عبدالله السالمي -
من تزاوج الديني والقبلي إلى وأد الحداثة..تجمّع الإصلاح وتوليفة الجنس الثالث !!
في تركيبة التجمع اليمني للإصلاح تتداخل حالة (المشيخ) الدينية مع القبليّة، فمسمّى شيخ في عرف القبيلة والعشيرة هو ذاته الذي يشار به إلى الرائد في زعامة المذهب الفقهي، أو الطريقة الوعظية.. وما بين قواعد المذهب وأعراف القبيلة ينتصب الشيخان على امتداد واسع من العادات والتقاليد التي أخذت من الجانبين بنصيب وافر، فلم يعد يصدق عليها الانتماء إلى واحد منهما، بقدر ما هي أكثر شيء شبها بالمسخ أو الجنس الثالث..
عدى عن استثناء فردي هنا وآخر هنالك فإن تجمع الإصلاح في مجمله ليس إلا الدين في إسار القبيلة، أو القبيلة في رداء الدين، التقاءً على تكريس نزعة السيطرة في زمام الفرد أو الفئة المصطفاة، سواء منها ما ينحو وجهة التعالي والإحساس بالغيريّة تحت دعوى الاستمداد من قداسة النهوض بشأن النص المقدس كما هو لدى الجانب الديني، أو السلالة التي ينتهي إليها أمر العرف والحكم فيه والتزعّم باسمه كما هو حال الاتجاه القبلي .
تحصيل حاصل
وغنيٌ عن القول هنا إن الحديث عن الدين أو القبيلة، أو كليهما، ليس على إطلاقه، ذلك أن دين الله ومنهجه المقدس مما لا خلاف على تعظيمه وتنزيهه، كما هو الأمر ذاته - وإن بدرجات متفاوتة لا تعدو الاحترام- بالنسبة للجوانب الايجابية في القبيلة وأعرافها.. غير أن ما يطال حزب الإصلاح من نقد في هذا التناول، وإن بدا فيه استخدام مفردتي الدين والقبيلة فإنه لا يعنيهما بالتبيين الذي سبق , بقدر ما يقصد الإشارة إليهما في تعاطي البشر الذي يبقى بشريا وأرضيا قابلا للأخذ والرد مهما ادعى الالتصاق بالسماء والصدور عنها ...
المعنيّان بالخطاب -إذاًَ- هما الدين والقبيلة في توليفة حزب سياسي اسمه (التجمع اليمني للإصلاح).. وطالما وقد أصبحا طرفين متداخلين في تركيبة حزب سياسي فلم يعد لهما من الدين والقبيلة إلا الاسم، ذلك أن لعبة السياسة في الحزب المحترف -إياه- لم تبق عليهما شيئا من سماحة الدين وعفوية القبيلة, ووحدها المظاهر التقليدية الرجعية النابية عن تراكمات من أخطاء البشر واجتهاداتهم القاصرة هي ما ينطوي عليه تجمع الإصلاح في تديّنه المزعوم وقبليّته البائدة ..
لا ثالث لهما
وإلى هنا فلا أعتقد أن ثمة من جديد في الموضوع , فكون الإصلاح يجمع في قوامه التيار الديني إلى جانب القبلي مسلمة لا جدال فيها.. فهل استجدّ شئ ؟
لقد كان الواحد منا يجيز لنفسه - مع كثير من الدارسين - الإشارة إلى بوادر يمكن أن تُوجد من عباءة الديني والقبلي - بمرجعيتهما السلفية التقليدية - في منظومة الإصلاح توجهاً ثالثاً قد يجوز وصفه بالليبرالي والحداثي.. هكذا كان يتوقع المراقب لمخاض الإصلاح الذي طال مع الأيام إيغال مراجعه ومرجعياته في التقليد والماضوية , ليس لأن عامل الوقت كفيل بتجاوز الماضي والانفتاح على الحاضر , وليس لأن الأيام في طريقها إلى التحييد القسري لمراجع الحزب الشيوخ من ممارسة دور الوصاية - العلمية والعملية - على الأجيال الشابة, وليس لأن الضغط الشديد باتجاه أقصى اليمين مما يؤذن مع الوقت بانهيارٍ وتداعٍ وانفلاتٍ صوب أقصى اليسار ... ليس لذلك كله وغيره معه, وإنما لأن في الجيل الجديد من الحزب العتيق من بدا يظهر امتعاضه الواضح من سياسة الحاكمية المطلقة التي يدير بها شيوخ الإصلاح - من الوجهتين - شئون الحزب كما لو كانوا هم الصفوة من الأنبياء والمرسلين الذين يتوجّب لهم على أتباعهم السمع والطاعة فيما يبلغونه عن الله...
