المؤتمر نت : التقاه : نبيل الاسيدي - لن أكون مذيعاً نخبوياً وأجد نفسي في حوار يحترم العقل
o الجمهور لا يحترم مذيعاً يحوله إلى حقل تجارب، وقضاياه تهمنى .
o برنامجي "المعارض في الأعلام الرسمي" والوسيلة تصنع النجوم .
o لاعزاء لإعلام سلحفاوي، وجامعاتنا تخرج كتبه ونساخين .
بحجم الإثارة وردود الفعل يمتلك المذيع البارز "عارف الصرمي" ثروة معلوماتية ومهنية إبداعية يترجمها بتناغمه مع ميكرفون إذاعة صنعاء، ويبرزها في برنامجه الساخن قضية في حوار. وعلى مدى خمسة وأربعين دقيقة –أسبوعياً- تكون قضايا الساعة المختلفة على صفيح ساخن يثيرها مقدم البرنامج المحاور مع نخبة من الوجوه السياسية والاقتصادية والثقافية اليمنية والعربية
المذيع "الصرمي" إضافة إلى كونه محاوراً ملماً بكل تفاصيل قضاياه لا ينسى أن يقدم العديد من البرامج الإخبارية، وهو أيضاً رئيس قسم البرامج السياسية والإخبارية بإذاعة اليمن الأولى . لكن المحاور الساخن سيكون هذه المرة هو ضيف الحوار الساخن في "المؤتمر نت" متطرقاً فيها إلى المشهد الإعلامي الرسمي، ويقدم فلسفة إمكانية حلحلته من دوائر اللون الرمادي. موضحاً قراءاته لواقع الإعلام العربي المسموع والمرئي، وبواقعية لم يخف شعوره بالمرارة هو يفسر الأسباب التي قدمت نجوم برامج الحوار العربي التي ليست متوفرة في الأعلام العربي الرسمي، إضافة إلى مناقشة العديد من قضايا ساخنة .
§ لنبدأ من برنامجك الأسبوعي "قضية في حوار" هل وجدت نفسك في تلك القضايا: حواراً، وإبداعاً واستحداث الأجد ؟
- أستطيع القول بأني أجد نفسي تماماً في برامج الحوار الساخنة والمثيرة على أكثر من صعيد فكري وسياسي وثقافي واجتماعي .. ما دامت هذه القضايا تتسم بالعمق وضيوفها الذين أحرص أن يكونوا وثيقي الصلة بموضوعاتها أو المعنيين المباشرين بها. وبالتالي يخرج المستمع الكريم بحصيلة معلوماتية وقراءة متعمقة للقضية أو الموضوع المثار مع ضيفين أو ثلاثة غالباً ـ وعموماً المذيع المحاور هو الذي يمتلك لغة الحوار ومفردات الموضوع وهو ممنهج التفكير وحاضر الرؤية بالضرورة سيجد نفسه في هذا النوع المهم جداً من البرامج التي تحترم العقل، ويبقى هذا تقديري فيما أنتظر تقييمي من الجمهور وهو ما أحترمه وأضع له كل اعتبار .
§ مساحة الحرية .. كيف تتعامل معها في برنامجك؟ وهل من قضايا تضيق فيها هذه المساحة إلى درجة الانعدام ؟
- مساحة الحرية في برنامجي تبدوا أكثر مساحة متاحة للرأى في الإعلام اليمني الرسمي بشهادة كثيرين من النخب والمهتمين لدرجة أن كثيرين هنا وصفوا برنامجي "بأنه البرنامج المعارض في الإعلام الرسمي" وهم بهذا يشيرون إلى مساحة الحرية المتاحة حيث أن مختلف قيادات الأحزاب السياسية المعارضة وألوان الطيف الفكري والثقافي في اليمن شاركوا في البرنامج مع قيادات من الدولة والحكومة والحزب الحاكم وطرحوا آراء غاية في الجرأة ونشرتها بعض الصحف المعارضة نقلاً عن الإذاعة بعد ذلك وحتى على مستوى القضايا العربية والدولية، فالعديد بل الكثير من المفكرين والسياسيين والصحفيين العرب والمقيمين في الغرب شاركوا معي في قضايا ساخنة وجريئة كتقييم القمم العربية وما يتمخض عنها، والحريات الفكرية في العالم العربي وواقع النظام العربي الرسمي ، وحتى تداعيات ما بعد أحداث الـ11 من سبتمبر وقضايا الإرهاب وغيرها الكثير .
