الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:25 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
السبت, 24-يناير-2004
بقلم -سعد الدين إبراهيم -
في فقه التغيير والتطوير... اليمن يسارع إلى حلاقة الرأس

اليمن بلد عربي ساحر لكثير من الغربيين, ولقلة من العرب, الذين زاروه أو أقاموا فيه. فهو ذو حضارة عريقة, وشعب دمث الطباع, وطبيعة جبلية - صحراوية - بحرية متنوعة وخلابة.
وقد ذهبت الحقبة التي كان يتندر فيها عرب الشمال على تخلف عرب الجنوب. بل كان عرب الجنوب أنفسهم في الجزيرة والخليج, يتندرون على جنوب الجنوب, أي "اليمن السعيد". ولكن, منذ الثورة اليمنية العام 1963, واليمن يشهد أحداثاً متتالية, كان بعضها ممعناً في العنف وإراقة الدماء, خلال العقدين التاليين للثورة مباشرة. لكن معظمها في العقدين الأخيرين انطوى على إنجازات مبهرة, ربما كان أهمها توحيد شطري اليمن, واكتشاف الثروة النفطية واستثمارها في تطوير اليمن وتنميته, وسيادة الاستقرار السياسي في البلاد. وأغنى ذلك كله اليمنيين شر سؤال الأشقاء والغرباء, على حد سواء.
ومهما كانت انتقادات بعض اليمنيين والعرب لنظام الرئيس علي عبدالله صالح, إلا أن الجميع يعترف للرجل بالفطنة والكياسة والتواؤم الأسرع مع المتغيرات الإقليمية والعالمية. فقد جنَّب الرجل اليمن المخاطر والتداعيات السلبية لأربع حروب إحداها في اليمن نفسه (بين الشمال والجنوب), وثلاث في منطقة الخليج: العراق مع إيران (1980 - 1988) والعراق في الكويت ومع تحالف دولي (1990-1991), والعراق مع تحالف غربي قادته الولايات المتحدة (2003). وكان الرئيس اليمني هو الأسبق إلى التجاوب مع تداعيات مـع مـا بعـد الحرب الباردة, ومع ما بعد أحـداث 11 أيـلول (سبتمبـر) 2001. من ذلك أنـه رأى ريـاح الموجة الديموقراطية الثالثة تجتاح العالم منذ انقلاب البرتغال في سبعينات القرن الماضي, وتوقفها عند الشواطئ العربية. فقد تمترس زملاؤه من الحكام العرب خلف أسوارهم الاستبدادية, رافضين, حتى "رمزيات" المشاركة في السلطة مع قوى المعارضة. خالف علي عبدالله صالح سرب المستبدين العرب, منذ العام1990, وأجرى تعديلات دستورية سمحت بمزيد من التعددية الحزبية.
وليس لدينا أوهام حول التجربة اليمنية في الديموقراطية. فعلى رغم أنها واعدة, إلا أنها لم ترق بعد إلى مصاف الديموقراطيات الناضجة أو المكتملة. وما تنويهنا هنا بالتجربة إلا بقصد الإشادة بما تم على تواضعه, لأنه الأكثر انطلاقاً, والأكثر مبادرة.
من ذلك أن اليمن استضاف أخيراً مؤتمراً حافلاً, حول "حقوق الإنسان, والديموقراطية والمحكمة الجنائية الدولية" خلال الفترة من 10 إلى 12 كانون الثاني (يناير) 2004, وشاركت في تنظيم المؤتمر والدعوة إليه أطراف دولية عدة, منها: منظمة "لا سلام بلا عدالة" التي تترأسها عضوة البرلمان الأوروبي الناشطة العالمية "إيما بنينو", والمفوضية الأوروبية, والأمم المتحدة. وشاركت في أعمال المؤتمر حكومات أوروبية وعربية, وعشرات الأحزاب والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني من أكثر من أربعين بلداً.
سلط المؤتمر الضوء على أهمية المحكمة الجنائية الدولية, وهي آخر منظمة في منظومة المؤسسات الدولية, إذ تم إنشاؤها العام 2002. وتختص بالتتبع والتحقيق في ما يقدم اليها من شكاوى ضد الحكومات ومسؤوليها في ما يتعلق بمخالفات أو انتهاكات حقوق الإنسان أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية, ومحاكمة من ثبت جدية الاتهامات الموجهة اليهم. من هنا جاء عنوان المؤتمر وهدفه الذي ربط بين المحكمة وحقوق الإنسان... فماذا عن الديموقراطية؟
يجمع المراقبون ودعاة الديموقراطية وناشطو حقوق الإنسان على أن البلدان الأكثر ديموقراطية هي الأقل انتهاكاً لحقوق الإنسان أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية, مثل القتل الجماعي والتطهير العرقي وتشريد الناس من أراضيهم وأوطانهم. وعلى رغم أن ثلاثة عشر بلداً عربياً وقّعت على المعاهدة الخاصة بإنشاء المحكمة, إلا أن بلدين فقط هما اللذان صدّقا عليها إلى تاريخه, نعني الاردن وجيبوتي.
من المؤسف والطريف أن الولايات المتحدة نفسها لم توقع على اتفاقية المحكمة, توجساً من تعرض جنودها في الخارج للملاحقة والمحاكمة على انتهاكات حقوق إنسانية. هذا مفهوم, وإن كان لا تبرير له من دولة عظمى تدعي أنها راعية وداعية الى الديموقراطية في كل مكان.
لكن الأكثر أسفاً والأشد طرافة, والذي لا يوجد له مبرر علني على الإطلاق, هو عدم توقيع ثماني دول عربية على الاتفاقية, وامتناع أو تلكؤ إحدى عشرة دولة من التي وقّعت في التصديق. وبذلك أضاعت على نفسها فرصة ترشيح قضاة من ابنائها للجلوس على منصة المحكمة. والسبب الأكثر احتمالاً هو توجس قيادات في هذه الدول من الملاحقة والمحاكمة على ما ارتكبوه من جرائم ضد أبناء شعوبهم أو ضد شعوب أخرى مجاورة!
حضر المؤتمر أكثر من ثمانمئة مشارك. وكان اللافت مشاركة وفد عراقي كبير, سواء من المسؤولين في الحكومة الموقتة أو منظمات المجتمع المدني العراقية. وكان احتفاء الجميع بهم من القلب, فقد افتقدت المنتديات والتجمعات العربية مشاركة الأشقاء العراقيين الأحرار لسنوات طويلة. ولام المشاركون العراقيون الأشقاء العرب الذين تركوهم وحدهم تحـت رحمة من لا يرحم, صدام حسين, الذي جعل حاكماً دموياً مثل الحجاج بن يوسف الثقفي, يتضاءل إلى جانبه مثل طفل يحبو.
أما ما لن ينساه الكثيرون, فقد جاء ضمن خطاب الرئيس علي عبدالله صالح, الذي افتتح المؤتمر واختتمه بنفسه. كانت العبارة الأولى هي "أنه لم يعد في العالم, وبالقطع في الوطن العربي, مكان للديكتاتوريات". أما العبارة الثانية فهي أنه "إذا لم يبادر الحكام العرب الى حلق رؤوسهم من تلقاء أنفسهم, فإن آخرين سيحلقون هذه الرؤوس على رغم أنوفهم".
طرافة العبارة الأولى هـي أن كثيرين يعتقدون أن الرئيس اليمني نفسه هو إحدى هذه القيادات الديكتاتورية. ومن الواضح إما انه لا يشاركهم هذا الاعتقاد, أو أنه ينوي أن يزيل عن نفسه هذه الصفة في أقرب وقت. وربما استخدم المناسبة للتبشير بما هو مقبل عليه. أما طرافة العبارة الثانية حول "حلق الرؤوس, اختياراً أو إجباراً", فلأنها الأكثر بلاغة. ولم تكن مصادفة أنني حينما استخدمت عبارة مماثلة في معناها منذ ستة شهور ("الحياة" 13/8/2003) "إن لم يكن التغيير في يدنا, فستمتد يد عمرو لتقوم بالتغيير", قامت دنيا الكثير من المثقفين العرب ولم تقعد. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
هنيئاً لليمن بهذا المؤتمر الناجح, وهنيئاً للرئيس اليمني علي عبدالله صالح بتبشيره بمزيد من الديموقراطية في اليمن, وندعو الله أن يقوم هو, بنفسه, بحلاقة رأسه.
v كاتب مصري. مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.
v نقلاً عن الحياة اللندنية





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر