الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:53 ص
ابحث ابحث عن:
ثقافة

الناقد عبدالملك مرتاض لـ"المؤتمرنت"

الثلاثاء, 27-يناير-2004
المؤتمر نت - عارف أبو حاتم -
النقد والرواية الجديدان كَفَرا بالإنسان والتاريخ (الحلقة الثانية)
قال الناقد الدكتور عبدالملك مرتاض إن مدرسة النقد الجديد كفرت بالإنسان، وألغت وجوده، وإن هذا النكران أتى نتيجة حتمية للحرب العالمية الثانية، ونتيجة لانهزام فرنسا في حروبها مع فيتنام، والجزائر.
وأكد الدكتور مرتاض أن هزيمة فرنسا بلد الحداثة، ومذاهب النقد انعكس على تغيير هذه المذاهب، وجعلت المفكرين الفرنسيين (ينبذون الكتابة على الطريقة التقليدية).
وأشار الدكتور مرتاض في الجزء الثاني من الحوار الذي أجراه معه "المؤتمرنت" إلى أن الرواية الجديدة تتعامل مع مكوناتها (على أساس أنها خيالية ولا تحمل حقيقة إلا في داخل النص).
تستعمل المستقبل وهي تريد الماضي، يعني شغل جديد، وثوري في التعامل مع كتابة الرواية الجديدة.
*لماذا هذا الانقلاب على الرواية التقليدية. وما هي العوامل التي أدت إلى ظهور الرواية الجديدة؟
-أنا حاولت أن أخصص فصلاً، أو مقالة في كتابي (في نظرية الرواية) عن الرواية الجديدة، وتحدثت فعلاً عن أسباب نشوئها، وظهورها، انطلاقاً من الرواية الجديدة في فرنسا، لأن الرواية الجديدة تقريباً كانت نشأتها في فرنسا مثل (البنيوية)، ومثل كثير من المذاهب الأدبية. فإذا كانت المذاهب الفلسفية في عامتها نشأت في ألمانيا فإن المذاهب الأدبية في عامتها نشأت في فرنسا، ففرنسا بلد الفن، وبلد النقد، وبلد الجبن،وبلد العطر، وبلد الموضة. وليس ذلك أنني أحب فرنسا، ولكن ذلك واقع وحقيقة.
هناك جملة من المعطيات لا يحضرني ارتجالاً أن أدرجها كلها: أولاً مخلفات الحرب العالمية الثانية، مات في هذه الحرب ما يقرب من عشرة ملايين من البشر، وأحرقت كنائس، وهدمت بيوت، كل القيم التي كان الإنسان يؤمن بها قبل هذه الحرب، والحرب العالمية الأولى لم تمنع وحشية الإنسان من التدمير والقتل والغصب والسلب. وهذا عامل مهم في نشأة الرواية الجديدة.
الرواية الجديدة –ببساطة- لا تريد أن تجعل من الإنسان محوراً لها. كنا تحدثنا عن الشخصية. وقلنا الرواية الجديدة تؤذي الشخصية، الرواية التقليدية تجعل الشخصية هي سيدة العمل الروائي، الرواية الجديدة.. لا.
* لماذا؟
- لأن الرواية ترفض التاريخ، وترفض الإنسان، وتكاد ترفض القيم التي يؤمن بها الإنسان، انطلاقاً من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فلم يعد الكُتّاب يؤمنون بالقيم التي آمنوا بها من قبل نظراً للقلق الذي نهشهم طويلاً.
