المؤتمرنت - عبد الملك الفهيدي -
التوافقات تعدل القانون 5 مرات: لجنة الانتخابات في اليمن..قصة أزمات أبطالها المعارضة
يثير استمرار الخلافات بين أطراف المنظومة السياسية حول موضوع تشكيل اللجنة العليا للانتخابات الكثير من التساؤلات عن جوهر الأزمة التي باتت تتكرر مع اقتراب موعد كل استحقاق انتخابي في اليمن.
وتتعدد التفسيرات المتباينة بين أطراف المنظومة السياسية حول هذه القضية إلا أن تلك التفسيرات لا تعدو أن تكون مجرد تبادل للاتهامات بين الأحزاب حيث يلقي كل طرف باللوم على الآخر محاولاً إخلاء مسئوليته من موضوع تعثر تشكيل اللجنة العليا للانتخابات.
وعلى الرغم من أن موضوع الخلاف المتكرر على تشكيل اللجان الانتخابية في اليمن عادة ما ظل ينتهي بالوصول إلى صيغة توافقية بين الأحزاب، إلا أن ماراثون الخلاف السياسي المتعلق بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات التي سيناط بها إدارة رابع انتخابات برلمانية في دولة الوحدة في إبريل من العام القادم أخذ طابعاً مغايراً للخلافات السياسية حول تشكيل اللجان السابقة.
ولأول مرة منذ إعادة تحقيق اليمن لوحدته في (22) مايو 1990م وانتهاجه للنظام الديمقراطي تنتهي الفترة القانونية للجنة الانتخابات دون تشكيل لجنة جديدة، بل وصل الأمر حد تجاوز الموعد القانوني لتشكيلها لما يزيد عن نصف عام.
جذور المشكلة:
ومع أن الخلاف القائم حالياً حول موضوع تشكيل لجنة الانتخابات تجاوز ذات الصورة المتكررة للخلافات التي شهدتها الساحة السياسية في اليمن حول ذات الموضوع، إلا أن جذور المشكلة تعود إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي وتحديداً إلى الفترة التي سبقت تشكيل أول لجنة انتخابات في اليمن أنيط بها مسئولية إدارة أول تجربة انتخابية برلمانية تنافسية في إبريل من العام 1993م، فقد انعكس أسلوب التوافقات السياسية التي شهدتها السنوات الثلاث من عمر دولة الوحدة بنفسه على موضوع تشكيل اللجنة العليا للانتخابات.
ففيما كان من المفترض أن يتم تشكيل أول لجنة عليا للانتخابات استناداً إلى نص المادة (20) من القانون رقم (41) لسنة 1992م بشأن الانتخابات العامة التي نصت على" تشكل اللجنة العليا للانتخابات من عدد لا يقل عن خمسة أعضاء ولا يزيد عن سبعة يتم تعيينهم بقرار من مجلس الرئاسة من بين قائمة تحتوي على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب".
إلا أن الظروف والخلافات السياسية حالت دون تطبيق النص القانوني المشار إليه لتبدأ أولى مظاهر الالتفاف الحزبي على تطبيق نصوص ا لقانون.
من 5 الى 17
ولتجاوز تلك الخلافات الحزبية صدر القانون رقم (42) لسنة 1992م بشأن إضافة مادة إلى الأحكام الانتقالية لقانون الانتخابات العامة نصت على "لأغراض الدورة الأولى لمجلس النواب تشكل اللجنة العليا للانتخابات من سبعة عشر عضواً يرشحهم مجلس النواب ويصدر بتعيينهم قرار من مجلس الرئاسة ".
وفي (18) أغسطس 1992م صدر قرار رئيس مجلس الرئاسة رقم (4) لسنة 1992م بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من سبعة عشر عضواً برئاسة القاضي عبدالكريم العرشي وعضوية ستة عشر يمثلون مختلف الأحزاب والأطياف السياسية.
ظهور فقه التوافق
وكان اللافت أن أول لجنة عليا للانتخابات ضمت في عضويتها امرأة هي المحامية راقية حميدان وهذه الخطوة اكتسبت اليمن احترام وتقدير الهيئات والدول المهتمة بالعملية الديمقراطية وثم الإشادة بها باعتبارها أول خطوة من نوعها في تاريخ العمل السياسي والديمقراطي تخطوها اليمن ولم تصل إليها العديد من الدول التي سبقتها في العملية الانتخابية والديمقراطية.
