حنان محمد فارع -
منظمات المجتمع المدني ودورها في عملية التغيير (1)
يكثر الحديث عن أهمية الانتقال إلى مرحلة بناء المجتمع المدني كضرورة لتطوير وترسيخ النظام الديمقراطي، فهو مجتمع السيطرة على المجتمع يحكمه قانون تضعه الدولة في مواجهة نفسها فلا يستطيع الأفراد والجماعات ولا الدولة ذاتها من اختراق قوانينه ، بمقابل ذلك لا يعني إضعاف دور الدولة إنما إيجاد توازن بين قوة الدولة والمجتمع، ففي ظل التركيز على المجتمع المدني تستحوذ منظماته على الاهتمام الأوسع نظراً للموقع الهام الذي تحتله تلك المنظمات في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية ولما تحدثه من تطور داخلي ينقل المجتمع إلى المدنية المتحضرة وتصبح - منظمات المجتمع المدني- قادرة على إحداث التغيير ونقل المجتمع من الانتماء القبلي إلى الانتماء الوطني، وحينذاك يشكل القانون حجر الأساس مما يؤدي إلى استتباب الأمن والتحضر الاجتماعي .
منظمات المجتمع المدني بما تشمله من ( جمعيات ، اتحادات ، روابط ونقابات ، تعاونيات ، وهيئات ...) هي تنظيمات تطوعية حرة غير حكومية، ملتزمة برعاية مصالح الأفراد وتعظيم قدراتهم للمشاركة في الحياة العامة وفق معايير الاحترام والتراضي والتسامح وقبول الاختلاف بين الذات والآخر ، وقد اختلفت وتعددت أدوارها بين منظمات حقوقية غرضها حماية حقوق المواطنين والدفاع عنهم ، ومنظمات للنهوض بالبيئة والصحة ونشر الثقافة، ومنظمات تسعى لمكافحة الفقر والبطالة، وأخرى تعتني بالمرأة والشباب والطفولة، وجمعيات خيرية تسهم في التنمية الاقتصادية، ومنظمات تهتم بمراقبة الحكومات ودفع التطور السياسي وإيجاد السبل المناسبة لتوعية الناس ومساندة القرارات المطورة للبلد ومحاربة التطرف والإرهاب ، يتحدد نطاق عملها في تقديم الأفكار والحلول المبتكرة بغية الوصول إلى حل للمشكلات المحلية وتحسين الأداء والخروج بالمجتمع من حالة العزلة وتلبية احتياجات شريحة واسعة من الناس إضافة إلى إشراك الأفراد بقضايا مجتمعهم ، بحكم هذه الطبيعة تصبح أكثر ديمقراطية من النمط الحزبي التقليدي وأقدر على رسم ملامح المستقبل؛ كونها أكثر انفتاحاً على البهجة وأقل كآبة من الممارسات الحزبية وأكثر قرباً لملامسة الواقع اليومي المُعاش.
وقد فُتحت الساحة في اليمن لقيام المنظمات وتأدية عملها على الوجه المنوط به قانونياً ولعب دور بارز وثقل أكبر داخل المجتمع، فشهدت الفترات الأخيرة نشاطاً شبه ملحوظ لتلك المنظمات والجمعيات إلا أن هناك الكثير من المآخذ عليها نتيجة اختلاف النظرية عن الواقع وعجزها عن تغيير الواقع قيد أنملة أو إحداث أي حراك اجتماعي، فبرغم أعدادها المهولة في الفضاء العام لا يزال دورها محدوداً وخجولاً، فمعظمها جامد بدون حراك و بدون أية فوائد تُذكر، وبعضها الآخر تمارس نشاطها موسمياً رغم حصولها على منح مالية تفتح الشهية للعمل المتواصل لكنه لا يتجاوز كم حلقة النقاش هزيلة وندوة في السنة لا يستفيد منها إلا فئة صغيرة ، بينما القلة منها تسير في اتجاه معالجة قضايا آنية وتكون اهتماماتها ومجال أدائها في أضيق الحدود ، يضاف إلى ذلك سعي بعض منظمات المجتمع المدني إلى الربح المادي والاستثمار ، وهذا ما يبرر اختفاء المنظمات والجمعيات التي تهتم بالبحوث والدراسات الأكاديمية والتثقيفية ، ويعد الفساد المالي المتفشي داخلها عائقاً يحد من نشاطها داخل المجتمع.
في ضوء المآخذ الأخرى على منظمات المجتمع المدني هو ما تعانيه من فساد إداري يتمثل في تمسكها بالإدارة التقليدية وديكتاتورية القيادة واحتكار أقلية مراكز صنع القرار غالباً ما يكونون من الأقارب والأصدقاء والمدينين بالولاء وعدم تجديد الدماء أو إتاحة الفرصة للقيادات الشابة، جاء افتقارها للجانب الديمقراطي نتيجة عملها العشوائي الفردي غير المنظم ونقص الخبرة وعدم وضوح الأهداف وتسخيرها من قبل بعض الأشخاص لتحقيق مكاسب ذاتية أو اللجوء إلى تسييسها بعيداً عن مجال تخصصها لتحقيق أغراض سياسية شخصية أو حزبية .
إن كثرة المآخذ لا تنفي حاجة المجتمع لتلك المنظمات، شريطة أن تتحلى بالشفافية والنزاهة لتشكل قاسماً مشتركاً في عملية التغيير.