لنفتح قوساً، ونعود إلى الحرب العالمية الأولى التي أنشأت النزعة (الدادوية)، وهي نزعة عابثة تحتقر الإنسان، وتحتقر جميع القيم، وكان ذلك في مدينة "لوزان" السويسرية في عام 1817. تأسست هذه النزعة الأدبية، انطلاقاً مما كان يحدث في الحرب العالمية الأولى من تقتيل، وتخريب. وتطورت (الدادوية) ونشأت عنها (السيريالية) التي كرسها الشاعر الفرنسي (أندريه بريتون) ونشأت -أيضاً في هذه الأثناء- في 1916م أو 1917م (الشكلانية الروسية) وظلت قائمة إلى 1935م .فتلاحظ أن الحرب العالمية الثانية أنشأت (الرواية الجديدة) و(البنيوية) التي تقوم على نبذ الإنسان، أي نابذة للتاريخ. فتأتي مناهضة للمنهج الاجتماعي، الذي كان يروجه (تينج) الناقد، والمؤرخ الفرنسي الذي كان يقيم نظريته النقدية على ثلاثة مكونات: البيئة، والزمان، والعرق، والمكون الثالث هو عنصري استعماري لأنه كان يزعم أن الأدب يشتمل بالضرورة على ثلاث خصائص: الأولى أنه يكون ابن بيئته، والثانية يعكس الزمان الذي كان يعشيه، أي أنه يتصل بالتاريخ، ويتعلق به، والثالثة وهو عنصري- أن الكاتب إذا كان زنجياً، أو كان عربياً فإن كتابته تختلف عن كتابة الأوروبي. ونحن نرفض المكوِّن الثالث، وننبذه. وعندما جاءت (البينوية) ضجرت من (تينيا) وَبُرمتْ من (الماركسية) التي تمجد الإنسان، ومن النظرية الاجتماعية التي كانت ترفدها الواقعية الإشتراكية، وأقامت ثورة على كل هذه القيم، والنظريات، وقالت: الإنسان غير موجود. فالكاتب حين يكتب كتاباً ليس هو الذي يكتبه، إنما شخص آخر مندس فيه، وهذه نظرية وُجدت عند العرب قديماً، تتعلق بالرائي الذي يصاحب الشاعر.
إذا كفر النقد الجديد بالإنسان، أي بالتاريخ - وكل هذا نتيجة للحرب العالمية الثانية. ونتيجة لإنهزام فرنسا، وهي دولة عظيمة في فيتنام، والجزائر، وجملة كبيرة من المعطيات أثرت في الكتاب الفرنسيين، وجعلتهم ينبذون الكتابة على الطريقة التقليدية، ويكتبون رواية جديدة لا تتعامل مع المكان من حيث هو مكان، ولا تتعامل مع الزمان من حيث هو زمان، ولا تتعامل مع الشخصية من حيث هي إنسان، وإنما تتعامل مع كل هذه المكونات على أساس أنها خيالية، ولا تحمل حقيقة إلا في داخل النص، ولا وجود لها خارج النص.
*على ذكر هزيمة فرنسا في الجزائر، لقد جعلتم في كتابكم (في نظرية الرواية) حرب التحرير الجزائرية أحد أربعة عوامل أدت إلى ظهور الرواية الجديدة، والثلاثة الأخرى هي: الحرب العالمية الثانية، وظهور السلاح النووي، وغزو الفضاء. ألا ترى أن هذا حشرُُ للحرب الجزائرية، وسطر ثلاثة عوامل عالمية أدت إلى تغير مسار التاريخ الإنساني؟
-لا. لأن الجزائر كانت قطعة من فرنسا، وكان الفرنسيون يعتقدون أن الجزائر امتداد للوطن الفرنسي. وما كان الفرنسيون يعتقدون قط أن الجزائريين بثورة عارمة لا تبقي، ولا تذر، وأنهم سينفصلون عن فرنسا انفصالاً نهائياً.
ثانياً: إن المفكرين الفرنسيين- وفي مقدمتهم الفيلسوف "جان بول سارتر" والكاتب العالمي "البير كامي" -كل هؤلاء هزتهم الحرب التحريرية الجزائرية- الشباب المتعلمون، الفرنسيون كانوا يرفضون أحياناً أن يأتوا لمحاربة الجزائريين، كما نرى الآن بعض اليهود يحاولون أن يقوموا بعصيان ضد الدولة اليهودية، ولا يريدون محاربة الفلسطينيين.
حرب التحرير الجزائرية هزت الفرنسيين هزاً شديداً. لذلك عندما نتحدث عن الرواية يمكن- ولا أصر على ذلك- أن تكون هذه الحرب من العوامل غير المركزية في نشأت الرواية الجديدة.
*العوامل الثلاثة الأخرى غيرت مجرى التاريخ، أما حرب التحرير الجزائرية فقد كانت شبيهة بمثيلاتها العربية، ومحصورة في رقعة جغرافية محدودة.