ومثل ذلك التوافق السياسي على تشكيل لجنة الانتخابات بداية لظهور فقه "التوافق" الذي ظلت الأحزاب السياسية تلجأ إليه في حل الخلافات حول ذات الموضوع مع كل استحقاق انتخابي.
لجنة 1993م..التقاسم يفرض نفسه
وأسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأولى في اليمن التي أجريت في (27) إبريل 1993م عن تشكيل حكومة ائتلاف ثلاثي من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح، الأمر الذي انسحب بنفسه على بروز خلاف جديد حول تشكيل لجنة عليا جديدة للإعداد لإجراء ثاني انتخابات برلمانية في (27) إبريل 1997م.
ولتجاوز الخلافات السياسية تم تشكيل لجنة عليا جديدة للانتخابات بتاريخ 21/7/1993م استناداً إلى قانون الانتخابات المعدل رقم (41) لعام 1992م حيث شكلت هذه اللجنة من سبعة أعضاء برئاسة محسن العلفي وعضوية ستة أعضاء يمثلون الأحزاب.
وجاء هذا التوافق السياسي الذي لعب فيه الإصلاح دوراً فاعلاً ليسهم في استبعاد مشاركة المرأة في عضوية اللجنة العليا للانتخابات الجديدة بعد أن شاركت في عضوية اللجنة الأولى .
وأنيط باللجنة الجديدة إدارة ثاني انتخابات برلمانية في اليمن في (27) إبريل 1997م.
لجنة 1997م الإصلاح يفرض التقاسم من جديد
ورغم أن نتائج الانتخابات البرلمانية الثانية التي جرت في (27) إبريل 1997م أفضت إلى حصول المؤتمر الشعبي العام على أغلبية برلمانية مكنته من الانفراد لأول مرة بتشكيل الحكومة، وخروج الإصلاح من الائتلاف إلا أن الأخير نجح في استمرار إخضاع تشكيل لجنة الانتخابات لمفهوم التقاسم استناداً على إسهامه في صياغة قانون الانتخابات المعدل رقم (27) لسنة 1996م أثناء تواجده في حكومة الائتلاف الثنائية مع المؤتمر، فضلاً عن استثماره لمشاركته في الانتخابات البرلمانية التي قاطعها الحزب الاشتراكي اليمني.
ومع أن الإصلاح فشل في تحقيق نجاح يؤهله للاستمرار في السلطة في تلك الانتخابات إلا أنه عمد إلى استغلال مشاركته – التي أضفت شرعية عليها– سيما بعد مقاطعة الحزب الاشتراكي – للضغط على المؤتمر الشعبي العام والرئيس علي عبدالله صالح للقبول بمبدأ التقاسم.
وسعى المؤتمر الشعبي العام لتجاوز الإشكاليات الناجمة عن بقاء لجنة الانتخابات رهينة للخلافات السياسية فتقدم المؤتمر بمبادرة تهدف إلى تشكيل لجنة الانتخابات بعيداً عن التقاسم لضمان حياديتها واستقلاليتها، إلا أن الإصلاح أصر على مبدأ التقاسم ورفض المقترحات التي تقدم بها المؤتمر الشعبي العام آنذاك حسب تأكيد القيادات المؤتمرية.
وأسفرت الحوارات التي دارت إلى تشكيل اللجنة العليا للانتخابات استناداً إلى نص قانون الانتخابات المعدل رقم (27) لسنة 1996م الذي نص بأن تشكل اللجنة العليا للانتخابات من 7 أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية من بين قائمة تحتوي على (15) اسماً يرشحهم مجلس النواب.
وفي شهر نوفمبر 1997م تم تشكيل اللجنة من سبعة أعضاء برئاسة الدكتور عبدالله حسين بركات وعضوية ستة آخرين يمثلون الأحزاب .
وقد أنجزت هذه اللجنة عملية الإعداد والتحضير والإشراف على أول انتخابات رئاسية تنافسية تجري في اليمن وعقب الانتخابات الرئاسية قدم الدكتور عبدالله حسين بركات استقالته من رئاسة اللجنة لظروفه الصحية ليصدر الرئيس قرار جمهوري رقم (22) لسنة 1999م بتعيين الأستاذ علوي العطاس عضواً في اللجنة بدلاً عن بركات وتم انتخابه رئيساً للجنة في 4/12/1999م.
