الإعلان عنها، إلا أنه لم تعرف تفاصيل أوفى عن أماكن وجود هذه المقابر بالتحديد، سوى خمس إلى ست مقابر فقط أفصح عن مواقعها. وهذه المقابر ما كانت لتعرف المناطق الموجودة فيها بالتحديد لولا إنها من المقابر التي تعرضت للنبش، والتخريب، ويرجع ذلك إلى وجود تحفظات كبيرة لدى جميع الجهات المعنية، والمختصين في عدم تحديد أسماء هذه المقابر، والمناطق الموجودة فيها حفاظاً عليها من الهتك، والعبث بمقدرات الأمة، ومخزونها من التراث، في حين أن قيادة السلطة المحلية لمحافظة المحويت قد نجحت في فرض السيطرة، والحماية الكاملة لهذه المقابر، وغيرها من المواقع، والمعالم الأثرية الأخرى، وذلك باستخدامها لوسائل حماية ناجحة من خلال المواطنين أنفسهم، وعقال ووجهاء المناطق.
ولعل مما يستدعي الإشارة في هذا الجانب أن معلومات مؤكدة حصلنا عليها في "المؤتمرنت" تؤكد قيام المختصين بدراسة معظم هذه اللقى الأثرية دراسة علمية متخصصة اثبتت أن جميع هذه الجثث هي فعلاً مومياوات محنطة ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ، وأنه قد أخذت عينات منها، وربما عدة نماذج كاملة من تلك المومياوات إلى العديد من مختبرات الأبحاث المتخصصة في هولندا، وأمريكا، وغيرهما، وكذا إلى مختبر الأبحاث المركزي بكلية العلوم بجامعة صنعاء؛ إضافة إلى قيام أحد الباحثين بنقل إحدى الجثث المكتشفة في منطقة حصن شمسان بالطويلة على أساس أن يقوم بدراستها، وتحليلها بعد أن يتم وضعها في تابوت ملائم، ويتم معالجتها من الروائح التي تنبعث من الجلود التي لفت بها ككفن ، ومن ثم يقوم بتسليمها إلى متحف جامعة صنعاء، إلا أن هذا الشخص- وحسب إفادة مصدر مسئول في فرع الهيئة العامة للآثار بالمحافظة- قام باستغلال هذه الجثة للدراسة عليها لنيل شهادة الدكتوراة، ورغم أنه تمكن من نيل هذه الشهادة العلمية، إلا أنه وحتى الآن لم يقم باعادة هذه الجثة إلى جامعة صنعاء؛ حيث يطلب مقابل تسليمه لها تعويضاً قدره ثلاثة آلاف دولار أمريكي.
أما عن الصفات، والهيئات العامة لتلك المقابر، والمومياوات الموجودة بداخلها عموماً، فيمكن الإشارة إلى وصف تلك المقابر الصخرية بأنها- في الأعم- عبارة عن خروق، أو حفريات في الجبال غير منتظمة الشكل، بعضها مربعة، والبعض مستطيلة، وعرضها يصل إلى نحو متر إلى مترين بينما عمقها يمكن أن يصل إلى أكثر من أربعة أمتار، فيما البعض الآخر عبارة عن كهوف، ومغارات طبيعية في الجبال.
بينما عدد الجثث الموجودة في هذه المقابر يتفاوت بحسب حجم المقبرة، وعمقها؛ حيث ينحصر البعض منها على جثة واحدة، أو جثتين، أو ثلاث، والبعض خمس، وأخرى عشر، وأكثر، ومنها ما تحتفظ بأكثر من عشرين جثة.
وعموماً فهيئة الجثث الموجودة في هذه المقابر تكون في الغالب موجودة بشكل جماعي، وملقاة باتجاهات مختلفة، ويجمعها وضع القرفصاء، وذلك بهيئة شبيهة بوضع الجنين في بطن أمه.
وهذه الجثث مكفنة بملابسها الأصلية، وجميعها تكون مكفنة بالجلد المدبوغ، وملفوفة بمادة الكتان لفات عديدة.
إضافة إلى وجود نبات "الرا" والكتان في التجويف البطني لامتصاص سوائل الجسم، والرطوبة، وبعض المواد الأخرى، وخرق الأقمشة التي توجد في البعض منها.
|