لكن أيضاً من الإنصاف الاعتراف بأنني أعمل في مؤسسة إعلامية رسمية "هي إذاعة صنعاء" ولها سياسة دولة .. ينبغي الالتزام بها وهذا ما قد يوسع مساحة الحرية في مرحلة معينة قد تتضاءل عنها قليلاً في مرحلة لاحقة .. لكنها لا تلغيها ولا تؤثر على سقف المصداقية واحترام عقول الناس وقبل ذلك احترامي لنفسي ومهنتي .. وأعتقد أنني أقوم بذلك .
§ القضايا التي يثيرها البرنامج، قضايا النخب، والمتفاعلين معها محصورين في تلك النخب .. فماذا عن المستمع الأكثر عامية والأقل تعليماً، والمهموم بقضايا أخرى غير قضايا النخبة ؟
- صحيح أن غالبية القضايا التي أثيرها تهم النخب بدرجة أساسية لأنهم في الغالب الفاعلين في الساحة ،لكن برنامجي ليس نخبوياً صرفاً فأنا لست برنامجاً متخصصاً في السياسة أو الثقافة والفكر.. وأنا لست خبيراً متخصصاً في برنامجي. فموضوعاتي متنوعة وفي كل اتجاه يهم الرأي العام وعموم الناس كما يهم النخب والمعنيين ولذلك تجد لي قضية سياسية ساخنة عن واقع أحزاب المعارضة السياسية في اليمن مع قيادة هذه الأحزاب ثم أتبعها بحلقة عن واقع الصحفية والكاتبة اليمنية وبعدها حلقة عن الوضع الصحي في اليمن ثم حلقة عن الأمية والتعليم في اليمن بعدها حلقة عن تداعيات المشهد العربي ومستقبله وهكذا ولا أزال .
وهذا جهدي الذي أحاول تطويره وبهذا لن أكون مذيعاً نخبوياً في برج عاجى معزول عن هموم المواطن البسيط لإيماني بأهمية تكثيف قضايا المواطن العادي. لكن عليَّ ألا أكرر موضوعات أخرى في برنامج الزملاء.
§ ألا تشعر أن البرامج الحوارية اختزلتك دون غيرها من البرامج ذات الاهتمامات المختلفة ؟
- لا طبعاً.. عملي في البرنامج الحواري لم يختزلني فأنا إلى جانب البرنامج مذيع إخباري وبرامجي أيضاً وقدمت العديد من البرامج قبل هذا. منها التحقيق الإذاعي والنزول الميداني وغيره لكن أجد نفسي إلى حد بعيد في البرامج الإخبارية الحوارية والجميع بات يرى أن برامج الحوار التي تحترم العقل هي أهم ما تمخض عنها الإعلام في نهايات القرن الـ20 وحتى اليوم- خاصة البرامج التي تشرح المواضيع عبر حشد من نجوم السياسة والفكر والصحافة والاختصاص يكونون ضيوف هذه البرامج وبقدر الإعداد واحتراف إدارة الحوار وحياد المذيع، يكون احترام الجمهور الذي صار قادراً على التمييز بين الغث والسمين ولم يعد يحتمل أن يرى مذيعاً أو صحفياً يحوله إلى حقل تجارب للتمرين أو التضليل وهو للأسف ما بات ملحوظاً أن نرى معظم المشاهدين أو المستمعين أو حتى عموم القراء أكثر ثقافة من المذيع والصحفي الذي يفترض فيه قائد رأي يملك الفكرة ويحترف في طريقة عرضها وتقديمها للجمهور المحترم الذي يمتلك سيلاً من البدائل المسموعة والمشاهدة والمقروءة إذا لم يجد من يحترم عقله واهتمامه وهو طبعاً صاحب سلطة الاختيار .
§ ردود الفعل الناجمة عن قضاياك الساخنة ألا تشكل لك حرجاً معيناً مع بعض الفئات الاجتماعية والسياسية والرسمية ؟ وماذا عن ردود فعل المستمع العادي ؟
- يا سيدي .. ردود الفعل حين تأتي من أي نافذة فهي دليل على النجاح وهي صدى يصلك عن جهدك- هذا أولاً - أما سخونة بعض المواضيع المثارة وجرأة ضيوفها حين يثير ذلك حساسية من أي نوع فهو مبرر في ساحة الرأي والرأي الآخر. وحين يتم النقاش حول لماذا قيل كذا وكذا وكان الأجدر تجاوز ذلك في المونتاج مثلاً يكون كل ذلك على أرضية المصلحة العامة وهل ذلك يخدم أكثر أم يضر ولماذا نكون أحياناً ملكيين أكثر من الملك وما إلى ذلك .. لكن كل ذلك يقبل الأخذ والرد وغالباً تمضي الأمور إلى الأحسن مع بعض ما قد يكون عكس ذلك .