وقامت هذه اللجنة بإدارة عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأول انتخابات محلية تجري في اليمن في 28/2/2001م.
اللجنة الرابعة..جدل يكرر التقاسم مرتين
ولم يكن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات الرابعة في نوفمبر من العام 2001م بأحسن مما سبقه فقد جاء تشكيلها نتاجاً لنص القانون رقم (13) لسنة 2001م بشأن الانتخابات العامة والاستفتاء الجديد وأدت الخلافات السياسية التي سبقت عملية تشكيل اللجنة إلى اللجوء إلى التوافق الحزبي على تشكيلها عبر تمثيل الأحزاب السياسية في تلك اللجنة. في نوفمبر 2001م من سبعة أعضاء برئاسة خالد الشريف.
وتولت اللجنة مهمة إدارة ثالث انتخابات برلمانية شهدتها اليمن في (27) إبريل 1993م وحظي نجاحها في تلك الانتخابات بشهادات دولية أكدت تميزها عن سابقاتها من اللجان.
ورغم تلك الإشادات الدولية لنجاح اللجنة في عملها إلا أن أحزاب المشترك شنت حملة إعلامية واسعة ضد اللجنة بدأت مع الاستعدادات التحضيرية للانتخابات الرئاسية والمحلية في 2006م.
ومنذ العام 2005م تصاعدت الحملة الإعلامية للمشترك ضد اللجنة والتي تضمنت تهماً لا حصر لها وصلت حد تصريحات من قيادات المشترك أكدت فيها عدم أهلية اللجنة لإدارة أي انتخابات وعدم إمكانية القبول بها لإدارة انتخابات 2006م.
خامس تعديل
وفيما كان الكثير من السياسيين والمحليين في اليمن يذهبون إلى الاعتقاد بعدم إمكانية قبول أحزاب المشترك ببقاء اللجنة ذاتها لإدارة الانتخابات الرئاسية والمحلية ،إلا أن فقه التوافق انتصر في الأخير على نصوص القانون لتفضي الحوارات التي دارت بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك إلى توقيع اتفاق المبادئ في 18 يونيو2006م والذي تم بموجبه إدخال تعديل قانوني سمح بإضافة عضوين من أحزاب اللقاء المشترك إلى عضوية اللجنة ليكون ذلك التعديل هو خامس تعديل على قانون الانتخابات منذ العام 92م .
المشترك ..الانقلاب على الاتفاقات بدعوى التوافقات
ولم يكن تعثر تشكيل اللجنة العليا المنتهية ولايتها في نوفمبر من العام الماضي ببعيد عن الخلفيات المشار اليها سلفاً ،ففي الوقت الذي كرر فيه المؤتمر الشعبي العام ربطه القبول بالتوافق على تشكيل لجنة الانتخابات وتعديل قانونها بالالتزام بنصوص الدستور والقانون ،إلا أن أحزاب المشترك ظلت تكرر مطالبها بالتوافق الوطني كبديل لرؤية النصوص الدستورية والقانونية .
وتتضح الصورة بجلاء بالعودة إلى استقراء ما تضمنه اتفاق المبادئ الذي اعتبره المحللون السياسيون بمثابة البداية لإبعاد اللجنة العليا للانتخابات عن مبدأ التقاسمات والخلافات السياسية .
حيث وافق المؤتمر الشعبي العام آنذاك على إجراء تعديل قانوني يفضي لإضافة عضوين من اللقاء المشترك إلى قوام اللجنة مقابل قبول المشترك بان يتم تشكيل اللجان اللاحقة من القضاة على أن يتولى مجلس القضاء والبرلمان مسئولية ترشيح واختيارهم قبيل ان يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتعيين سبعة منهم .
وجاء الاتفاق على القضاة كبديل مناسب لإضفاء طابع الاستقلالية والحيادية للجنة تنفيذاً لنص الدستور وبعيداً عن التوافقات الحزبية باعتبار القضاة هم الشريحة التي تتمتع بالاستقلالية عن العمل الحزبي –إلى جانب منتسبي الجييش والأمن- وفقا لنص القانون .
وعقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بدأت الأحزاب حواراً سياسياً حول عدد من القضايا التي تضمنها اتفاق المبادئ وأهمها موضوع قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة.
ورغم أن قانون الانتخابات ينص في الفقرة "ب" من المادة (20) على ان -تبدأ إجراءات تشكيل اللجنة قبل نهاية مدتها بثلاثين يوماً ويجوز إعادة ترشيح وتعيين اللجنة أو أيً من أعضائها لدوره ثانية فقط. إلا أن تلك الحوارات انتهت دون التوصل إلى أي اتفاق لينتهي بذلك الموعد القانوني للجنة في نوفمبر 2007م دون توصل الأحزاب إلى اتفاق بشأنها، ومنذ ذلك الحين وعلى مدى ثمانية أشهر لا يزال الموضوع مثار خلاف.
وحينها أعلن المؤتمر الشعبي العام عن موقفه من قضية تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء وأكد انه تقدم بعدة مقترحات لتشكيل اللجنة إلا أنها رفضت من المشترك .
وقال بلاغ صادر عن الأمانة العامة حينها ولأن المؤتمر الشعبي العام مسئول عن الدولة وعن سريان القوانين في البلاد، وعن مراعاة جميع القوى السياسية وأحزابها فإنه رفض أية وصاية على أي حزب من الأحزاب من قبل الأحزاب الأخرى، ورفض فكرة الأحزاب الكبيرة وشبه الكبيرة والصغيرة والمتوسطة.
وأضاف المؤتمر: ثم وجد المؤتمر نفسه أمام إصرار أحزاب المشترك على موقفها، فقدم مقترحاً بأن تشكل اللجنة العليا للانتخابات على أساس عدد الأصوات وفق انتخابات 2003م النيابية وهو مقياس رغم أنه غير عادل بالنسبة للأحزاب الأخرى من غير المشترك، إلا أن المؤتمر الشعبي العام وجد نفسه مسئولاً عن تمثيل الأحزاب في إطار حصته.
وتابع المؤتمر :قد أدت نتيجة الاحتساب للأصوات أن يمثل المؤتمر بستة أشخاص وأحزاب المشترك بثلاثة في اللجنة العليا للانتخابات، إذا كان قوامها (9) أعضاء، أما إذا اعتمد عدد المقاعد في مجلس النواب فإن المشترك لن يحصل إلا على (1.8) من قوام (9) أعضاء، وعلى ذلك ترك الأمر مفتوحاً لحل أكثر ديمقراطية، ويتناسب تناسباً كبيراً، بل ويتطابق مع نص الدستور الذي يقول بأنه ينبغي أن تكون اللجنة العليا محايدة -أي ليست محسوبة على حزب من الأحزاب.
وأضاف البيان:وقد تم التوقيع ،وبرغبة من أحزاب المشترك في يونيو 2006 على اتفاق المبادئ، والذي وقعت عليه أحزاب المجلس الوطني وغيره، إلى جانب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك، وأصبح ذلك وثيقة وطنية لا يمكن الاعتداد بغيرها، كما يدعون في بعض الإشارات لتوصيات الاتحاد الأوروبي.
و جاء البيان الصادر عن اللجنة العامة للمؤتمر بتاريخ السبت 14-يونيو2008م ليجدد موقف المؤتمر الذي حرص على تقديم عدة مقترحات وحلول وبدائل لتشكيل اللجنة دون جدوى ،حيث أشار البيان إلى المقترحات التي قدمها المؤتمر
وقال البيان :وقد أكدت اللجنة العامة حرص المؤتمر الشعبي العام على الحوار البناء ولما يحقق المصلحة الوطنية العليا فإنها وإزاء إصرار أحزاب اللقاء المشترك على موقفها السلبي من الحوار وتمترسها وراء تلك التصرفات المعطلة وغير المسئولة والهادفة إلى إضاعة الوقت وخلق أزمة جديدة في الوطن ورفضها لكل المقترحات الخاصة بمعالجة القضايا محل الخلاف ومنها تشكيل الجنة العليا للانتخابات ومن ذلك اعتماد عدد الأصوات لانتخابات 2003م النيابية، أو اعتماد عدد أعضاء مجلس النواب، أو تشكيلها وفقاً لما كانت عليه في انتخابات 1993م، أو تشكيلها من كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية المعترف بها من لجنة شئون الأحزاب، أو استمرار قوام اللجنة السابقة، أو تشكيلها وفق اتفاق المبادئ من القضاة، وعلى الرغم من أن تلك المقترحات الخاصة بتشكيل الجنة العليا قد تمت بناءً على اقتراحات من أحزاب اللقاء المشترك نفسها، إلا أن تلك الأحزاب ظلت مصرة على تمسكها بنهج التضليل وتزييف الحقائق وآخرها ما ورد في البيان الصادر عن تلك الأحزاب بتاريخ 11/6/2008م والذي أنطوى على الكثير من الافتراءات الباطلة والمعلومات المغلوطة والمظللة ..
