نصر طه مصطفى -
تأملات في تجربة سياسية وإنسانية نادرة (4 – 5)
في تصوري أن الرئيس علي عبدالله صالح كان ولازال أكثر القادة في تاريخ اليمن المعاصر حرصاً على استطلاع الآراء وتوسيع دائرة التشاور منذ بداية عهده وحتى الآن رغم أنه أكثر هؤلاء القادة قدرة على التفرد بالقرار إن رغب، ليس فقط بسبب الفترة التي قضاها في الحكم بل إلى ذلك بسبب كثرة الإنجازات الاستراتيجية التي تحققت في عهده،
ومع ذلك فإن هذا التفرد بالقرار لم يحدث... والقرار الذي أعنيه هنا هو ذلك النوع من القرارات المصيرية والكبيرة وذات الأبعاد الهامة المرتبطة بحاضر ومستقبل البلاد في مختلف المجالات وليس القرارات الاعتيادية المتعلقة بإدارة الشؤون اليومية في البلاد، وأدرك أن الكثير من المعارضين لا يصدقون هذا الكلام فهم يقنعون أنفسهم دوماً بأن هذا الرجل ينفرد بالقرارات لا يستشير أحدا دون أن يكون لديهم أي مستند يؤكد ظنونهم ويعزز أوهامهم!
أقول ذلك عن يقين وعلم تام فليس هناك قرار كبير اتخذه الرئيس دون أن يتشاور فيه مع أحد من مساعديه ومستشاريه بل إنه منذ الشهور الأولى لتوليه الحكم أصدر قراراً بتشكيل المجلس الاستشاري برئاسته بهدف تنظيم عملية التشاور في القرارات، إضافة إلى امتداد دائرة الاستشارة إلى خارج إطار ذلك المجلس لتشمل العديد من القيادات صاحبة الرأي... وفي جميع المحطات الهامة على مدى العقود الثلاثة الماضية لم يكن الرئيس ليقطع في قرار إلا بعد إعطائه ما يستحقه من التداول والتشاور والدراسة وترجيح الخيار الأفضل ابتداءً بأول مشكلة واجهها والناتجة عن تداعيات اغتيال سلفه الرئيس أحمد الغشمي وحتى آخر محطة الآن والخاصة بمشروع التعديلات الدستورية المقترحة وبينهما عشرات القرارات الخطيرة والمصيرية... وعندما أقول أني على علم بذلك فلأني كصحفي كنت أتابع مثل هذه الأمور وخلفيات كل موقف أو قرار تم اتخاذه، لكن لمن لا يعلم أنصحه الرجوع الى كتاب يوميات الرئيس الصادر في ثلاثة أجزاء عن دائرة التوجيه المعنوي وهو سيوضح للمهتم الموضوعي هذا الأمر من خلال متابعة كم الاجتماعات التي كان يعقدها الرئيس باستمرار سواء مع المجلس الاستشاري أو مع الحكومة ولاحقا مع اللجنة العامة للمؤتمر عقب تشكيله في أغسطس 1982م وهذه بالطبع الاجتماعات المعلنة إلى جانب أضعافها من الاجتماعات التشاورية مع كثير من المعنيين لم يكن يجري إعلانها.
لا يعني حديثي أن من سبقه من القادة لم يكونوا يتشاورون مع أحد، فما أعنيه أن الرئيس علي عبدالله صالح كان أكثرهم حرصًا على التشاور إلى درجة أصبح معه سلوكا لا يتخلى عنه، وهذا بلاشك ما جعل معظم قراراته صائبة وتؤتي نتائج إيجابية باستمرار وجنبته الكثير من المزالق التي كاد يقع فيها... ومن المهم الإشارة هنا لمسألة في غاية الأهمية وهي أن الرئيس صالح وهو عسكري بالأساس إلا أنه كان يعتمد في القرارات السياسية – وهي الأكثر – على السياسيين المدنيين بحيث لم يكن يقحم العسكريين فيها وهو الأمر الذي انتهجه منذ وقت مبكر جدا عقب انتخابه، كما كان يعطي الاقتصاديين كامل الصلاحيات في اتخاذ القرارات المناسبة قبل عرضها عليه للمصادقة النهائية، إضافة إلى اعتماده على العسكريين فيما يتعلق بمعظم القضايا المتعلقة بشؤون الجيش والأمن... ومع اتساع الدولة ونشاطاتها خاصة بعد حرب صيف 94 أعطى الرئيس الكثير من الصلاحيات للحكومة والوزراء والمحافظين، وإن كان بعض المسؤولين – للأسف الشديد – لم يقدَّروا هذه الثقة سواء من حيث استغلالها بطريقة سلبية تخدم ذواتهم، أو من حيث عجزهم عن تحمل المسؤولية وبحثهم الدائم عن توجيهات عليا لإدارة شؤون وزاراتهم أو مؤسساتهم... ولعل ذلك يفسر سبب كثرة التغيير والتبديل في الحقائب الوزارية خلال السنوات السبع الأخيرة على خلاف ما كان عليه الأمر من قبل، الأمر الذي يجعلنا نقول دوما كان الله في عون الرئيس الذي يريد أمثال هؤلاء – بقصد أو بدون قصد – تحميله نتائج تقصيرهم بسبب عجزهم عن القيام بواجباتهم المنصوص عليها في القوانين النافذة... وللحديث تتمة أخيرة بإذن الله...
[email protected]