-الثورة الجزائرية في تاريخ القرن العشرين بالتأكيد تعد حدثاً كبيراً، لأنها لم تكن حدثاً عربياً، فقد كانت بين شعب عربي، ودولة أوروبية كانت مقيمة فيه أكثر من قرن، وكانت الفرنسية هي السائدة، ثم إن علاقة الفرنسيين بالجزائر علاقة موطن بوطنه. هكذا كانوا يعتقدون فنجد كثير من الفلاسفة الفرنسيين، ولدوا بالجزائر منهم: "جاك دريدا"، والمعجم المهشور: "بول روبير" ومستشرقون كبار مثل "جاك بيير" الجزائر لا تزال حاضرة، ولو كانت تشاهد قنوات التلفزة الفرنسية إلى اليوم لا يزال الحديث على أشده بين المثقفين الفرنسيين، يتحدثون عن الحرب التحررية الجزائرية. فإذا كانت الأحداث الأخرى أثرت عالمياً، فثورة التحرير أثرت محلياً في الفرنسيين، وعندما كانت الرواية الجديدة أساساً فرنسية فإن هذا المكون يمكن أن يكون من المكونات التي أنشأت الرواية الجديدة.

*في أثناء الحرب الجزائرية تزامن معها ظهور نهضة في العمل الروائي الجديد، والنقد الروائي الجديد – أيضاً- في فرنسا ألا يمكن أن يكون هذا محض مصادفة، وبالتالي ليس للحرب الجزائرية أي تأثير في ظهور الرواية الجديدة.
-أعتقد مصادفة أكثر منها سببا.ً أولاً كانت هناك صدمة للفرنسيين إذا انطلقنا من مبدأ أن المذاهب الفنية والنقدية، هي فرنسية أساسا.ً فاسمح لي نتحدث قليلاً عن التجربة الفرنسية الاستعمارية، كانت هناك هزيمتان كبريتان لفرنسا، في (ديانفو) في الفيتنام في 1954م، وفي السنة نفسها اندلعت الثورة الجزائرية التي، تطالب برحيل الفرنسيين، فقاوم الفرنسيون لمدة سبع سنوات، وفي النهاية استسلموا، وقبلوا بتقدير المصير للجزائر، والذي أفضى إلى استقلال الجزائر. هاتان الحادثتان الكبيرتان هزتا الفرنسيين، لأن "ديانفو" كانت هزيمة شنعاء للجيش الفرنسي، وأيضاً حرب التحرير الجزائرية كانت هزيمة بشعة للجيش الفرنسي. فقد بلغ تعداد الجيش الفرنسي في الجزائر في 1961م نصف مليون جندي مدججين بمختلف الأسلحة. كل هذا لم يفد شيئاً أمام شعب بسيط أعزل من السلاح، أحياناً يستخدم البنادق، وأحياناً يستخدم السيوف، فهذه كانت صدمة رهيبة، لذلك نشأت "البنيوية"، أو النقد الجديد عن الرواية الجديدة التي ظهرت في منتصف القرن العشرين، أي في الخمسينيات. في حين أن النقد البنيوي الذي ظهر بعضه في الخمسينيات إلاّ أن ازدهاره كان في الستينيات من القرن العشرين.
وانتهت هذه الثورة الفكرية بمظاهرة الطلبة التي كان يقودها "جان بول سارتر" الذي رفض جائزة نوبل في الآداب. قاد مظاهرة الطلبة سنة 1968 وأفضت إلى تغيير النظام الفرنسي.
إذا كما نلاحظ هناك أحداث اجتماعية ، وسياسية، وتاريخية، وعسكرية أفضت إلى تغيير الرؤية ، والنظرية النقدية العالمية ممثلاً في النقد الفرنسي، وتأسيس ما يطلق عليه الفرنسيون "النقد الجديد" وهو صورة للرواية الجديدة، يعطينا تصوراً أن النقد الجديد لا يتعامل مع المرجعية الاجتماعية ، ويرفضها، وهي مرجعية مقدسة في النقد الاجتماعي، التقليدي، يعني عند الماركسيين، وعند العرب مثل طه حسين، وعند النقاد التقليديين. وعند ما جاء النقد الجديد الذي يعول على اللغة، ورفض هذه المرجعية، ويقول: الآداب كله لغة، واللغة ليس لها معنى، وإنما اللغة هي نظام يتشكل، ويعمل داخل نفسه، ولا توجد حقيقة تاريخية، ولا غير تاريخية خارج هذه اللغة؛ فكانت ثورة في الرؤية النقدية انطلاقاً من الرؤية الإبداعية في الرواية الجديدة.




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر