ياسر حسن ثامر -
من المسئول عن الدراما في اليمن؟وبأي ذنب قتلت؟
(ميلودراما من ستة مشاهد)
بدأنا في اليمن خطوات الدراما التلفزيونية الجاده ، في زمن كانت فيه مشروعية شراء ومشاهدة التلفاز محل خلاف فقهي في بعض الدول التي أصبحت الدراما فيها اليوم تبعث على الفخر والاعتزاز.
لقد كانت الإمكانات البشرية والمادية والفنية في الثمانينات كفيلة بالنجاح والتميز والإبداع ، لكننا اليوم نتراجع رغم استنادنا إلى سياسات وقوانين وتشريعات مشجعة وفاعله ، لم تكن متوفرة في ذلك الزمن الجميل! فهل ينم ذلك عن علاقة مثالية بين الدراما والمسئولين عنها في بلادنا؟ وهل آن لنا في ظل ما يعانيه واقعنا الدرامي أن نعلن بشفافية ووضوح وبشجاعة عن تحملنا لهذه المسئولية؟ وان نبحث بنوايا صادقة عن الأسباب الحقيقية لتشخيص هذا الواقع؟
اعتقد أن من حقنا أن نحلم بدراما تساعدنا على تجاوز ما نعيشه اليوم من قلق.. دراما تحكي هوية المجتمع ووجدانه ، وتتوازى مع موروثات الأمس وتطلعاتنا نحو الغد ، وتسهم في تجسيد ولائنا للمبادئ والقيم ، وتعظيم انتماءنا للمكان الذي يجمعنا.
المشهد الأول:
الإمكانات والقدرات
بين
غايات السياسة واستيعاب الإدارة
الدراما وسياسة الدولة:
هل هنالك تقاطع بين الدراما والسياسة العامة للدولة؟ أم أن المؤسسات المعنية عاجزة عن ترجمة سياسة الدولة تجاه الدراما ؟ وهل المعضلة مادية بحته كما تراها وزارة الإعلام؟ أم أن لذلك علاقة بالنظم الإدارية التقليدية في المؤسسات المعنية؟؟ نظريا لا يوجد ما يعفي الدولة من تحمل مسئولياتها تجاه الدراما وأهلها ؛ ففي المادة (27) من الدستور اليمني:" تكفل الدولة حرية البحث العلمي ، و الإنجازات الأدبيـة والفنية والثقافية ، المتفقة وروح وأهداف الدستور ، كما توفر الوسائل المحققة لذلك ، وتقدم الدولة كل مساعدة لتقدم العلوم والفنون ، كما تشجع الاختراعات العلمية والفنية والإبداع الفني وتحمي الدولـة نتائجهــا" . وبتفسير مقاصد هذه المادة سنجد انها تؤكد على اهتمام والتزام الدولة تجاه الدراما باعتبارها فنا من الفنون ، اضافة الى كون الدراما لا تتعارض مع روح الدستور واهدافه ، وقد وضعت هذه المادة في الباب الاول من ابواب الدستور ، والمتعلق بالاسس العامة للدولة، وفي ذلك تأكيدا واضحا على ايمان الدولة باهمية مختلف الفنون بما فيها الدراما ، بغض النظر عما اذا كان هنالك بعض الشواهد المترجمة لذلك الايمان أم لا!. وزارة الاعلام من جهتها وفي سياق سياستها الاعلامية التي اقرتها الحكومة اليمنية قبل ما يزيد عن عشر سنوات ، كشفت في بضعة عشر صفحة عن الاستراتيجية الاعلامية للوزارة ، كما اوردت (42) هدفا تتوخاها هذه الاستراتيجية ، وعلى الرغم من انها لم تذكر كلمة "دراما" أو "درامي" بشكل حرفي ، الا انها تحدثت عن: "ابراز مظاهر النشاط الثقافي والأدبي و ما يتعلق بالفكر والموسيقى والفنون الشعبية والرسم والمسرح والمتاحف، والاهتمام بالفنون والمأثورات الشعبية والحفاظ عليها وتطويرها" ، ونحن هنا نفترض ان الوزارة بذكرها للمسرح فانها قد تكون قصدت الدراما ؛ ذلك ان الدراما لم تكن أبدا من الفنون والموروثات الشعبية التي تكرر ذكرها في السياسة الاعلامية! ، ونعتقد بان ترتيب بنود تلك السياسة لا يعبر عن اولويات واهتمامات وزارة الاعلام ؛ لان ذلك مخالفا لترتيب بنود الدستور ؛ فبينما وضع الدستور الاسس الثقافية والاجتماعية قبل أسس الدفاع الوطني ، نجد السياسة الاعلامية تضع البرامج التربوية والثقافية - التي تحدثت عن الفنون الشعبية - في المرتبة الرابعة بعد الديمقراطية ، والاقتصاد ، واعادة بناء القوات المسلحة! قد يرجع ذلك الى تداعيات أزمة ما بعد الوحدة وحرب 1994م ؛ حيث اقرت الحكومة تلك السياسة المقدمة من وزارة الإعلام في اواخر 1995م. غير أن أوضح واحدث المؤشرات على اهتمام الدولة بالدراما يتمثل بانعقاد ملتقى الدراما الأول الذي نظمته وزارة الإعلام مطلع العام الحالي 2008 ، اذ أكدت العديد من وسائل الإعلام حينها أن الملتقى خرج برؤية جيدة لانتشال واقع الدراما في اليمن! ربما بعد تصريح ضيف الملتقى الفنان ياسر العظمة بان الدراما في اليمن "لاتزال تحبو"!. وصراحة فان الملتقى يحسب لوزير الإعلام المخضرم الأستاذ حسن اللوزي ، فهو درامي قدير ويعتبر بحسب وصفه "من الشعراء الذين يؤرقهم الالتزام ، ويلهبهم التمرد ، ويتطلعون للتفرد .." ، حيث أفصح عن اهتمامه وحرصه على إفراد مساحة خاصة للدراما والإنتاج الدرامي ، لكنه اعتبر ذلك غاية صعبة البلوغ في ظل شحة الاعتمادات الخاصة بانتاج الدراما ، ففي حين أكد على وجود وتوفر العديد من نصوص الأعمال الدرامية ، الا ان الإمكانات المالية – بحسب تشخيصه - تمثل المشكلة الأولى والكبيرة التي تعيق تنفيذ هذه الأعمال ، مستبعدا في ذات الوقت أن تكون النظم التقليدية التي ما تزال تدار من خلالها المؤسسات الإعلامية في بلادنا ، السبب الأساسي وراء واقع الدراما اليمنية.
هل المشكلة مادية فعلا؟
علينا ان نعترف بان اليمن تمتلك منذ الثمانينات كوادر فنية متميزة في مجال التمثيل والإخراج والتصوير والديكور والاضاءه والمونتاج .. الخ من الشروط الاساسية لانتاج عمل درامي متميز يستحق التقدير والاحترام ، لا سيما اذا ما توفرت المناخات الملائمة لذلك. ولعل بعض المسلسلات المحلية التي قدمها التلفزيون اليمني قبل الوحدة تقف شامخة لتشهد على هذه الحقيقة ، فهل كانت الامكانات المادية انذاك افضل مما هي عليه الان؟ أم ان موازنات استثنائية قد صرفتها الدولة لانتاج تلك الاعمال التي لا زالت محفوره في ذاكرة الجميع؟ هل حاولت وزارة الإعلام ان تبحث بشكل جاد عن الأسباب والظروف التي مكنتها من تحقيق تلك القفزات الدرامية ذات يوم؟. لاشك ان الاوضاع المادية واعتمادات وايرادات المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون في الوقت الراهن افضل بكثير مما كانت عليه ايام مسلسل الفجر، كما اجزم بان القدرات الفنية البشرية والتكنولوجية تطورت منذ ذلك الحين بشكل ملحوظ ، ويمكن استثمارها بشكل أجدى مع بعض الاهتمام بتنمية الكوادر الفنية المتخصصة ، وعليه وطالما الوضع كذلك لماذا لا نستعيد سابق مجدنا الدرامي المشرف؟ أعتقد بان إخفاقنا اليوم في تأسيس دراما محلية ناجحة ، وعدم تمكننا من البناء على بعض الأعمال الدرامية المتميزة التي تظهر بين الحقبة والاخرى! كل ذلك ناجم عن أسباب وتحديات لا تقف الاعتمادات المالية على رأسها إطلاقا، وعليه واذا ما وضعنا ايدينا على الأسباب الحقيقة لما نحن فيه ، فان بيئتنا الدرامية بما تمتلكه من امكانات مادية وبشرية ستتجاوز هذه المرحله باتجاه خلق هوية واضحة لدراما يمنية متميزة ، تحتل مكانتها اللائقة بين مخرجات الدراما العربية بهوياتها المتعدده. ولعل ما يؤلم أننا في اليمن بدأنا خطوات الدراما التلفزيونية الجاده في زمن كانت فيه مشروعية شراء ومشاهدة التلفاز محل خلاف فقهي في بعض دول الجوار ، ومنها دول أصبحت الدراما فيها اليوم تبعث على الفخر والاعتزاز ، وتسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
فن الإدارة وإدارة الفن:
