نجيب غلاب -
ما علاقة قانون الانتخابات بأزمات حزب الإصلاح؟
أثير في الأيام الماضية جدل سياسي واسع ومازال هذا الجدل قائم حتى اللحظة حول أقرار كتلة المؤتمر لقانون الانتخابات السابق والموافقة على أعضاء اللجنة العليا للانتخابات السابقة مع إضافة بعض الأسماء المقدمة للرئيس الجمهورية لاختيار تسعة أعضاء، في هذه المقالة سنحاول إعطاء تفسير لطبيعة الحدث، ولماذا تجاوز المؤتمر التعديلات المتفق عليها؟ ومن المستفيد من عرقلة التوافق؟ وهي محاولة لاستقراء المستقبل.
بادي ذي بدأ وبصرف النظر عن أي تبريرات قد تقال في هذه المسألة نؤكد:
أولا: أن المؤتمر يملك حق تعديل قانون للانتخابات الحالي أو تركه كما هو، وسلوك المؤتمر محكوم فقط بالآليات المقبولة ديمقراطيا والمؤتمر هنا لابد أن يأخذ في الاعتبار المطالب الداخلية والخارجية بحيث يكون القانون متوافق مع واقع اليمن والمعايير المتفق عليها دوليا، فأي تجاوز للمسائل المتفق عليها ديمقراطيا فان النظام بكليته وليس المؤتمر سوف تتأثر سمعته ومن المعروف أن النخبة الحاكمة مهتمة بهذه المسألة إلى درجة مبالغا فيها.
ثانيا: يتفق الجميع أن المؤتمر له الحق منفردا في اختيار أعضاء اللجنة العليا للانتخابات وبالشروط والمعايير التي يحددها القانون، وهذا الحق ممنوح له دستوري ولا غبار عليه بحكم امتلاكه للأغلبية في مجلس النواب، ومن حق أي حزب آخر مستقبلا في ظل ثبات القانون المنظم لهذه المسألة أن يمتلك نفس الحق والأمر أولا وأخيرا مرهون بالأغلبية وبالشروط التي يحددها القانون.
ثالثا: القانون الحالي الذي أقر من قبل كتلة المؤتمر هو نتاج توافق بين التيارات الرئيسية في المعارضة والمؤتمر كما أن اللجنة العليا للانتخابات السابقة أيضا والتي وافق عليها مجلس النواب في الأيام الماضية كانت نتاج توافق بين المؤتمر والمشترك والتيارات المعارضة الرئيسية ممثلة فيها بأكثر من حجمها في مجلس النواب ولم يتغير الأمر كثيرا بعد صدور القرار الجمهوري بأعضاء اللجنة، مع ملاحظة أن الانتماء الحزبي لأعضاء اللجنة العليا للانتخابات عرف متفق عليه بين القوى السياسية رغم مخالفته للدستور والقانون.
الخلاصة أنه من ناحية قانونية ودستورية المؤتمر له الحق الكامل في تعديل قانون الانتخابات أو ترك القانون السابق كما هو عليه بدون تعديل، كما أن الدستور والقانون يمنح المؤتمر الحق في اختيار أعضاء اللجنة العليا للانتخابية، لذا فأن الحوار الذي حدث بين المؤتمر والمشترك للاتفاق على القانون وأعضاء اللجنة ليس إلا رغبة سياسية لدى المؤتمر والمشترك الهدف منه خلق توافق جديد حتى تتم العملية الانتخابية والنفوس راضية خصوصا نفوس أحزاب المشترك، وهي في حقيقتها تنازلات مؤتمرية الهدف منها تهدئة مخاوف المشترك وتقوية موقفه حتى تكون الانتخابات أداة فاعلة معبرة عن المجموع الوطني ومرسخة للتحولات الديمقراطية.
وهنا لابد من الإشارة أن حالة التوافق مسألة اعتادت عليها السياسة في اليمن، وهذا التوافق رغم أهميته في مراحل التأسيس الديمقراطي إلا أن التوافق عندما يصبح حجر عثرة ومعيق وتتخفى خلفه مطالب لا علاقة لها بالديمقراطية وإنما بالمكاسب السياسية والمصالح الخاصة فإنه يصبح غير ذات جدوى بل تجاوزه مسألة مهمة.
