د/عبدالعزيز المقالح* -
هيئة لمحاربة الفقر
حقاً إن الإنسان ليشعر بالذهول تجاه الانهيار الفادح الذي تعاني منه الأمة العربية والإسلامية، ليس في جوانب السلوك الأخلاقي والانحراف في أساليب التعامل بين الأخ وأخيه والجار وجاره والموظف وزميله فحسب، وإنما في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية، حيث التدهور المتلاحق للقيم الروحية والإنسانية، واحتقار الحياة والازدراء بكرامة البشر وأرواحهم، وكل ذلك أو في الغالب الأعم، يتم بسبب تزايد السكان واتساع دائرة الفقر.
ومن هنا فكم هو رائع وجميل أن تنشأ في الأقطار العربية والإسلامية أكثر من هيئة وجمعية لمحاربة مصدر الرذائل جميعاً، وهو الفقر ذلك الذي وصفه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله "كاد الفقر أن يكون كفراً"، وقال عنه في مكان آخر "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" ذلك لما يمثله هذا العدو اللدود في حياة البشر من مداخل نحو الانحراف في السلوك واندفاع إلى ارتكاب أبشع الجرائم، تحت وطأة الفاقة والحاجة للمتطلبات الضرورية التي يصعب الاستغناء عنها.
إن الفقر والرذيلة صنوان متلازمان لا يفترقان، ويكفي ما يسببه الفقر في المجتمعات بعامة من احتقار لمعنى الحرية والكرامة، ومن تقبل للإذلال وبيع للأعراض والوصول ببعض الفقراء إلى بيع أطفالهم أو التخلص منهم بالقتل، وفي بعض الصحف العربية وغير العربية تفصيلات وافية لمن يريد معلومات أكثر في هذا المجال, وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الإنسانية بعامة وفي تاريخ العرب والمسلمين بخاصة حين كان نظام التكافل سائداً، وكان في أموال الأغنياء حق معلوم للسائل والمحروم، ولهذا فإن من أراد أن يتصدى للرذيلة في مكمنها فما عليه إلا أن يبدأ من هنا من مواجهة أكبر جبهة تنشر الفساد الأخلاقي والاجتماعي، وتكشف أسوأ ما في الإنسان من نزعات الشر.
إن الفقر، والفقر وحده هو الذي يفسد روح الإنسان ويمسخ سلوكه، ويجعله في حالة استعداد للعبودية بكل أشكالها السياسية والاجتماعية, والفقر هو الذي يجعل بعض البشر على هذه الدرجة من الانحطاط الأخلاقي والإنساني, ومنذ القدم كان شعار طغاة الأرض "جوِّع كلبك يتبعك" وهو الشعار الذي تحول فيما بعد إلى جوِّع شعبك يتبعك، ثم خرج هذا الشعار أخيراً من يد الحكام الطغاة إلى يد القوى الدولية المهيمنة، التي زين لها شيطانها بأن الشعوب الفقيرة تكون دائماً أكثر استعداداً للطاعة والموافقة على التبعية دون قيد أو شرط، وأن فكرة السيادة والكرامة والانتماء الديني والقومي لا تلبث أن تتلاشى تحت وطأة الجوع والحاجة.
صحيح أن هناك رجالاً مؤمنين صادقين في كل شعب، وأنهم يقبلون الموت جوعاً ولا يفرطون في ذرة من إيمانهم أو في أوطانهم، إلا أن هؤلاء قلة واستثناءات، وصحيح أيضاً أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها، ولكن الإنسان خلق ضعيفاً، ومن هذا الضعف تتسرب الانحرافات والانكسارات، وتتوالى مشاهد الانهيارات الأخلاقية في أبشع صور لها في أوساط العائلات التي تعيش العوز والفاقة. وفي هذه الأوساط تروج الزيجات المنحرفة وفي مقدمتها الزواج السياحي، الذي كانت بلادنا وما تزال تشهد فصولاً مؤلمة وجارحة منه، وقد يكون في بعض الأقطار العربية أوجع وأفجع وأشد هولاً لما تعانيه تلك الأقطار من بؤس وحرمان يتصاعدان مع مرور الأيام والأعوام.
الروائي عبدالله عباس الإرياني في مسرحية "سيدة النهرين":
استطاع عبدالله عباس الارياني في وقت قصير أن يثبت وجوده في عالم الكتابة الإبداعية من خلال أعماله القصصية أولاً، ثم الروائية ثانياً، وأخيراً المسرح. في هذا العمل المسرحي الجديد (سيدة النهرين) يتناول ملامح من حياة السيدة أروى بنت أحمد التي حكمت اليمن في النصف الأول من القرن الخامس الهجري. شخصيات المسرحية حقيقية عاصرت حكم السيدة أروى، وكان لها دورها البارز في نظامها المجيد الذي امتد لأكثر من خمسة وأربعين عاماً. والنهران اللذان تشير إليهما المسرحية كانا يحيطان بمدينة جبلة وما تزال آثارهما باقية حتى اليوم.
تأملات شعرية:
بين الفقر وبين الكفر
جناسٌ في المبنى والمعنى
وجناسٌ في قتل الإحساسْ.
يا فقراء العالم:
الأرض حَنونٌ كالأم
ومثقلةُ بالخيرات
ولكن العيبَ هنا
في سوء القسمةِ
في جشع الناسْ!!
*عن الثورة