حسن عباس -
جمعة رجب وليلتها الحمراء
يختزن التراث الديني في اليمن الكثير من العادات والعبادات والطقوس التي إعتاد عليها اليمنيون منذ قرون خالية ، وبغض النظر عن توافق بعض تلك العادات أو تعارضها -بحسب البعض – مع نصوص دينية إلا أنها تبقى مصنفة في إطار العادات والتقاليد التي كفل الدستور اليمني ممارستها . أول جمعة من شهر رجب الحرام هو اليوم الذي دخل فيه اليمانيون في دين الله أفواجاً وذلك في السنة السابعة من الهجرة عندما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه ليدعوا اليمنيين إلى دين الإسلام ، وقام ببناء مسجد الجند المشهور والموجود اليوم إدارياً في محافظة تعز .
في هذه الجمعة من كل عام يُحيي اليمنيون هذه الذكرى خاصة في الجامع المذكور \" جامع الجند \" . ، حيث يتجمع الباعة ويتوافد عشرات الآلاف من عدة مناطق يمنية لإقامة موالد وحفلات ذكر وأدعية ، وفي المناطق الشمالية من اليمن خاصة في العاصمة صنعاء وماحولها يتم إحياء هذه الجمعة ولكن بشكل آخر حيث تصبح يوم عيد لدى الكثير ويتم فيها لبس الملابس الجديدة وصلة الأرحام .
الجمعة قبل الماضية كانت هي جمعة \" الرجبية \" كما تُسمى أي أول جمعة من رجب ، ولم أكن أعرف أنها كذلك لولا أنني سمعت خطيب الجمعة وهو أحد الدعاة المنتمين لتيار الإخوان المسلمين أو السلفية لا أعرف بالضبط ، المهم أنه شن هجوماً شرساً على من يحيون هذه المناسبة ، بعد أن خصص الجزء الأول من خطبته للتحذير من المخدرات والحشيش والأفيون ! ،
وقد تفهمت في بداية الأمر ذلك الهجوم على من يحيون - الرجبية - خاصة وهو يُسنده بآيات وأحاديث حول الشرك بالله والبدع ، لكن ما إستغربت له وأثار تساؤلاتي ولاحظته على بعض المصلين المستمعين أن الخطيب المذكور تجاوز حدود أدب الخلاف والنقد وبدأ يُشنع على من يخالفهم مذهبياً من الصوفية الشوافع ، حتى أنه أكد حصول شركيات ومعاصي وإختلاط وتخزين قات جماعي وقال بالحرف الواحد أن تلك الليلة تصبح عندهم في الجند : \" ليلة حمراء \" وقال أنه تأكد بنفسه من ذلك !
لم يمهلني الوقت بعد صلاة الجمعة كي أستفسر هذا الخطيب أو أحاول الإستيضاح أكثر ، فالعم أحمد - الذي كنت ضيفاً عنده – كان ينتظرني على بوابة المسجد كي نمضي لتناول طعام الغداء .
أنا أحترم وجهة نظر أي شخص وأحترم رأي ذلك الخطيب الذي من حقه أن ينتقد ما يرى أنها مخالفات شرعية لكن ليس من حقه أن يُبالغ في تصوير أي مخالفات شرعية وإن كانت حقيقية وليس من حقه أن يشوه خصومه ويشنع عليهم ويرميهم بتهم قلما يستسيغها عاقل .
وأن يستغل المناسبة للتهجم على كل معتقداتهم وتشويهها ، كما أنه ليس من حقه أن يصادر حريات الآخرين لأن هذا يُعتبرشكل من أشكال الإرهاب الفكري الذي قد يقود إلى إرهاب عملي ، ولاألوم أي مراهق أو شاب متحمس إذا تحزم بمتفجرات وذهب ليفجر نفسه في جامع الجند بعد أن سمع تلك الخطبة ، فهو سيفجر نفسه بين مجموعة مشركين يقيمون ليالي حمراء في أقدس أماكن العبادة وهي بيوت الله بحسب ما أفاد ذلك الخطيب .
أتمنى أن يتحلى خطبائنا خاصة المبتدأين منهم والمتحمسين بالمزيد من الوعي والفهم ، وأن يتناولوا القضايا الخلافية بمنطق ولغة دينية توحيدية وسطية تقريبية حفاظاً على الوحدة الدينية والوطنية وعلى السلم والنسيج الإجتماعي والديني من التفكك والتشرذم .