المؤتمر ..مسؤولية تاريخية
ووجد المؤتمر الشعبي العام نفسه أمام مأزق يفضي به إلى الوصول إلى عرقلة إجراء الانتخابات وإحداث فراغ دستوري في البلاد فلجأت حكومته لتقديم مشروع تعديل لقانون الانتخابات قدم إلى البرلمان.
وتضمن مشروع التعديلات إعادة النظر في المواد (19،22،21). .ونص تعديل المادة(19) من قانون الانتخابات على تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات من سبعة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية من بين 14 يزكيهم مجلس النواب من جملة 22 قاضياً يرشحهم مجلس القضاء الأعلى بناء على طلب من البرلمان .
وتقر قائمة المرشحين بأغلبية الثلثين في مجلسي النواب والقضاء الأعلى . واشترطت المادة (21) المعدلة فيمن يرشح في اللجنة العليا أن يكون قاضياً لا تقل درجته عن قاضي محكمة استئناف ، وأن لا يقل عمرة عن 35 عاماً وأن يكون من أبوين يمنيين وحاصلاً على الشهادة الجامعية أو ما يعادلها مع توفر الكفاءة والخبرة .إضافة لاستقامة السلوك وعدم صدور حكم قضائي بات ضده في أي من جرائم الانتخابات أو في أي جريمة مخلة بالشرف والأمانة .
وحرم تعديل المادة (22) من القانون على عضو اللجنة العليا للإنتخابات أثناء مدة عضويته ترشيح نفسه في أي انتخابات عامة أو يشترك في الدعاية الانتخابية للأحزاب أو المرشحين وعدم جواز فصلة إلا بقرار من رئيس الجمهورية في حالة فقدانه أياً من الشروط الواجب توافرها وبموجب حكم قضائي بات.
وأوردت الحكومة في مذكرتها الإيضاحية للتعديل مبررات أشارت إلى أن هذه التعديلات جاءت تنفيذاً لاتفاق مبادئ وقعته الأحزاب قبيل الانتخابات الرئاسية والمحلية في سبتمبر من العام 2006م .
وقالت المذكرة أن تشكيل اللجنة العليا يجعل أعضاءها عرضة لرغبات الأحزاب التي رشحتهم غير أن هناك شريحة كبيرة من اليمنيين مستقلين وتشكيل اللجنة من الأحزاب أو بناءً على توافقاتها يغفل تلك الشريحة ويخل إخلالاً جسيماً بحق من حقوقهم .
وزادت الحكومة في تبريرها للتعديلات بالتشديد على أن الرقابة القضائية على العمليات الانتخابية بكافة مراحلها تعد ضمانة أساسية من الضمانات القانونية المكفولة للانتخابات.
وعلى الرغم من كون المسئولية التاريخية والدستورية فيما يتعلق بضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية ملقاة على عاتق المؤتمر إلا أن الأخير حرص على أن يشرك بقية القوى السياسية وفي مقدمتهم أحزاب المشترك في موضوع تشكيل اللجنة.
ويرى مراقبون أن أحزاب اللقاء المشترك تسعى لاستخدام موضوع اللجنة العليا للانتخابات كوسيلة ضغط على المؤتمر الشعبي العام والقيادة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية للحصول على مكاسب وصفقات سياسية بعيدة عن النصوص الدستورية في تكرار لذات الطريقة التي استخدمتها قبيل الانتخابات الرئاسية والمحلية حيث شنت تلك الأحزاب حملة إعلامية ضد اللجنة العليا آنذاك وقالت فيها مالم يقله مالك في الخمر،قبيل أن تعود تلك الأحزاب للقبول بتولي ذات اللجنة عملية إدارة الانتخابات بعد نجاحها في الحصول على إضافة عضوين من أحزابها إلى قوام اللجنة .
