عبده محمد الجندي* -
تحية لهذا الرجل العظيم
وهكذا يؤكد واقع العلاقة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية الحاكمة والمعارضة أن فخامة الأخ رئىس الجمهورية هو صمام أمان للتجربة الديمقراطية اليمنية؛ ليس فقط في مجال تسوية ما يحدث من الخلافات التي تؤدي إلى خلق الأزمات السياسية؛ بل في مجال تمكين المعارضة أو أصحاب الأقلية البرلمانية من إملاء شروطهم على صاحب الأغلبية البرلمانية الساحقة في مراجعة القوانين وتعديلها بما يؤدي إلى استيعاب وجهة نظر أصحاب الأقلية حتى ولو كانت تستهدف الحد من السلطات الدستورية والقانونية لأصحاب الأغلبية..
وعلى وجه الخصوص تلك القوانين المتعلقة بالحقوق والحريات وفي مقدمتها قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات بذات الأسلوب الذي تمخضت عنه الحوارات الطويلة بين المؤتمر الشعبي العام وبين أحزاب اللقاء المشترك، وما انتهت إليه من نتائج تعكس حرص رئيس الجمهورية على الانتصار لوجهة نظر المعارضة والاستجابة لما لديها من مطالب أقرب إلى الذاتية منها إلى الحقوق المكفولة في منظومتنا الدستورية والقانونية بما في ذلك الإفراج عن المحتجزين على ذمة ما شهدته بعض المحافظات الجنوبية من أحداث شغب موجبة لتدخل الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية في هذه المحافظات بحكم مسئولياتهم على حماية الأمن والاستقرار والحفاظ على السكينة العامة من الممارسات الفوضوية وغير المسئولة.
ومعنى ذلك أن الرئىس علي عبدالله صالح الذي فاجأ الشعب بقرار إيقاف العمليات العسكرية في بعض مناطق محافظة صعدة، وتوجيه الحكومة بإعادة إعمار ما خربته الحرب في أجواء آمنة ومستقرة لا يسأل فيها المتهمون باللجوء إلى تلك الممارسات التخريبية والضيقة من باب الحرص على تكريس نهج العفو والتسامح والسلام؛ هو نفسه الرئيس صالح الذي انتصر لوجهة نظر أحزاب المعارضة على الحزب الحاكم في تعديل القانون وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والإفراج عن المتهمين بإثارة النزاعات المناطقية والانفصالية.
أقول ذلك وأقصد به أن إرادة الشعب الديمقراطية الحرة التي قالت: «نعم» لهذا القائد العظيم لم تكن تجهل لماذا انتخبته من بين غيره من المترشحين للانتخابات الرئاسية الثانية بقدر ما هي على وعي لا يجانبه الصواب، في حين التقييم والتقويم لهذا النوع من المرشحين السياسيين المجربين في تجربة عملية وفي ظروف تاريخية بالغة الصعوبة والخطورة الوطنية؛ حيث استطاع هذا الرجل أن يخرج اليمن من أزمات أسفرت عن صراعات وحروب أهلية كانت ستكون ذات عواقب كارثية وخيمة على وحدة الوطن والشعب وثورته ونظامه الجمهوري ومنجزاته التاريخية العظيمة التي غيّرت وجه التاريخ وأعادت الأمل لجماهير الشعب صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بتحقيق حلم البوسطاء والمحرومين في حياة معيشية معقولة ومقبولة.
لذلك يكشف الواقع كل يوم أن المعارضة التي كانت نداً له في الانتخابات الرئاسية الماضية انحيازاً لصالح مرشحها الرئاسي تدرك هي الأخرى في أعماق النفوس والقناعات الخاصة أنها لا تستغني عنه وعن حكمته ورعايته للتجربة الديمقراطية اليمنية مهما كابرت وتظاهرت بأنها تعمل بكل ما لديها من الطاقات والامكانيات على وضع حد لزعامته من باب الحرص على سعيها المشروع للتداول السلمي للسلطة وإدراكها المسبق أنه الأفضل في مقارنته مع مرشح بديل من حزب الأغلبية الحاكم سوف لا تتورع في لحظة معارضة مع النفس أن تكشف عن قناعاتها الحقيقية المكبوتة أن استمرار الرئيس من الأولويات الملحة التي تحتمها رعايته الأبوية للتجربة اليمنية التي اتسمت بالإنصاف والموضوعية للتجربة الديمقراطية الناشئة؛ لذلك تجدها بعد تجربة مريرة تراهن على الانتخابات النيابية الممكنة أكثر من الرهان على الانتخابات الرئاسية المستحيلة بعد أن أكدت التجربة الأخيرة المستمدة من آخر عملية انتخابية تنافسية حرة ونزيهة أن حاجة المعارضة لرعاية هذا الزعيم لا تقل أهمية عن حاجة الحزب الحاكم لرئاسته؛ لاسيما أن المعارضة في بلادنا مازالت في بداية ممارستها لتجربتها التنافسية لا تقوى على الاحتكام للمؤسسات والدستور والقوانين النافذة في تعديل القوانين وتشريعها كما هو معمول به في العالم؛ ناهيك عن تطبيقها دون مراعاة لما تطالب به المعارضة من تعديلات عبر الحوارات الحزبية الثنائية الملزمة للكتل البرلمانية الممثلة لصاحب الأغلبية والأقلية.
ومعنى ذلك أن المعارضة هي المضطرة للهروب من الأغلبية الساحقة في تعديل القوانين التي كانت شريكة في إعدادها حينما كانت طرفاً في الحكومات الائتلافية السابقة؛ ولا تجد الاستجابة لما لديها من ملاحظات تستهدف تقييد الحزب الحاكم بقيود قانونية مبررة بالحرص على نزاهة وحرية وشفافية العملية الانتخابية سوى باللجوء إلى فخامة الأخ رئىس الجمهورية، رئىس الحزب الحاكم، بحكم ما تعرفه عنه من قلب مفتوح وعقل لا مجال فيه للعصبية الحزبية المنفرة والجائرة لاسيما وقد عُرف عنه من خلال ماضيه السياسي وتجربته الطويلة في الحكم أنه الأقدر على تقديم التنازلات للأخذ بيد الأضعف دون اللجوء إلى حسابات حزبية ضيقة نابعة من خوف على السلطة ومن طمع فيها.
لأن المصلحة الوطنية لديه مقدمة على المصلحة الحزبية الضيقة مهما حاولت المعارضة المنفعلة أن تلجأ إلى ذلك النوع من الممارسات المستفزة؛ إلا أن الرد عليها لا ينبغي أن يكون مستفزاً، وأن يتسم بعدم الحرص وبالأساليب المنفرة لأن الهدف من وجهة نظره المسؤولة عن الجميع هو الإصلاح وإعادة المنفعلين إلى جادة الصواب عن طريق الاستماع إليهم وإلى ما لديهم من وجهات نظر والاستجابة لما ليدهم من مطالب معقولة ومقبولة مهما بدت غير ديمقراطية.
فذلك أفضل بكثير من الردع والقمع والصد الذي لا يثمر سوى المماحكات والمزايدات والتمرد على العملية الديمقراطية، واستبدال علاقة الاختلاف بعلاقة عدائىة بين طرفي العملية السياسية الحاكمة والمعارضة وما ينتج عنه من تمترس وتضاد ناتج عن حب الأنا والأنانية وغياب المصداقية بصورة لا تخدم المنافسة الشريفة ولا ينتج عنها سوى تراكم الأحقاد وما تسفر عنه من علاقات عدائىة وغير طبيعية وغير حريصة ليس بمصلحة العملية الديمقراطية الموجبة للشراكة والتعاون وتبادل التنازلات من القضايا ذات الصلة بالمصلحة الوطنية العليا للوطن والشعب مهما حدث من خلافات انتخابية في سباق المنافسة على التداول السلمي للسلطة بين صاحب الأغلبية وصاحب الأقلية ومحاولة كل طرف أن ينال ثقة الهيئة الناخبة بأساليب تنافسية دعائية مشروعة طالما كانت مبررة بالفوز في ثقة الهيئة الناخبة.
إن تعديل قانون الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والإفراج عن المحتجزين على ذمة المظاهرات الصاخبة المطالبة بالانفصال وما تخللتها من أحداث شغب قد تكون تنازلات محسوبة لصاحب الأغلبية أكثر مما هي منجزات منتزعة بقوة وشطارة صاحب الأقلية لا ينبغي الركون إليها في تحقيق أكبر قدر من النجاح في أول محطة انتخابية نيابية من قبل أحزاب المعارضة دون شراكة الحزب الحاكم حتى لا تصب هذه الإجراءات في مصلحة الطرف الأقوى الذي يضع نفسه في مواقف الإكبار والإجلال بما يقدم عليه من تنازلات لمصلحة صاحب الأقلية.
ومعنى ذلك أن النجاح والفشل محكومان بسلسلة من المواقف والأقوال المطابقة للأفعال توجب إعادة النظر بما لدى الحزب المعارض من اختلالات ذاتية في بنيته التنظيمية أو في لوائحه الداخلية أو في برامجه وخطاباته السياسية والإعلامية المستفزة؛ لأن ضعف المصداقية والموضوعية يؤديان إلى المباعدة بين الحزب وبين ثقة الهيئة الشعبية الناخبة التي تكونت لديها الكثير من تراكمات عبر تجربتها مع مثل هذه الخطابات، فالأحزاب والبرامج الشمولية التي تتخذ من لغة الشعارات مدخلاً لم يعد مقبولاً من الهيئة الناخبة المجربة والميالة إلى الاعتدال والموضوعية المجربة.
وخلاصة القول إن الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تقول: شكراً لهذا الرجل العظيم على نبل مواقفه وسعة صدره لمثل هذه الحوارات الديمقراطية لكي تثبت أنها صاحبة مواقف منصفة تقول كلمة حق حتى ولو لم يكن يندرج في نطاق ما لديها من حسابات وتقديرات المواقف المسبقة؛ لأن الشعب يعلم أن الفضل فيها يعود إلى راعي الديمقراطية الذي لا يمكن الرد عليه إلا بالمزيد من التحية والتقدير على تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية باعتباره رئىساً لكل اليمنيين حزبيين كانوا أو مستقلين، حاكمين كانوا أو معارضين.
*عن الجمهورية