المؤتمرنت-بسام المسلماني * -
كسوة الكعبة .. حدث يتكرر كل عام
قام الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ "صالح بن عبد الرحمن الحصين" مؤخراً، بتسليم كسوة الكعبة المشرفة لكبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ "عبد العزيز الشيبى" جرياً على العادة السنوية التي تتم في مثل هذا اليوم من كل عام الذي تسلم فيه الكسوة الجديدة الخارجية للكعبة المشرفة لكبير سدنة بيت الله الحرام ليتم تركيبها على الكعبة المشرفة في اليوم التاسع من شهر ذو الحجة بدلاً من الكسوة الحالية.
وجرت عمليات التسليم بمقر مصنع كسوة الكعبة المشرفة بـ"أم الجود" بمكة المكرمة حيث خصص هذا المصنع لصناعة كسوة الكعبة المشرفة الداخلية والخارجية ويضم أقسام الحزام والطباعة والصباغة والأعلام والنسيج اليدوي والنسيج الآلي.
تكلفة كسوة الكعبة المشرفة:
وتبلغ التكلفة الإجمالية لثوب الكعبة 20 مليون ريال وتصنع من الحرير الطبيعي الخاص الذي يتم صبغه باللون الأسود ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً ويوجد في الثلث الأعلى منه الحزام الذي يبلغ عرضه 95 سنتمتراً وبطول 47 متراً والمكون من ستة عشر قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية.
كما توجد تحت الحزام آيات قرآنية مكتوب كل منها داخل إطار منفصل ويوجد في الفواصل التي بينها شكل قنديل مكتوب عليه " يا حي يا قيوم " ،"يا رحمن يا رحيم "، "الحمد الله رب العالمين " ومطرز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ويحيط بالكعبة المشرفة بكاملها.
وتشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة ويطلق عليها البرقع وهى معمولة من الحرير بارتفاع ستة أمتار ونصف وبعرض ثلاثة أمتار ونصف مكتوب عليها آيات قرآنية ومزخرفة بزخارف إسلامية مطرزه تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.
وتتكون الكسوة من خمس قطع تغطى كل قطعة وجهاً من أوجه الكعبة المشرفة والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة ويتم توصيل هذه القطع مع بعضها البعض.
بنو شيبة وسدانة البيت:
والشيخ "عبد العزيز الشيبي" هو كبير سدنة البيت الحرام حيث يحمل مفاتيح الكعبة وهي المهمة التي تتوارثها أبناء بني شيبة وبني طلحة منذ أن أعاد إليهم الرسول صلي الله عليه وسلم مفتاح الكعبة بعد فتح مكة تنفيذا لأمر الله.. وقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "خذوها يا بني طلحة بأمانة الله واعملوا فيها بالمعروف.. خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم"..
و يقول الشيخ الشيبي، عن عملية استبدال ثوب الكعبة المشرفة، : كانت عملية تغيير ثوب الكعبة المشرفة تبدأ في اليوم السابع من ذي الحجة حيث نتسلم الثوب ونحمله إلى الحصوة ونبدأ عملية تشبيك أطرافها ثم لفها ونضعها في اليوم الثامن من ذي الحجة على سطح الكعبة لنبدأ في اليوم التاسع عملية انزال الثوب الجديد ونخرط الثوب القديم ونبدأ عملية خياطة البقش التي تستمر عادة حتى اليوم العاشر أو الثاني عشر من شهر محرم وهو ما يعني أن عملية استبدال الثوب تستمر لمدة شهر تقريباً وكان معظم أفراد الأسرة يشاركون في عملية استبدال الثوب إضافة إلى عدد من المتطوعين للعمل والعمال الذين يعملون معنا.
تاريخ كسوة الكعبة:
وأول من كسا الكعبة هو "تبع أبي كرب أسعد" ملك حمير سنة 220قبل الهجرة وفي عهد "قصي بن كلاب" فرض على قبائل قريش رفادة كسوة الكعبة سنويا بجمع المال من كل قبيلة كل حسب مقدرتها ، حتى جاء" أبو ربيعة بن المغيرة المخزومي" وكان من أثرياء قريش فقال : أنا أكسو الكعبة وحدي سنة ، وجميع قريش سنة ، وظل يكسو الكعبة إلى أن مات ، وكانت الكعبة تُكسى قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر،وأول أمرأة كست الكعبة هي "نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبد المطلب" إيفاء لنذر نذرته.
كسوة الكعبة في الإسلام:
بعد فتح مكة أبقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها.