هكذا كان يتوقع البعض , فالايديولوجيا السلفية التقليدية التي تحكم خناقها على كل مفاصل حزب الإصلاح وحراكه السياسي والاجتماعي قد دفعت ببعض شبابه إلى الاعتراض على سلطتها الجائرة, ومحاولة التطلع إلى قراءات واجتهادات تحرّريّة تقصد البحث عن منجد من غياهب الرجعية, ولقد كان لبعض هؤلاء كلمة حق هنا وموقف صدق هناك، إذ بدوا كما لو كانوا مجتمعين يحدثون ثقبا للضوء والتهوية في حنايا جدار معتم مهول.. لكنه لم يدم الحال طويلا فقد تكالبت عليهم مرجعيات السلفية التقليدية ومراجعها بأعباء القرون الأولى .. فلم يعد هناك ما يشكل نواة لتوجه ليبرالي حداثي.. ولم يعد يصح الحديث عن تجمع الإصلاح حال بيان قوامه إلا بحصره في سلطتي التديّن السلفي والقبليّة التقليدية..
وشهد شاهدٌ..
إن ذلك هو الاستنتاج الطبيعي الذي يمكن أن يصل إليه الدارس ويقطع به بعد انتهائه من قراءة حوار أسبوعية (الجمهور) مع رئيس مجلس شورى الإصلاح الشيخ محمد علي عجلان , المنشور في العدد (23) يوم 23/8/2008 م..
الحوار الذي جاء كوثيقة نظرية وعملية - باعتبار ما يصف من وقائع ويرسم من معالم قام ويقوم عليها الحزب, وباعتبار صدوره عن هذه السلطة العلوية فيه - هو بمثابة الحكم الناطق على أحداثيات ما كان فيه الإصلاح من تداعيات ائتلاف التدين السلفي الرجعي بالعادات القبلية التقليدية, وكذلك التوصيف الصادق لجوهر ما يحكم هذا الحزب من سياسات الإقصاء القائمة على نزعة الايديولوجيا المتفرّدة المنغلقة على الذات، والتي لا يمكنها بأي حال من الأحوال مسايرة تسارع الحياة بمكوناتها الحداثية, وإمكانية التعاطي الأسلم معها حاضرا ومستقبلا ما دامت بتلك النزعة الماضوية التي لا تقبل التحديث والتجديد..
من نصوص الشهادة
فيما يلامس هذه التناولة بشكل مباشر قال الشيخ عجلان وهو يصف بنية الحزب والأسس التي قام عليها: (الاتجاه الإسلام ) وفي موضع آخر: (نحن عندنا أولا كتاب الله وسنة رسوله هذا ما نؤمن أنه يجب أن يكون مرجعية كل أحد سواء كان فردا أو أسرة أو تنظيما أو نظاما أو شعبا أو دولة.. ) ويمضي في الحديث: (كل ما عندنا من أدبيات ومن أنظمة مرجعها إلى هذه المرجعية, فنحن نعطي المرجعية بالدرجة الأولى - كغيرنا من المسلمين - لحكم الإسلام ولكتاب الله ولسنة رسوله, وعندنا هذا هو الشيء المقدس الذي لا يجوز أن يتخطاه أحد) ثم يورد قوله تعالى: ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم..).. وعن معاهدهم العلمية التي كانت يقول: (إن المعاهد العلمية جاءت برغبة من الأمة لتعليم أبنائها المنهج الإسلامي..).. وردا على سؤال أن هناك من ينتقدهم باعتبارهم وقفوا ضد ملامح تحديث الدولة أشار إلى أن هذا هو التحديث الذي يعد خروجا عن الأصول والثوابت المقررة، أما التحديث الذي يأخذ من الأصل - من المفيد والصالح - فإنهم من أنصاره ودعاته حدّ قوله..
وفي سياقين منفصلين عن تبدّل المواقف في تعاطي حزب الإصلاح مع الأحزاب التي صار يضمها المشترك قال الشيخ عجلان) :نحن مع مصلحة البلد حيث كانت, ومع مصلحة الإسلام بالدرجة الأولى ).. كان ذلك بصدد الاشتراكي, أما عن حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية فيقول: ( كانت ظروف وقفنا فيها موقف التنافس على ما هو مصلحة البلد والتمكين للإسلام والمسلمين في هذا البلد..)..
وإن تعجب فعجب قولهم!!
هكذا هو الإصلاح كما يقدمه رئيس مجلس شوراه بكل بساطة.. حزب تربّى في أحضان الإسلام، وهمه بالدرجة الأولى مصلحة الإسلام وتمكين الإسلام, فالإسلام هو منهجه, به يحالف وعليه يخاصم!!! ولأن لإسلام الإصلاح هذا مفعول السحر فلا عجب أن يصبح من شرّع لموتهم باسمه في السابق أحبة اليوم المخلصين, فكله بالإسلام , ومن الإسلام , وعلى الإسلام ... ويا سلام على الولاء والبراء، والحب في الله والبغض فيه..