أما ردود المستمع العادي .. فصدقني إنني دائماً ما تغمرني الفرحة حينما أجد مثلاً عدداً من الناس لا يعرفونني ويتحدثون عن البرنامج ومذيعه بطريقة تدعو للاعتزاز رغم أنهم لا يعرفون أنني هو المذيع الذي يتحدثون عنه لأنهم لم يروني فقط يسمعوني مثل جمهور "الباص" الذي استقله دائماً .
§ المشهد الإذاعي اليمني لا يبدو مشهداً مبشراً بمستقبلٍ مؤثر في الحراك المجتمعي المحلي والخارجي، هذا إذا ما نُظر إليه بمعيار التخلف عن قرنائه العرب.. فكيف تراه أنت وتستشرف مستقبله ؟.
- ينبغي الاعتراف أن عصر الفضائيات والإنترنت قد خطف الأضواء على الإذاعات العالمية وليس فقط المحلية أو الوطنية .. لكن تبقى العديد من الخصوصيات لا تزال تمتلكها الإذاعات. ولعل بلدنا اليمن يساعد على ذلك حيث أن جمهور الإذاعة لا يزال كبيراً .
وأظن أن قدرة الإذاعة والمذيع المحترف على أن يظل موجوداً وليس نكرةً في المشهد هو في المواكبة للحدث ومصداقية تشد الجمهور وإلا سيظل يحرث المذيع في البحر ويؤذن في مالطا. وأعتقد أن الإذاعة في بلادنا اليمن لا تزال تمتلك القدرة على التأثير. فقط إذا التزمت تحديات تطور المهنة وإلا فبالتأكيد أن الجمهور كغيره يمتلك البديل وهو بظني ما ينطبق على الإعلام العربي الرسمي بأكمله يستوي في ذلك الإذاعة والتلفزيون ، فلا عزاء لأي إعلام سلحفاوي بطيء الحركة في زمن كسر جمود اللحظة وامتطى صهوة الفضاء ليعود دون إذن إلى غرفة النوم .
§ ما الذي جعل المذيع اليمني شبه غائب في المشهد الإعلامي اليمني بانحصاره في إلقاء ما يكتب له فقط؟ فيما هو غائب تماماً على المستوى العربي ؟ لماذا برأيك ؟
- غياب المذيع عن المشهد الإعلامي لبلده بالتأكيد يعود لقدراته بدرجة أساسية .. وهناك بعد ذلك المساحة التي أتيح له فيها أن يظهر من عدمه ليتم تقييم مدى حضوره.فضلاً عن نوعية ما ظهر به من برنامج وهل هي قادرة على جعله حاضراً في المشهد أم "كمبارس" فقط؟ أما غياب المذيع اليمني عن المشهد الإعلامي العربي ، فأعتقد أنه ليس وحده إنما المذيع في أكثر من إذاعة وتلفزيون عربي رسمي هو يشبه المذيع اليمني في هذا المستوى من تواضع الحضور والنجومية على المستوى العربي ـ لكن طبعاً ليس تواضعاً في الكفاءة أو القدرة والحرفية ـ وأعتقد أن المبدع سيظهر ويُعرف لكن ليس بقدراته فقط حتى ولو كان محترفاً هو بحاجة لوسيلة تضع ضمن أولوياتها صناعة النجم وتقديم المبدع وهذا ما ليس موجوداً لدى الجميع بتقديري وعكسه هو ما تصنعه وسائل الإعلام المحترفة وخاصة الفضائيات الأخبارية "كالجزيرة والعربية وأبو ظبي" وبعض الإذاعات العالمية الناطقة بالعربية. فالوسيلة هنا هي من قدمت النجم المبدع ثم بعد ذلك قام المذيع وتربًّع على عرش هذه الفرصة ـ التي لم تتح لنا حتى اليوم ـ قام برد الجميل لوسيلته من خلال الاحتراف وجودة ما يقدم من مهارات .
فنحن في المشهد الإعلامي العربي لم نكن نسمع بكفاءة بوزن سامي حداد أو فيصل القاسم أو أحمد منصور أو جاسم العزاوي أو محمد كريشان أو سامي كليب أو منتهى الرمحي وغيرهم من نجوم الأعلام العربي ـ قبل أن تقدمهم وسائلهم اليوم !
