بقلم-الدكتور-صخر عبد الله الجنيدي - نحو تشريع قضائي يواكب تطورات العصر
إن تشكيل اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي والأجهزة المساندة له، جسد الاهتمام الكبير لجلالة الملك بهذا الجهاز ودعمه المطلق لتأمين العدالة والمساواة لأن القضاء والأجهزة المساندة له، مرفق مفصلي وهام، مقارنة بباقي مرافق الدولة، وعليه فإن استقلال القضاء شرط ضروري لقيام المجتمع على أساس "سيادة القانون" ومعنى هذا الاستقلال أن يكون القاضي في ممارسته لوظيفته القضائية حراً من أي تدخل من جانب السلطة التنفيذية او التشريعية، حيث أن السلطة القضائية هي سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته، لا من التشريع، وقد أناط الدستور (بالمحاكم النظامية والخاصة والشرعية) وحدها أمر العدالة، مستقلة عن باقي السلطات، ومن ثم فلا يملك المشرع بتشريع منه إهدار ولاية السلطة القضائية (المحاكم على أنواعها الثلاث) أو إهدار حقوق العاملين فيها كلياً او جزئياً. إن استقلال القضاء (بأنواع محاكمه الثلاث) وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات وأمن واقتصاد الوطن.
ان عملية التحديث والتطوير في القضاء الأردني الذي نعتز ونفتخر به يجب أن يرافقه تطوير في التشريع حيث نصت القوانين التي تنظم عمل المحاكم الخاصة على أن خدمة القضاة والنيابة العامة في هذه المحاكم تعتبر خدمة قضائية كاملة لغايات قانون استقلال القضاء وقانون نقابة المحامين الأردنيين فمثلاً: نصت المادة 277 من قانون الجمارك رقم 20 لسنة 1988 على ما يلي: بالرغم مما ورد في اي قانون آخر، تعتبر خدمة من أشغل عضو في محكمة جمركية او مدعي عام لدى النيابة العامة الجمركية لمدة سنتين متتاليتين قبل او بعد نفاذ أحكام هذا القانون خدمة قضائية كاملة لغايات قانون نقابة المحامين النظاميين وقانون استقلال القضاء، وللمدعي العام الجمركي حق التحقيق والمرافعة واستئناف وتمييز الأحكام الصادرة عن المحاكم الجمركية. وقد نصت على نصوص مماثلة كل من قانون ضريبة الدخل رقم 25 لسنة 2001 في المادة (22) وقانون الأمن العام رقم 38 لسنة 1965 في المادة (80) وقانون ضريبة المبيعات رقم 36 لسنة 2000 في المادة 38. أما قانون تشكيل المحاكم العسكرية المؤقت رقم 32 لسنة 2002 فقد جاء أكثر انسجاماً مع تطورات العصر والرؤيا الملكية للتحديث والتطوير في الجهاز القضائي حيث نصت المادة 13 من هذا القانون على ما يلي:
1- تعتبر خدمة القاضي العسكري خدمة قضائية كما وتعتبر الوظائف والمناصب التي يشغلها وظائف ومناصب قضائية بالمعنى المقصود وفق أحكام قانون استقلال القضاء وقانون نقابة المحامين النظاميين.
2- تحقيقاً للغاية الواردة أعلاه تعتبر خدمة القاضي العسكري خدمة فعلية محسوبة لغايات تولي المناصب القضائية لدى المحاكم النظامية ومحكمة العدل العليا.
3- يعامل القضاة العسكريون معاملة القضاة المدنيين فيما يتعلق بالرسوم والالتزامات المالية المترتبة عليهم دفعها لغايات التسجيل في سجل المحامين الأساتذة لدى نقابة المحامين النظاميين.
إلا أن قانون استقلال القضاء رقم 15 لسنة 2001 جاء لينص في المادة الثانية منه على مايلي: "القاضي: هو كل قاضي يعود أمر تعيينه للمجلس القضائي وفق أحكام هذا القانون". وبما أن "مدعي عام محكمة أمن الدولة وقضاتها ومدعي عام الجمارك وقضاة المجالس العسكرية والمستشار الحقوقي ومساعديه في القوات المسلحة والمستشار العدلي لدى محكمة الشرطة ومدعي عام المخابرات العامة ومساعد المحامي العام المدني لدى محكمة ضريبة الدخل ومدعي عام ضريبة المبيعات "يتم تعيينهم من قبل السلطة التنفيذية وليس من قبل المجلس القضائي الذي ينظم عمل القضاة النظاميون فقط فيكون قانون استقلال القضاء النافذ قد استثنى هذه الشريحة الواسعة والتي تشكل خط الدفاع الأول عن أمن واقتصاد الوطن. وبنفس الوقت فإنه لا يوجد لغير المحاكم النظامية قانون مشابه لقانون استقلال القضاء رقم 15 لسنة 2001 ولا يوجد لهم مجلس قضائي ينظم عملهم. فأين المحاكم الخاصة ونياباتها العامة من التطوير الذي يجري في القضاء والذي اقتصر على القضاء النظامي؟
على ضوء ما تقدم فإن النصوص القانونية الواردة في القوانين الخاصة والتي تنظم عمل المحاكم الخاصة ونياباتها تكشف ما يلي:
1- واقع ارتباط هذه المحاكم بالسلطة التنفيذية من خلال الأمين العام او الوزير المختص وعليه فإن هذا الوضع لا يتفق إطلاقاً مع النص الدستوري الوارد في المادة 97 من الدستور الأردني النافذ والتي تنص على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم بقضائهم لغير القانون" ولذلك من الملحّ إجراء التعديلات الضرورية على قانون استقلال القضاء النافذ، لفك ارتباط النيابات العامة في المحاكم الخاصة وقضاتها بالسلطة التنفيذية، وبما يكفل كذلك أن أحكام قانون استقلال القضاء تشمل أنواع المحاكم الثلاثة المنصوص عليها في المادة 99 من الدستور الأردني وهي المحاكم النظامية والخاصة والمحاكم الدينية.
2- يتضح كذلك من القوانين الخاصة التي تنظم عمل المحاكم الخاصة "مثل قانون الجمارك على سبيل المثال لا الحصر" يخلوان من اي نصوص تشريعية تكرر نص المادة 97 من الدستور الأردني بأن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون" وينطبق ما تقدم على جميع المحاكم الخاصة مثل محكمة الجمارك، محكمة أمن الدولة، محكمة الشرطة، محكمة استئناف ضريبة الدخل.
وبالتناوب: ولما كانت التشريعات المنظمة لعمل المحاكم الخاصة تنص على أن خدمة النيابة وقضاة المحاكم الخاصة هي خدمة قضائية كاملة لغايات قانون استقلال القضاء فإن يستتبع ذلك إجراء تحسين جذري في رواتب هذه الشريحة من القضاة ومنحهم علاوات قضائية غير مرتبطة بسلم الرواتب المعمول به في نظام الخدمة المدنية. أسوة بزملائهم القضاة في المحاكم النظامية والقضاء العسكري وبما أن القوانين الخاصة اعتبرت خدمة القضاة والنيابة العامة في المحاكم الخاصة خدمة قضائية كاملة فإنه يجب أن يستتبع ذلك إحداث المساواة في الرواتب والمزايا بين مشغلي المراكز القضائية في المحاكم النظامية والخاصة وتعديل قانون استقلال القضاء النافذ و/أو تشكيل مجلس قضائي خاص بالمحاكم الخاصة.
|