د/عبدالعزيز المقالح -
ثورة 14 أكتوبر..في كتاب الأستاذ راشد محمد ثابت
كثيرة هي الكتب التي تناولت الثورة اليمنية (سبتمبر - أكتوبر) بعض هذه الكتب بأقلام عدد من المناضلين المشاركين في قيام الثورة الواحدة في شمال الوطن وجنوبه، وبعضها الآخر من باحثين ومهتمين بتاريخ اليمن الحديث وبالثورة التي كانت البوابة الحقيقية والمدخل الصحيح إلى يمنٍ مستقل وحديث. واختيار كتاب الأستاذ راشد محمد ثابت للحديث عنه في العيد الخامس والأربعين لثورة 14 أكتوبر يرجع لمجموعة من الأسباب منها:
أولاً: أنه أحدث الكتب الصادرة عن الثورة وأشملها.
ثانياً: لأن الكاتب واحد من مناضلي هذه الثورة، وأنه عاصر الأحداث وكتب عنها من داخلها لا من خارجها وبكونه شاهداً ومتابعاً دقيقاً وأميناً.
ثالثاً: لأن كتابة الأستاذ راشد اتسمت بالواقعية والموضوعية وعدم الانسياق وراء النزعة الذاتية فضلاً عن كونها خلت من تجريح المخالفين في الرأي، تلك النزعة التي ظهرت في بعض الكتابات المنحازة إلى طرف دون آخر وما تتركه في وعي القارئ المحايد من شعور عن رغبة أصحابها بتصفية الحسابات بأثر رجعي.
رابعاً: إن الكتاب ينطلق من إيمان صادق بواحدية الثورة اليمنية، ومن أن الخلافات التي طرأت بعد التحرر وخلقت نظامين سياسيين في بلد واحد جاءت من اختلاف وجهات النظر بين الحاكمين في صنعاء وعدن وظهور قوى خارجية وداخلية كان همها أن يظل اليمن منقسماً على نفسه.
وكتاب في هذا المستوى من الموضوعية والواقعية وتوخي الإنصاف جدير بأن يقرأ وأن يكون موضوع دراسات إضافية واعتباره واحداً من المراجع الرئيسية لمن يريد أن يعرف حقائق الثورة والصعوبات التي واجهتها وكيف تجاوزت المزالق والكمائن والأخطار. وكيف كان الشهداء من الشطرين يتسابقون إلى الشهادة دفاعاً عن الثورة وحماية لها من أعدائها الذين تكاثروا وشكلوا تجمعاً دولياً تآلفت فيه المتناقضات وكان حلم الشهداء أن تنتصر الثورة وتحقق أهدافها التي هي في حقيقة الأمر أهداف الشعب بكل شرائحه وفئاته المدنية والقبلية والتي كان تحقيقها كفيلاً بأن يمحو الخلافات ويساعد على تحقيق المواطنة في أوسع تجلياتها. ومن خلال قراءة ممعنة للكتاب يستطيع القارئ أن يسترجع أحلام الثوار والبون الشاسع بين النظرية والتطبيق، بين الأحلام والواقع.
وما من شك في أن الثورة اليمنية (سبتمبر - أكتوبر) قد عانت من بعض المنتمين إليها أكثر مما عانت من أعدائها في الداخل، وكانت الانقسامات والخلافات الثانوية قاسية عليهم بقدر ما كانت أقسى على الوطن نفسه الذي كان يخرج من نفق ليقع في نفق آخر. ولا يمكن فهم أسباب ذلك إلاَّ بالعودة إلى كتاب الأستاذ راشد محمد ثابت وقراءة ما بين السطور بوعي خال من التشنج والتعصب فضلاً عن التوقف طويلاً عند المقدمة التي كتبها الشاعر الكبير محمد عبدالسلام منصور الذي كان بدوره شاهداً على العلاقة الوثيقة بين ثورتي الشعب الواحد، والتزام التنظيمات الوطنية بأن تحرير أيما شطر من شطري الوطن لا بد أن يكون منطلقاً لتحرير الشطر الآخر.. وقد كان.
وبما أن شعبنا العظيم الصبور قد جرب - حسب الكتاب - كل الأنفاق القديمة والحديثة فقد آن له أن يعيش في النور، وأن يتجاوز مخلفات الماضي البعيد والقريب ويؤمن أنه جزء من هذا العالم الذي بدأت طلائعه تحدد لها أماكن جديدة في النجوم البعيدة والقريبة وتطمح في مغادرة هذه الأرض التي اكتظت بالقبور والقصور.
الدكتور مطهر عبدالله الإرياني والشوق إلى الآخر:
هو طبيب غني عن التعريف، وبين حين وآخر يداعب الشعر أو يداعبه الشعر كسائر أبناء الأسرة الإريانية، فلا يعطيه من وقته سوى القليل، ومن هذا الوقت القليل تجمعت قصائد البديع الأول «الشوق إلى الآخر» ويضم 29 قصيدة في موضوعات شتى وبشاعرية عالية تنبئ عن كمون الشاعر في روح الطبيب. ويقع الديوان في 128 صفحة من القطع المتوسط ومن إصدارات دار الفكر في دمشق.
تأملات شعرية:
وكما يجيء البحر
جاءت ثورة الفقراء
والناس الجياعْ
خرجَتْ محمّلة بأشواق الخصوبة
بانثيال الحلم والأمل المقدس
في فضاء من شعاعْ
كتبتْ بضوع الدّم
أوّل قبلةٍ
في موكب التحرير
آخر زفرةٍ خرساء
من زمن المتاهةِ والضياعْ.