وإذا جاز لي أن أتحدث عن نفسي ـ مهنياً ـ فأعتقد جازماً أنني أملك ما أقدمه. فمسيرة ثمان سنوات من العمل الإذاعي ربما تكون كافية .. ربما يكون الكثير من الإعلاميين العرب اللذين أُتيح لهم من التجارب والفرص ما لم تتَح لنا هنا في اليمن وهذا صحيح .
§ المذيع عارف الصرمي خريج بكالوريوس إذاعة وتلفزيون من كلية الإعلام بجامعة صنعاء، هل يشعر أن المحاضرات النظرية والتعليم الورقي كفيل بتخريج إذاعي مبدع ؟
- بالتأكيد أن الجانب النظري لا يصنع مبدعاً ثم من قال إن جامعاتنا العربية تصنع مبدعين .. للأسف الشديد فالأسلوب التلقيني لغالبية أساتذة الجامعة وطبيعة المنهج المتواضع القيمة يخرج لنا مجموعة كتبة ونساخين وليس مبدعين أو محترفين لأننا ندرس تاريخ العلم وليس العلم ذاته ولذلك لا نتطور ولا نخترع وبالتالي فما تلقيناه في الجامعة يصلح ليكون أساساً نبني على ما بعده، فأنت من تقرر أن يكون مبدعاً أو صحفياً أو مذيعاً بصقل موهبتك ومطاردتك للمعلومة والنزول إلى الميدان والاحتكاك بالواقع وتشكيل مدماك من الثقافة والمعرفة تستطيع بها أن تكون موجوداً وإلا فلا توجد جامعة وضيفتها تخريج مبدع ما لم يحمل في داخله البذرة والموهبة التي يرعاها هو وينميها ليجني ثمرتها
§ كيف تُقيم الدور الذي تلعبه برامج الحوار في الإعلام العربي ومن هو المذيع المحاور الذي تحرص على مشاهدته وتحترمه ؟
- تمتلك برامج الحوار الجاد قدرة هائلة على التأثير في المسرح العربي وهذا ملحوظ من خلال ردود الأفعال الفورية أثناء الاتصال أو من خلال رجع الصدى في صدر صفحات الصحف والمجلات على مستوى المسرح الإعلامي العربي برمته .
بل من خلال ردود أفعال رسمية تصدر عن أنظمة عربية وحتى دولية .. ولكن ليس كل برامج الحوار تمتلك ذلك وإنما النوعية المهنية والحرفية منها فليس كل ما يلمع ذهباً، وعلى وجه التحديد ـ كـ"الاتجاه المعاكس، أكثر من رأي ، بلا حدود، في الجزيرة" وبرنامج مواجهات في قناة أبو ظبي ، وكذا بعض الحوارات في برنامج دنيا وبرنامج بالمرصاد في العربية وبرنامج خليك بالبيت في المستقبل وبرنامج الدائرة الساخنة في راديو مونتكارلو وبرنامج الرأي الأخر في راديو لندن هذه غالباً من البرامج الحوارية التي أحرص على متابعتها .. لم يكن هناك ما يشغلني من شواغل الحياة وبالتأكيد فأنا أحترم مذيعيها لأبعد الحدود وكذلك أعترف بأنني أستفيد كثيراً من قدراتهم في الحوار واحترامهم لأنفسهم ولجمهورهم في حجم الجهد الذي يبذلونه في الأعداد لبرامجهم وضيوفهم على حد سواء .
§ ماذا عن التلفزيون اليمني بالنسبة للمذيع عارف الصرمي ؟ ومن منكم يعلن القطيعة مع الآخر ؟
- ليست هناك قطيعة وفصام نكد بالمعنى الذي يحمله السؤال فهناك علاقة بدأتها معى الفضائية اليمنية وكانت بدعوة كريمة من رئيسها الإعلامي الشاب عبد الغني الشميري لأعداد وإدارة حوار على الهواء في ذكرى مرور عام على أحداث ـ 11 سبتمبر وقمت بذلك على مدى حلقتين في يومين استمرت الحلقة الواحدة أكثر من ساعة ونصف عل الهواء مباشرة وكان ضيوفها من نجوم السياسة والصحافة من باريس وواشنطن ولندن والرياض والقاهرة وصنعاء، وقد تلقيتُ أصداءً إيجابية واسعةً من العديد من النخب في اليمن، وبعدها تقدمت بتصور لبرنامج حواري حظي بقبول واسع في التلفزيون بكرنفال من المديح، لكنه حتى اليوم لم ير النور وبالنسبة لي لا يوجد مانع أو تقصير .. ولعل قادم الأيام يحمل الأفضل متى ما سنحت الفرصة وتوفرت إرادة الوسيلة !!
|