ما حدث في مجلس النواب رغم دستوريته وقانونيته إلا أن اعتراضنا يقع في خانة المسائل الإجرائية فالطريقة التي تمت بها عملية التصويت وأيضا إقرار ما هو مقر قد يمثل مخالفة للوائح إلا أن المسألة في نهاية التحليل وفي حالة أتباع العملية الإجرائية المنظمة فأن ذلك لن يغير من النتائج، من جانب آخر يمكن القول أن سلوك كتلة المؤتمر في إقرار القانون السابق حتى وأن لم كان غير قانوني وموافقته على أعضاء اللجنة السابقة مع إدخال بعض الأسماء الجديدة سلوك يدخل في أطار الفعل السياسي لمناهضة فعل سياسي مقابل الهدف منه تحدي مبالغة المشترك في لعبته مع المؤتمر وأيضا حسم لأي محاولات لاحقة قد تفتح باب مناقشة قانون الانتخابات وأعضاء اللجنة ووضع المشترك أمام الأمر الواقع، والكثير من أعضاء المؤتمر يرى أن المشترك كان لديه خطة لعرقلة المسيرة الانتخابية لذا كان لابد من حسم الأمر ومواجهة النتائج طالما وذلك يصب في صالح ترسيخ الديمقراطية.
ويظل السؤال هل المؤتمر هو من تجاوز التوافق أم المشترك؟
في تصوري أن المشترك وباحتراف سياسي من هندسة قيادات في تجمع الإصلاح أداروا اللعبة بطريقة دفعت المؤتمر إلى خيار الدستور والقانون، فالمؤتمر لم يكن لديه أي اعتراض على أغلب مطالب المشترك وهي مطالب لا جديد فيها ومتضمنة في القانون السابق، باستثناء ما يعتقد الإصلاح انها مسائل جوهرية في التعديلات والتي أقنع أحزاب المشترك بضرورتها، وهي مسائل بالنسبة للمؤتمر ليست جوهرية بل متعارضة مع حقوق الأفراد فالقائمة النسبية والموطن الانتخابي ومحاصرة القيادات المؤتمرية من تأدية دورها الحزبي متناقضة مع الديمقراطية هدفها خدمة حزب الإصلاح، فالتعديلات الجوهرية التي يتحدث عنها المشترك في نهاية القول لا علاقة لها بتحسين الآليات الانتخابات حتى تكون أكثر شفافية ونزاهة بل هدفها البحث عن تعديلات تجعل الآلية الانتخابية أكثر خدمة لمصالح المشترك خصوصا الإصلاح، فالتجارب السابقة أوصلت الإصلاح إلى قناعة أن الآليات الانتخابية السابقة بصرف النظر عن النزاهة والشفافية لا تحقق مصالحه، فالإصلاح بما يمتلك من آليات حزبية قوية وطبيعة القانون الحالي تمنحه إمكانية الرقابة ومحاصرة أي عملية مخلة بالعملية الانتخابية كما أن لديه معرفة كاملة بالمجتمع وطبيعة خياراته ويعرف مكامن هزائمه، لذا فأن صراعه حول التعديلات لقانون الانتخابات هي تعظيم مصالحه لا تحقيق شفافية الانتخابات.
وبعد أن أدار المشترك حواره لأكثر من عام بالعقل والمصالح الإصلاحية ولم يتمكن من فرض رؤيته، ونتيجة قناعة الإصلاح أن التعديلات الموجودة غير ذات جدوى بالنسبة لأهدافه الجوهرية، أصبح الإصلاح أمام خيار الموافقة على التعديلات وعلى أسماء اللجنة العليا للانتخابات والدخول في معمعة صراع داخلي مع نفسه ومع الواقع ومع أحزاب المشترك، لذا فقد فضل تجاوز أزمته من خلال الدخول في أزمة مع المؤتمر ومع النخبة الحاكمة.
إلى ذلك ليس جديدا أن نذكر أن المشترك يعاني من أزمة داخلية وتناقض في المصالح بين تكويناته، وليس تشكيل اللجنة العليا إلا أحدها، فالإصلاح في حالة دخوله الانتخابات يرى أنه صاحب الحق في نيل نصيب الأسد من نصيب المشترك في أعضاء اللجنة ولتجاوز هذه المشكلة للحفاظ على تحالفه الهش مع المشترك فضل أن يحسم المؤتمر والرئيس مسألة الاختيار، كما أن الإصلاح على قناعة أن التعديلات المتوافق عليها لن تؤثر في المسارات الواقعية للعبة الانتخابية لذا فأنه دفع بالمؤتمر إلى اتخاذ قراره، واستغلال ذلك في التعبئة الحزبية وإعادة تفعيل كتلته الحزبية واستغلال المسألة في تشويه صورة المؤتمر وتعبئة الجماهير ضده، ومن خلال ذلك يتمكن من قيادة العملية الانتخابية قبل موعدها.
لكن يظل السؤال المهم هل سيدخل الإصلاح الانتخابات؟
التفسير يكمن في فهم الأزمة التي تعاني منها الحركة الاخوانية في اليمن والتي أصابها التكلس والتشتت وفقدت قوتها بعد فك تحالفها مع النظام وتشتت طاقتها ورؤاها وتعددت أفكارها، وأصبحت تعيش حالة صراع داخلي، كل ذلك أفقدها التماسك والعمل كمنظومة واحدة، لذلك فالانتخابات القادمة تشكل كابوس فضيع.
وما يزيد من المشكلة طبيعة التحالف الحالي مع المشترك فأطراف في الإصلاح لا تريد فك التحالف مع الأحزاب الأخرى، وأغلب القوى الإصلاحية ترى في التحالف قوة إضعاف للإصلاح في الانتخابات القادمة، والرأي المهيمن في الإصلاح يسعى لتوطيد عرى التحالف إلا أن الانتخابات القادمة ربما تفجر المشترك من الداخل وربما تقوده إلى تشتيت قوته الانتخابية، فالتوافق على الدوائر وتوزيعها أم المصائب كلها، الإصلاح يعتقد انه سيكون الخاسر الأكبر في أي تحالف انتخابي، والصراع في المحليات بين أحزاب المشترك، كان لعبة خداع مفضوحة بين أحزابه.
الإصلاح يعرف أين مكمن قوته لذلك فانه لن يتنازل عن الدوائر المضمونة وخططه ان يجعل من المشترك رديف لدعم ضمان الفوز، وأعضاء الإصلاح غير ملزمين بالجهاد الانتخابي لصالح الأحزاب العلمانية أو المذهبية حتى في الدوائر الغير مضمونة، فربما يصوتوا لمن يمثل المؤتمر أو التسجيل في المناطق والدوائر التي تخدم قوتهم، أو عدم التصويت، من ناحية ثانية الإصلاح لديه اهتمام بان يرشح أعضاء حتى في الدوائر الغير مضمونة لدعم قوته التمثيلية في من صوتوا له مثله مثل شركائه، وفي المقابل أحزاب المشترك تدرك اللعبة لذا فان أعضائها أمام خيار أما أن تصبح قوة ملحقة بالإصلاح، أو أن تعمل منفردة مثلها مثل الإصلاح أو أن ترشح المؤتمر وتقوي من تحالفاتها المحلية مع الشخصيات الاجتماعية.
المشترك في الانتخابات القادمة لن يدخل ككتلة واحدة منسجمة، وهذا سيجعل منه ظاهرة صوتية لإصدار البيانات والمنشورات والتصريحات النارية في العاصمة وفي مقرات الأحزاب وسوف تدار اللعبة الانتخابية بمعايير مختلفة عن الخطط المثالية وهذا بطبيعة الحال سيجعل من المشترك إطار فارغ متخصص في البيانات. وسوف يجعل نصيب أحزابه نتيجة التناقضات الداخلية أقل مما هو موجود في البرلمان الراهن، وربما تتحول إلى أحزاب نخبوية وظيفتها الأساسية منح الشرعية لنخبة حاكمة تحمل لها تلك الأحزاب كراهية عميقة.
بالنسبة للإصلاح كما ينطق الواقع مقاطعة الانتخابات أفضل وسيلة لتجاوز أزمته وأزمة المشترك واثبات فرضيته الأساسية التي تصنع خطابه والتي تتمحور حول أن الحكم غير شرعي، مع ملاحظة أن المقاطعة لا تعني بالنسبة للإصلاح والقوى المتحالفة معه خارج المشترك ترك الساحة الانتخابية بل أن ترشيح المستقلين مهم جدا، لذا في حالة مقاطعة الانتخابات فأن الإصلاح سيكون لديه مستقلين في الدوائر المختلفة مثله مثل بقية الأحزاب فالإصلاح يدرك أن المقاطعة الكلية تعني أن المؤتمر في الانتخابات الرئاسية القادمة سيكون هو اللاعب الأوحد في الساحة، مما يجعل إعادة أنتاج النخبة الحاكمة وتقوية جذورها سوف يفقدهم الكثير من المصالح، كما أن المقاطعة والعمل من خلال المستقلين ستجعل القوى المتحالفة معهم من خارج المشترك أكثر قدرة وقوة في دعم المستقلين الذي سيكون أغلبهم من القوى الخفية لحركة الإخوان المسلمين، وبعض القوى القبلية المتعاطفة مع الجناح الاسلاموي في اليمن.