فكساها الرسول صلى الله عليه وسلم، بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، أبو بكر وعمر بالقباطي، وعثمان بن عفان بالقباطي والبرود اليمانية. حيث أمر عامله على اليمن (يعلى بن منبه) بصنعها فكان عثمان أول رجل في الإسلام، يضع على الكعبة كسوتين، أحدهما فوق الأخرى ، أما علي (رضي الله عنه) فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظراً لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده.
وفي عهد الدولة الأموية ، فقد ثبت أن "معاوية بن أبي سفيان" (رضي الله عنه) كان يكسو الكعبة، مرتين سنوياً، بالديباج يوم عاشوراء، وبالقباطي في آخر شهر رمضان، ابتهاجاً واستعداداً لعيد الفطر، كما أجرى معاوية الطيب للكعبة المشرفة عند كل صلاة، كما خصص للكعبة عبيداً يخدمونها، وإنارة للمسجد بالزيت، ثم سار الخلفاء الأمويون على نهجه في ذلك، فكساها "يزيد بن معاوية" بالديباج الخسرواني، ثم لما بسط "عبد الله بن الزبير" (رضي الله عنه) سيطرته على مكة المكرمة أثناء ولايته، قام بإعادة بناء الكعبة المشرفة، وعندما فرغ من بنائها سنة 64هـ، خلقها بالعنبر والمسك من داخلها وخارجها، ومن أعلاها وأسفلها فكان أول من دهن جوف الكعبة بالعنبر والمسك، ثم كساها القباطي وقيل الديباج الخسرواني، وأمر عبد الملك بن مروان، بعد ذلك، الحجاج بن يوسف الثقفي أن يكسو الكعبة المشرفة. ونهج على نهجه أيضاً، الوليد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك سنة 91هـ.
وفي العصر العباسي ، اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتماماً بالغاً، لم يسبقهم إليه أحد، وقد بلغ من اهتمامهم بها أنهم كانوا يكسونها ثلاث مرات في العام ، وقد حج المهدي العباسي عام 160هـ، فذكر له سدنة الكعبة أن الكسا، كثرت على الكعبة والبناء ضعيف ويخشى عليه أن يتهدم من كثرة ما عليه، فأمر بتجريدها مما عليها وألا يسدل عليها إلا كسوة واحدة، وهو المتبع إلى الآن. ثم أمر فطلي البيت كله بالخلوق الغالية والمسك والعنبر. وبعد عامين أمر المهدي بصنع كسوة أخرى للكعبة المشرفةأما هارون الرشيد فقد أمر بصنع الكسوة من طراز تونة سنة (190هـ) وكانت الكعبة تكسى مرتين. أما الخليفة المأمون (206هـ)، فقد كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة. واستمر اهتمام العباسيون بكسوة الكعبة إلى أن بدأت الدولة العباسية في الضعف فكانت الكسوة تأتى من بعض ملوك الهند وفارس واليمن ومصر حتى اختصت مصر بكسوة الكعبة.
وبعد سقوط الدولة العباسية عام 656هـ كان أول من كساها من ملوك مصر المملوكية "الظاهر بيبرس البندقداري".
واستمرت الكسوة ترد من مصر حيناً ومن اليمن حيناً آخر، حتى عهد الملك "الصالح إسماعيل بن ناصر بن قلاوون"، الذي اشترى عام 750هـ ثلاث قرى هي "بيسوس" و"سندبيس" و"أبو الغيط"، من قرى القليوبية ودفع ثمنها من بيت مال المسلمين، ثم وقفها على كسوة الكعبة المشرفة.
ومن الملاحظ أن الكعبة المشرفة كانت تكسى في العصور الماضية مرة أو مرتين في السنة، ولكن منذ القرن السادس الهجري أصبحت تكسى مرة واحدة، وذلك في صباح يوم النحر من كل عام، ويرجع السبب في ذلك إلى تطوير فن النسيج. وأصبح قوياً من حيث المتانة حتى أنه لا تحتاج الكعبة معه أكثر من كسوة واحدة في السنة.
واستمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية ، فقد اهتم السلطان "سليم الأول" بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية الشريفة ، وكسوة مقام إبراهيم الخليل عليه السلام.
وفي عهد السلطان "سليمان القانونى" أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قري أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة عشرة قرى وذلك للوفاء بالتزامات الكسوة ، وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.
وقد تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233هـ ، وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين الصورين وميدان باب الشعرية ، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة المشرفة داخلها ، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
وفي عام 1397هـ الموافق1977م أنشأت السعودية مصنعا جديدا لكسوة الكعبة بمنطقة "أم الجود" بمكة المكرمة، وزودته بأحدث الإمكانيات اللازمة لإنتاج الكسوة، مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية، ومصنع "أم الجود" ما زال مستمرا حتى الآن في نيل شرف صناعة الكسوة المشرفة.
*المصدر-لها اونلاين