الإصلاح والتقاسم.. العائق أمام القانون
ويعد سعي أحزاب المشترك وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح إلى فرض مبدأ التقاسم الحزبي وفقاً لرؤيتها شاهداً جديداً على سيطرة النزعات ذات الطابع التكسبي على الأداء السياسي لتلك الأحزاب التي باتت توجهاتها ومواقفها من شتى القضايا ذات البعد الوطني محكومة بالقدرة على استغلالها لتحقيق مكاسب ذات طابع حزبي.
وعلى الرغم من أن أسلوب التقاسم يظل أسلوباً سياسياً معمولاً به، إلا أنه يمثل في رأي المحللين السياسيين عائقاً أمام تكريس وترسيخ المفاهيم الديمقراطية وإنجاح عمليات التنافس البرامجي بين الأحزاب، فضلاً عن إسهامه في تكريس ثقافة التقاسم التي شهدتها الائتلافات الحكومية بين المؤتمر والإشتراكي من جهة وبين المؤتمر والإصلاح من جهة أخرى منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 90م، وحتى الانتخابات البرلمانية الثانية التي حقق فيها المؤتمر أغلبية مكنته من تشكيل الحكومة بمفرده.
ويًذكر المراقبون بمساوئ سياسة التقاسم التي لا تزال آثارها السلبية تمثل عائقاً أمام عملية الإصلاح الإداري وحجرة عثرة أمام تنفيذ استراتيجيه تحديث الخدمة المدنية بسبب تضخم الهيكل الوظيفي للدولة، والازدواج الوظيفي .
وتؤكد دلائل كثيرة أن سياسة أحزاب المعارضة وفي المقدمة حزب الإصلاح لا تزال ترتهن لإرث التقاسم الذي حكم مشاركته في السلطة، سيما بعد فشله للمرة الثانية في العودة إليها في انتخابات البرلمان 2003م.
وسبق أن طلبت أحزاب المشترك في مرات عديدة خلال جلسات الحوار مع الحزب الحاكم أن يقتصر الحوار على الأحزاب المنضوية في إطار المشترك ،بعيداً عن بقية أحزاب المعارضة المنضوية في إطار ما يعرف بالمجلس الوطني للمعارضة ،وهو الشرط الذي عكس حقيقة مساعي تلك الأحزاب لإقصاء الآخرين والحصول على صفقات سياسية في حوار يقتصر عليها مع المؤتمر .
التقاسم يمتد للوسط الطلابي
ومثلت أزمة اتحاد طلاب جامعة صنعاء إحدى الشواهد التي تؤكد أن الإصلاح بات يدير معاركه السياسية في الاتجاه الذي يسمح له بالحصول على مكاسب سياسية حتى وإن كانت هذه المكاسب تعد خرقاً لقواعد الديمقراطية والتنافسات الانتخابية، فقد وقف حزب الإصلاح منذ البداية في وجه المحاولات الرامية إلى إجراء انتخابات حرة لاتحاد الطلاب الذي ظل يسيطر عليه عقوداً من الزمن، قبيل أن يتزعم بقية حلفائه في المشترك في إدارة المعركة الانتخابية بعد اتفاق المبادئ الذي وقعته الأحزاب السياسية، ثم عرقلة انعقاد المؤتمر العام الأول للاتحاد المنتخب لأكثر من عام ونيف قبيل أن يعقد المؤتمر بعد اضطرار الجامعة اللجوء إلى سياسة التقاسم الحزبي للمناصب القيادية للاتحاد الطلابي الذي حصل الإصلاح بموجبها على رئاسة الاتحاد.
ويستدل مراقبون بما شهدته انتخابات اتحاد الطلاب على لجوء الإصلاح إلى اعتماد مبدأ التقاسم للحصول على مكاسب سياسية من ناحية، ودليلاً يؤكد أن سياسة التقاسم تمثل إفراغا للعمليات الديمقراطية من معانيها الحقيقية القائمة على التنافس البرامجي، وإتاحة الفرصة أمام الناخبين لاختيار ممثليهم بحرية ونزاهة وليس كما حدث في انتخابات المكتب التنفيذي والأمانة العامة لاتحاد طلاب جامعة صنعاء.