ورغم أن أفضل الحلول العقلانية لحركة الأخوان المسلمين هي فك الشراكة مع أحزاب المشترك على الأقل في الانتخابات القادمة ومنافسة المؤتمر بخطاب متعقل، وهذا الخيار رغم أنه الأكثر جدوى إلا أن شركائه قد أوصلوا الإصلاح إلى نقطة اللاعودة، وأصبحت مصالح الحزب مرتهنة لخطاب تعبوي ورغم أنه أثبت عجزه في الانتخابات النيابية والمحلية إلا أن الإصلاح مازال راضخا لذلك السلوك، بل يمكن القول أن الخطاب العاطفي الثوري للإصلاح أفقده شعبيته لأنه زرع الخوف في قلوب الناس، وأصبح الإصلاح لدى الكثير غولا التعاطف معه ومساعدة في الفوز ربما يقودنا نحو العنف.
والأخطر أن الخطاب الإصلاحي الفوضوي السابق قد خلق ثقافة المواجهة والصراع لدى أعضائه وهذا أخاف القوى المتعقلة داخل الإصلاح، إلا أي تراجع في الخطاب من قبل القيادات يمثل تحدي لإرادة كتلة حزبية معبأة كما أن تخفيف حدة الخطاب أيضا يمثل مشكلة لأن تفريغ الحمولة السابقة يشكل إنهاك لطاقة الحزب ونشر حالة من الخذلان والخطر الداهم بالنسبة للقيادات أن تتهم بالانتهازية وخيانة المبدأ وربما تفجير الحزب من الداخل والتي تظهر بوادره من حين إلى آخر، الإصلاح في المشترك أشبه بقطار يسير بسرعة متهورة ومشكلته أنه لا يدرك أن فرامل القطار قد تم تعطيلها وهنا مكمن الخطر المهدد لحركة الاخوان المسلمين في اليمن، لذا فأن اللجوء إلى حلول متهورة في لعبة التآمر ربما تقودها إلى حتفها. الإصلاح في المشترك أصبح مقتنعا حدّ اليقين أن عدوه هو طوق نجاته وأن صديقه الذي يساعده على البقاء هو عدوه.
ما هو الحل الأمثل بالنسبة للإصلاح؟
التوافق مع الرئيس والمؤتمر في ظل تنافس حزبي متعقل، توافق إيجابي لصالح تدعيم شرعية النظام وتدعيم قوة الدولة ومواجهة نقائضها، تحالف لا يقوم على المصالح المادية المباشرة، بل على دعم قوة الدولة والقيادة في مواجهة التحديات والمخاطر المهددة لكيان الجمهورية ولمصالح الشعب اليمني. أن الرئيس أصبح القوة الأكثر رغبة وصدقا في مكافحة الفساد وتعضيد الوحدة الوطنية، القوى الفاسدة في منظومة الدولة تمارس فسادها ومن يساعدها على ذلك المعارضة، أن نفي شرعية الحاكم وتهديديه في تاريخه ومستقبله أسهم وبقوة في إضعاف الدولة ليس إلا، ولم يؤثر على قوة النخب بل منح النخبة في الحكم والمعارضة قوة جعلها قادرة على مواجهة أي حراك متناقض مع مصالحها، وهذا ساعد القوة الفاسدة على العبث بالدولة والمجتمع وأعاق كل المحاولات الجادة لخنقها.
على القوى الوطنية أن تدرك ان السياسة في اليمن مازالت في مراحلها الأولية لترسيخ أسس ومعايير الديمقراطية، والصراع الراهن بين النخبة الحاكمة والمعارضة كما هو واضح نتيجة تهور الإصلاح أصبح مؤسس على النفي والإلغاء لذا فهو يدمر ولا يبني ويؤسس للعنف ولا يخدم إلا الأقوياء في الطرفين.
خطأ الإصلاح إتباعه لإستراتيجية الإخوان المسلمين خارج اليمن والقائمة على مواجهة الحاكم وتشويه صورته وتخوينه، وهذا أوقعها في ورطه كبيرة خصوصا والإخوان في اليمن منذ نشأتهم كانوا رديف للحاكم ونشئوا داخل الدولة واستندوا على قوتها في نموهم. وخروجهم من الحاضنة أربك تفكيرهم وضخم من ألمهم فأصبح الانتقام وكراهية من أخرجهم هي المهيمنة وأصبح السيطرة على الدولة حل، سلوك الإصلاح لتشويه صورة النظام ومحاولة سلبه شرعيته لابتلاع الدولة بتحالفاته الخفية سيقوده إلى الاختناق وربما الموت.