أصابني اليأس وانا أتصفح موقع وزارة الإعلام على الانترنت باحثا عن مقود يدلني على زاوية اجد فيها توثيقا كاملا ودقيقا لمسيرة الدراما المحلية التي أنتجها التلفزيون اليمني قبل الوحدة وبعدها ، في الوقت الذي تحوي فيه الصفحة الرئيسية للموقع ما يقرب من ثلاثين صورة لأحد المسئولين عن الإعلام!. وبغض النظر عما اذا كان ذلك التوثيق مسئولية الاعلام أو الثقافة أو غيرهما ، أعتقد انه من المهم ان نجد من يتحمل مسئولية ذلك الامر. ولا ادري كيف قدرت الاتحاد الإماراتية بقلم العزيز مهيوب الكمالي أنّ ثمة خطوات متقدمة في الدراما اليمنية من الناحية الإدارية والمالية، لكن ما يزال هناك عناصر رئيسية وضرورية يجب توافرها في أي دراما ناجحة، وهي النص الجيد والمخرج المتمكن من أدواته إلى جانب الطاقم الفني العامل ، لانني ارى في ذلك شيئا من الاجحاف في حق القدرات الادبية والفنية التي تزخر بها بلادنا ، كما ان في ذلك تناقض واضح بين نجاح الدراما اداريا وماليا وبين اخفاقها فنيا ؛ فالادارة المتميزة لا يمكن ان تنتج عنها مخرجات عكسية، واذا كانت هناك ثمة خطوات متقدمة لادارة الدراما في بلادنا ، فمن يبرر لنا على سبيل المثال ظهور إسمي كلا من الدكتور عبدالله الزلب مدير عام المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون، والاستاذ حسين باسليم رئيس الفضائية اليمنية ، كمشرفين على أحد أسوأ الاعمال الدرامية التي شهدتها البشرية منذ استجاب اليمن لدعوة "خير البرية"؟! والأفدح من ذلك مشاركة الصديق المبدع محمد الحرازي نقيب الفنانين اليمنيين للمهن التمثيلية! فهل يعد ذلك نجاحا إداريا؟ وبالمقابل هل تعتبر نفقات ذلك العمل البالغة نحو خمسون مليون ريال نوعا من النجاح المالي؟ ألا يثير ذلك حفيظة أي من المسئولين في وزارة الإعلام أو الثقافة أو حتى حقوق الإنسان!؟
من يتحمل المسئولية ؟!
في اغسطس 2006م وبعد حوالي عقدين من الزمن فكرت الدولة بتكريم كاتب مسلسل الفجر ، حيث قام المبدع دوما خالد الرويشان وزير الثقافة الاسبق في لفتة كريمة بتكريم مؤلف العمل الدكتور احمد الحملي ، وكان الدكتور الحملي قد كتب وصية لاولاده مفادها بانه اذا قامت الدوله بتكريمه بعد مماته فعليهم ان يرفضوا هذا التكريم ولا يقبلوه ، غير ان تكريم الرويشان رفع معنوياته واعاد اليه روح الكتابه مما دفعه لتمزيق تلك الوصية ، علما بانه كان قد اكمل الجزأين الثاني والثالث من مسلسل الفجر الا انها لم تنتج يسبب عدم جدية القائمين على الدراما في بلادنا! ولذلك فانه يرى بان بيئة العمل الدرامي اليمني بيئة طاردة للإبداع، معتبرا أزمة الدراما اليمنية تكمن ما بين المؤسسية الغائبة والبيئة الطاردة ، وقد اعرب عن امنيته بانشاء قطاع خاص بالانتاج التلفزيوني الدرامي وفصل عملية الانتاج الدرامي عن انتاج البرامج اليومية والأسبوعية العادية. وهي ذات الامنية التي يرى المخرج ابراهيم الابيض ان الدراما اليمنية لن تنهض الا بتحقيقها ، وكذلك كان تشخيص الدكتور فضل العلفي الذي أكد ان الانتاج الدرامي المحلي لم ولن يولد في اليمن نتيجة لعدم وجود قطاع متخصص بالدراما! مضيفا عدم وجود أي تنسيق تجاه الدراما بين وزارتي الاعلام والثقافة. والسؤال الذي يفرض نفسه على وزارة الاعلام لماذا لا تستجيب الوزارة لتطلعات هؤلاء المبدعين المتميزين وغيرهم ممن نادوا بذلك منذ ما قبل الوحدة المباركة؟ لاسيما وان اقتراحاتهم لم تأتي من فراغ وانما من تجربة عميقة ومشاركة واسعة وملامسة دقيقة للواقع ، هل انشاء قطاع مستقل للدراما يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة؟ الا يوجد ما يوازي هذا القطاع في مختلف البلدان القريبه قبل البعيده؟ فلماذا نحرص نحن على التخلف ؟ ام ان الوزارة لا ترى أي اهمية لذلك القطاع باعتباره لن يغير من الامر شيء؟ وهل سيجدي إلقاء اللوم على الانظمة الادارية في المؤسسات والاجهزة الاعلامية والثقافية والادبية والفنية ؟ لا سيما المرتبطه أو التي ينبغي ان ترتبط بقضية الدراما بشكل وثيق، والى أي مدى تتحمل هذه الانظمة مسئولية ما حدث ويحدث تجاه الدراما واهلها في بلادنا؟ ذلك ما سيكشف عنه انشاء الله المشهد الثاني من هذه المحاكاة.