المؤتمر نت-نزار العبادي - وفد ديمقراطيي العراق.. وعراقيي الخارج
قد يضطرنا واقع الحال –اليوم- أن نختار بين أن نكون عراقيين، أو نتحول إلى ديمقراطيين، وليس من سبيل للجمع بين الاثنين. فالذين قدموا أنفسهم للعالم ذات يوم كديمقراطيين دخلوا العراق على متون الطائرات الحربية الأمريكية، والبريطانية، ثم اعتلوا مراكز السلطة، وفقاً لمناهج الديمقراطية، التي حملوها معهم إلى العراق من لندن ليجري انتخابهم لمجلس الحكم باقتراع رجالات الـ(C I A)، فكان ثمن هذا أن قايضوا خيارات الديمقراطية بالهوية الوطنية العراقية، والأمجاد الحضارية العريقة.
ففي مساء الخميس الأول التقيت بالأخ عبدالباسط التركي- وزير حقوق الإنسان بمجلس الحكم المؤقت بالعراق- وسألته في صالة التشريفات بمطار صنعاء السؤال التالي:(رغم أن اليمن هي أسبق دول المنطقة إلى الديمقراطية، ورئيسها أول من حث على عدم التخلي عن مجلسكم، ورحب بزيارتكم لبلاده، لكنكم تاخرتم كثيراً.. فأين تضعون اليمن في أولويات علاقاتكم الخارجية؟)، فرفض الجواب معللاً ذلك بأنه ليس من اختصاصاته مناقشه شأن سياسي، مع أنه كان أخبرني قبل ذلك بدقائق أن (الهدف الأول من هذه الزيارة هو إجراء مشاورات مع الحكومة اليمنية).
ربما غفل الأخ الوزير أنه مكلف بمهمة سياسية بحتة، وأن وزير الخارجية والعدل بمجلس الحكم كانا ينتظران الضوء الأخضر منه –وفقاً لانطباعاته الأولية من لقائه المسئولين اليمنيين- ليصلا اليوم التالي (الجمعة 9/1) في الساعة الخامسة عصراً بحسب علمي بذلك.. ويبدو أن حدسي كان صائباً حين توقعت عدم مجيئهما، ولم أذهب للمطار إلاّ بعد ذلك الموعد بساعتين، لأنني احتفظ بتصور خاص لطبيعة ما يجري، ولطبيعة ما يبحث عنه مجلس الحكم في العراق.
إن ديمقراطيّو العراق، ووفدهم إلى اليمن ينسون دائماً أن اليمن تحتضن المعاناة العراقية من قبل أن يقدم أغلبهم طلبات لجوئهم للعواصم الأوربية، والأمريكية، وأن اليمن منذ عام 1991م، وحتى اللحظة تكابد، وتقاسي من أجل رعاية عشرات الآلاف من العراقيين، وأسرهم الذين يلوذون إليها في فترات متفاوتة، فارين بجلودهم، ونسائهم، وأطفالهم من الحصار، والجوع، والمرض، والحروب الدامية، ومن الظلم –أيضاً..
واليمن- رغم هذا كله- لم تشتك لأحد من مجلس الحكم، أو غيره من جفاء ديمقراطيّو العراق، لكننا –نحن العراقيين- من يجب أن يتحدث، ويقذف بالحقيقة بوجه كل من يتجاهل عراقيته. ألم يكن الأحرى بمجلس الحكم الالتفات إلى مستقبل أكبر جالية عراقية في الخارج، وتقديم اليمن في أولويات جولاته الخارجية من قبل أن يطرق أبواب من مارس التجويع، والإذلال بحق العراقيين، ومن أغلق منافذه الحدودية بوجهنا أيام ضاقت بنا أرض العراق؟
كيف لنا أن نفهم القيم التي تتحلى بها الديمقراطية الموعودة، إذا كانت وفود مجلس الحكم تنظر إلى بناء جسورها الخارجية مع اليمن بالعين العوراء، وتسعى إليها بالرجل العرجاء، بينما تجري لاهثة متلهفة إلى طاولات الذين ضربوا واعتقلوا العراقيين لمجرد أنهم حاولوا كسب لقمة العيش بشرف في بعض أسواقهم الشعبية، وبات ختم الجواز بـ(دعارة) يلاحق كل العراقيات الممتنعات عن بيع شرفهن في بلدانهم!؟.
ليس دفاعاً عن اليمن أشحذ قلمي اليوم بوجه ديمقراطيو العراق، والوفد الذي زار اليمن دون أن يوجه أية دعوة للالتقاء بممثلين عن الجالية العراقية التي تقدر بـ(30-35) ألف عراقي ليشرح لهم رسالة ما يسمونه بـ(عراق ما بعد صدام) في الحريات والديمقراطية، وحقوق الإنسان، بل أنني أكتب دفاعاً عن العراقيين المقيمين في اليمن بشكل خاص، والذين تجاهلهم ديمقراطيو العراق بعد أن تاجروا بوطنهم، وصادروا أمن شعبهم، وسلامه، وألغوا كل قوة من شأنها أن تكون رمز سيادته الوطنية.
نحن لسنا ضد الديمقراطية والحريات العامة، بل هي حلمنا منذ صبابتنا، ولا أظن نفسي قد صبرت في اليمن منذ عام 1991م، وحتى اليوم دون العراق إلاّ لأنها تلذذت بطعم الديمقراطية اليمنية، وحرياتها.. لكننا نعارض من لا يبنيها لبنة بعد أخرى، ويريدها دفعة واحدة.. ونعارض من لا يعي كيفية رسم أولوياتها، ومن يتجاهل الآخر، ويقدم أسباب بقائه السلطوي على بقاء أبناء شعبه.
بالأمس كانت تهمتي الوحيدة أنني ديموقراطي متحرر، واليوم سيتهمني البعض بأني عدو الديمقراطية، والحريات.. لكنني آثرت هذه المرة أن أسبق الجميع، وأقول: فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم إن كانت ستوسمني بلقب (ديمقراطي) وتنتزع مني شرف أن أُدعى (ياعراقي).
|