حنان محمد فارع -
مدرسـة الغـد !
في نص الخطاب الذي ألقاه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - مؤخراً في حفل تدشين المراكز الصيفية والمخيمات الشبابية أكد أهمية إعادة النظر في المناهج الدراسية على ضوء المستجدات الحديثة وتعميق روح الولاء والانتماء الوطني وبناء جيل معتدل لا مكان فيه للغلو والتطرف والعنصرية والمناطقية ويحارب أعداء التنمية من متمردين ومخربين ومرتدين،
من تلك المقتطفات المقتضبة نستطيع استخلاص معظم الاحتياجات والآمال للمرحلة القادمة في مجال التعليم إلى نقطتين هامتين : الأولى العمل على تنمية قدرات المؤسسات التربوية والتعليمية ( تجديدها وصيانتها )، والثانية : خلق جيل يدمن حب الوطن ويؤمن بالتسامح وتقبل الآخر، بترجمة هاتين النقطتين على أرض الواقع يتحدّد مصير المجتمع ومستقبله.
الملفت للاهتمام أن دعوة الرئيس في إعادة النظر بالمناهج التعليمية جاءت متزامنة مع إعلان انتهاء الحرب في صعدة ؛ حيث ثمة التنبه مباشرةً إلى ضرورة الاستمرار في البناء والنهضة، ومن الطبيعي أن مرحلة الانطلاق تبدأ من البنية الأساسية ( التربية والتعليم ) وإعداد جيل قادر على تحمل مسؤولية المستقبل، في تصوري إن هذه المهمة ستتحقق من خلال وضع ملف خاص بـ (مدرسة الغد ) يتضمن كل آليات التغيير في مسيرة العملية التعليمية وبذل الجهود لإحداث تحول شامل في هذا المجال الحيوي وتنشئة جيل متزن قادر على معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية وجميع المسائل الاقتصادية ومتأصّل في هويته الوطنية والحضارية لا يستسلم لمحاولات التغرير به .
الكارثة الحقيقية ، إن مناهجنا لا تحمل أهدافاً مستقبلية ، فلم تُحدث - خلال الأعوام السابقة - أية تغييرات جذرية في المجتمع ولم نلمس انعكاس صور آثارها الإيجابية على واقعنا ليؤكد فعاليتها في رفع القدرات الطلابية وإعدادهم بالشكل الأمثل لتمكينهم من تحمل مسؤولياتهم تجاه الوطن ، وإذا شئنا أن نؤسس لمدرسة الغد لتتحول إلى ممارسة حقيقية ، يلزمنا الوعي بما تعنيه الكلمة من الاستناد إلى رؤية منفتحة قائمة على الانفلات من المسلمات التي تفرضها سطوة وهيمنة القديم ، فالوعي يعزز الثقة بالذات والتخلص من الإحساس بالدونية ، وترسيخ هذا الوعي سيبدو جلياً في صياغة آلية تعليمية تتكفل بتنفيذ شروط الانخراط في الحداثة والحضارة الكونية، بنفس الوقت التجذر في الهوية الوطنية والثقافية، مما يؤهل إعداد أجيال منفتحين على التنوع يحملون قيم التسامح وتقبل الآخر ومتمسكين بالهوية والأرض .
رسم تصورات ملامح مدرسة الغد يبدأ بإصلاح أهداف ومبادئ التربية والتعليم؛ حيث تتركز العملية التربوية على توفير الكفاءات والمهارات القادرة على الإيفاء بما تستوجبه التنمية الشاملة والحياة في مجتمع مدني مؤسساتي يقوم على التلازم الأساسي بين الحرية والمسؤولية ، ففي مدرسة الغد تتجاوز العملية التعليمية وظيفتها التلقينية من ترديد وحفظ واقتصارها على تأهيل الطالب لتأدية الامتحان ، إلى إعداد شخصية علمية مفكرة لتغدو المدرسة فضاءً خصباً يساعد على تفجير الطاقات الإبداعية واكتساب المواهب في مختلف المجالات وتكون جزءًا في عملية تحديث العقليات ونشر التوعية وغرس مفاهيم المجتمع المدني .
أما مكانة المعلم في مدرسة الغد لا يأتي من كونه إنساناً يعمل في مؤسسة اجتماعية فحسب بل من نوع العمل الذي يؤديه في تربية الناشئة وإعدادهم ، فهو الموجه والمنسق ويعكس جواً من التفاؤل والمرح أثناء سير العملية التعليمية؛ حيث سيتم في مدرسة الغد التركيز على تغيير العلاقة التسلطية القائمة بين المعلم والطالب المعتمدة على العقاب الجسدي والتوبيخ وكل العقوبات التي تهدم شخصية الطلاب وتقيّد حركتهم وتزرع الخوف والاضطراب في أنفسهم بما لا يتفق مع المبادئ الديمقراطية كونها تلغي جو الحوار والنقاش والتفكير والاستنتاج والبحث عن الحقيقة وتعطل الحس النقدي عند الطالب ، وتكون الدراسة عبارة عن حلقات نقاش وحوار خروجاً عن العادة التقليدية الخالية من التفاعل ليتحول الطالب إلى عنصر مشارك في العملية التعليمية .
يبقى التأكيد على أهمية توفير الوسائل والأجهزة التعليمية من تقنيات وأدوات مساعدة التي تخلق عنصر الإثارة والتشويق وتختصر الوقت والجهد وتسهم مساهمة فعّالة في تحقيق الأهداف والغايات، على أننا في مدرسة الغد لن ننسى عمل صندوق طلابي لتمويل الأنشطة المتعددة وتقديم خدماته للطلاب المحتاجين ، فمتى يلقي الغد بظلاله علينا ؟!