عجلان - كما شيوخ الإصلاح بلا استثناء - يصر ّعلى الزج بالدين في دهاليز السياسة، وحين يُسأل عن هذا الخلط تتفتق قريحته عن مصطلح ( السياسة الدينية ) مؤكدا أن الدين عندهم سياسة والسياسة دين, فالأمر كما يقول: ( نحن منبثقون من كتاب الله وسنة رسوله..).. وهب أن ما يقوله من شأن الصدور عن الإسلام صحيح.. فما علاقة كل ذلك بالحراك الديمقراطي الذي يقصد من الاشتغال السياسي والتنافس الحزبي إيجاد البرامج ذات العلاقة بما يخدم الناس ويوفر لهم الحياة الكريمة الآمنة ؟!
لستم أوصياء.. وللإرشاد قنواته
لا أحد يخطر على باله أن من بين المهام التي تناط بالأحزاب الدعوة إلى إحلال دين مكان دين أو مذهب فقهي بدل آخر.. فما يريده المواطن - أي كان - من فاعليّة هذا الوجود الحزبي والتنافس السياسي لا علاقة له بدينه ومعتقده وطريقته في العبادة، وهذا من الوضوح بمكان.. فلماذا يصرّ الإصلاح على تسطيح الحراك السياسي والتستّر بالدين ؟.. ثم ما صحة وجود ما يسمى بالحزب الديني في مجتمع أناسه بالكامل مسلمون ؟!
إن للوعظ والإرشاد قنواته التي ستؤتي ثمارها إن ابتعدت عن التناول الحزبي والشقاق السياسي.. كما أن للسياسة فاعليتها إن هي قصدت تأكيد المرجعية المدنية والاشتغال على قائمة عريضة من المتطلبات التنموية الخدمية, المعرفية منها والمادية.. وطالما وشيوخ الإصلاح يجهلون التمييز بين الوجهتين فأنى لهم الخروج من عنق الزجاجة؟! وكيف لمعارضة - هذا هو حال الحزب الأكبر فيها - أن تخلق المعادل الموضوعي للحاكم بما يتجه بنشاطهما معا - في السلطة والمعارضة - أفقيا نحو تطوير مؤسسات المجتمع المدني وإحداث التنمية الشاملة ؟!
دعوى سندها المزاعم!!
لقد كان هذا على افتراض أن ما يقوله شيوخ الإصلاح - ومنهم عجلان - من شأن الصدور عن الإسلام صحيح.. فماذا لو كان غير ذلك؟!
الواقع أن دعوى الصدور عن الإسلام كما يقدمها رئيس مجلس شورى الإصلاح ليست إلا خدعة بالية لم تعد تنطلي حتى على السذج من الناس.. فما بين نصوص الإسلام المقدسة وما تشرّعه من ثوابت وترسيه من أسس وما بين حديث الإصلاح عنها وفهم مشايخه لها وتعاطيهم نظريا وعمليا معها وباسمها فرق كبير.. وإن من السهل أن يدّعي أحدهم هنا أو هناك أو هنالك صدوره عن الإسلام لكنه من الصعب أن يثبت صدق دعواه, فما يتحدث عنه الشيخ عجلان من ثوابت وأصول يزعم أن فهمه لها هو الإسلام ليست إلا مفاهيم فضفاضة, يمكن لدوالّها ومدلولاتها أن تختلف وتتعدد من شخص لآخر ومن زمن لغيره..
ثم إن الاتفاق على احترام الثوابت والصدور عن الأصول التي يقررها الإسلام لا يعني الاتفاق على تحديد تلك الأصول والثوابت ذاتها, فما يتحدث عنه الشيخ عجلان وغيره كأصول وثوابت سيجد أن هناك من لا يتعدى بها حدود الفروع والمتغيرات الخاضعة لوجهات النظر واختلاف الأفهام.. وفي الوقت نفسه لماذا يجعل هؤلاء من أنفسهم المنتهى في العلم بتقرير ما هو ثابت من الإسلام وما هو متغيّر, ومن متى أنيطت بهم هذه المهمة ؟! وممن؟!
هذا هو الإصلاح
لقد كان أولى بشيوخ الإصلاح النأي بالدين المقدس عن أهواء البشر, أما وقد أصروا على خوض المعترك السياسي والاجتماعي باسم الإسلام فكان يجدر بهم - كأدنى حد - أن يدركوا أنهم ليسوا وحدهم المسلمين, وأن من يقفون على رأس الإصلاح من الفقهاء ليسوا وحدهم فقهاء الإسلام.. وذلك حتى يتخلصوا من إشكالية إقصاء الآخر باسم الإسلام كما يفعلون ليل نهار..
ومن هنا فان أقصى ما عليه الإصلاح من مزاعم الصدور عن الإسلام - عدا عن كونها مما لا يستوجبه الحراك الديمقراطي ولا يتطلبه - ليست إلا اجتهادات فردية مهما التمس أصحابها الصدور عن الإسلام فلن تعدو كونها مجرد اجتهادات تخصّهم وحدهم ولا تعني الآخرين في شيء.. هذا مع الكثير من التلطف والمجاملة وتخفيف العبارة إلى أدنى درجة, أما من دون ذلك كله فإن تديّن حزب التجمع اليمني للإصلاح مع قبليّته ليس إلا اجترارا لبقايا الجاهلية في الجانبين - الديني والقبلي - على حد سواء..