المؤتمرنت - جميل الجعدبي - بلحاف: انبعاث الماضي أثناء الحفر للمستقبل أسفرت دراسة ميدانية توثيقية للمواقع الأثرية في "بلحاف" بمحافظة شبوة في اليمن عن اكتشاف ثلاثة مواقع أثرية منها مستوطنة تعود للعصر البرونزي المتأخر؛ بالإضافة إلى مقبرتين من عصور ما قبل الإسلام.
وقبل شروعها في إنشاء محطة تسييل الغاز الطبيعي في بلحاف تقول الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال إنها قامت بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف في اليمن بعمليات مسح أثري مفصلة قبل وأثناء مرحلة الإنشاءات في كل من موقع إنشاء محطة التسييل في بلحاف وعلى طول خط الأنبوب الرئيسي.
مشيرة إلى تحقيق العديد من الاكتشافات الأثرية وتنفيذ بعض الحفريات التي أسفرت عن اكتشاف قبور تعود لمرحلة ما قبل الإسلام في منطقة عمل الشركة.
وأوضحت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال إنه تم للمرة الأولى توثيق سبعة مواقع أثرية على طول خط الأنبوب مثل النقوش المحفورة الفريدة في الصخور والمستوطنة الحضرمية النادرة المزودة بقناة للري. مشيرة إلى تغيري مسار إنشاء خط الأنبوب الرئيسي من أجل تفادي الأضرار بالمواقع الأثرية المكتشفة.
وفي إشارة إلى مرور خط أنبوب الشركة عبر أقاليم جغرافية مختلفة تذكر الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال العثور على القليل من المواقع الأثرية في المنطقة الصحراوية والسهل الساحلي.
وهي في الغالب تعود لعصور ما قبل التاريخ، وقد وجدت هذه المواقع على شواطئ وحواف بحيرات جافة عصر الهيلوسين المبكر والأوسط. منوهة إلى أن البحيرات الجافة تعود للفترة الرطبة التي عاشتها اليمن بين حوالي (7500، و5500) قبل الميلاد.
وعلى العكس من ذلك تقول الشركة إن الوضع في وادي جردان والهضبة يبدو مغايراً تماماً لما هو عليه في بقية المناطق، فالمناطق هنا تتسم بالصعوبة، ولذلك على الشركة بذل المزيد من الجهد لتفادي المناطق الغنية بالآثار.
موضحة هنا أنه تم اكتشاف عدد كبير من القبور في منطقة الهضبة ترجع بصورة مبدئية إلى العصور البرونزي حوالي (3000 إلى 1200) قبل الميلاد.
كما تم اكتشاف موقع مستوطنة في أطراف وادي جردان تعود إلى عصر مملكة حضرموت يطلق عليها اسم "درباس" يرجع تاريخها إلى الألف الأول قبل الميلاد (1000 ق. م- 300 م).
القبور الطولية:
تم العثور على منشئات جنائزية بالقرب من القبور الدائرية بمخطط طولي مستطيل الشكل يُعرف باسم "القبور الطويلة" أو القبور ذات الجدران الطولية، رغم التنقيب في اثنين من هذه القبور الطويلة إلا أن الإطار الزمني لا يزال غير محدداً تماماً لهذا النمط من القبور نظراً لعدم العثور على أية بقايا عظمية أو لُقى أثرية أثناء عملية التنقيب، وغالباً ما يوجد هذا النمط من المنشآت في مقابر تتكون من عددٍ من القبور الدائرية.
الأثاث الجنائزي المصنوع من الأحجار:
أثناء التنقيب في بعض القبور الدائرية التي تقع بجانب خط الأنبوب التابع للشركة اليمنية للغاز المسال، تم العثور على عدد كبير من الأدوات الحجرية صغيرة الحجم (تحمل شكل شبه المنحرف) مصنوعة من الأوبسديان (الزجاج البركاني) وفي بعض الحالات من الصوان، وعُرف هذا النوع من الأدوات الحجرية باسم الأدوات القزمية ذات الأشكال الهندسية، يعود تاريخ هذا النوع من الأدوات إلى الفترة من نهاية الألف الثاني قبل الميلاد وحتى القرون الأولى الميلادية، وبالتالي فإن استخدام القبور الدائرية يعود لفترة زمنية لاحقة للعصر البرونزي.
ويقول خبراء الاثار العاملين في الشركة إن العثور على مثل هذه الأدوات الحجرية داخل المدافن يعدُّ أمراً مُحيراً كون وظيفتها تقترن بصفة عامة بالنشاط الزراعي، لذلك فإن وجودها في المدافن يعطي تفسيراً آخراً، ليس باستخدامها فقط كأدوات لحصد النبات، كما هو سائد، بل ربما باعتبارها أدوات زراعية وأسلحة أيضاً، كما أن طريقة الصقل وهذا يكون متزامناً مع ظهور تقنية الصقل في صناعة الأواني الحجرية من الحجر الصابوني والتي تمت في الفترة الزمنية ذاتها.
الأثاث الجنائزي المصنوع من المعادن
تم العثور على القليل من القطع الأثرية المصنوعة من المعادن أثناء التنقيبات الأثرية في المقابر، وعلى الأرجح فإن ذلك قد يعود إلى إعادة استخدام المواد على مر العصور وإلى تعرض القبور للنهب من قبل لصوص المقابر الذين كانوا يبحثون عن المواد الثمينة، كما يمكن العثور على عدد قليل من الأدوات المصنوعة من البرونز مثل الأميال "دبابيس" أو أدوات زيتية أو أسلحة، وعُثر أيضاً على كسر من أداة صنعت من الحديد في أحد القبور الدائرية، وقد يشير ذلك إلى أن هذه المدافن ربما تعود إلى فترة متأخرة، غير أن هذا القبر لم يكن مصاناً بشكل جيد قبل إجراء عملية التنقيب، الأمر الذي يُعتقد معه هذه الكسر من الحديد ليست من محتويات القبر الأصلية.
مقبرة درباس:
تقع مقبرة القديمة بالقرب من المستوطنة الرئيسية إلى جوار الحقول الزراعية الخصبة، كانت المقبرة تستخدم خلال الفترة من القرن الرابع إلى السادس الميلادي، وهي الفترة التي تم فيها آخر استيطان للواحة قبل أن تُهجر تماماً.
وعلى الرغم من أن دفن الموتى في قبور جماعية تشمل على عدة مدافن مبنية كالأضرحة أو في قبور منحوته في الصخر كان شائعاً في اليمن خلال الألف الأول قبل الميلاد، إلا إنه مع بداية فترة التدهور جرت العادة أن يُدفن الموتى في قبور فردية مدفونة تحت الأرض.
تم العثور على 26 قبر في مقبرة درباس، وهو العدد الذي تبقى عبر القرون، والأرجح هو أن عدد أكبر بكثير من القبور التي كانت موجودة قد لحقها التدمير التام جراء السيول التي تجري في وادي جردان خلال موسم الأمطار.
ومن بين المكتشفات أثناء التنقيب في مقابر درباس هياكل لرجال ونساء وأطفال، وكان الدفن يتم بوضع الميت داخل لحد محفور في أسفل القبر مدعم بكتل من أحجار الوادي متباينة الحجم والشكل لسد الفتحة. بعد دفن القبر بالتراب لا يبقى على السطح إلى اختلاف بسيط في لون التربة يدل على وجود القبر.
وتبين خلال الحفريات أن وضعيات الدفن كانت متنوعة في تلك المقابر؛ حيث تباينت أوضاع الجثث في القبور بين تلك الممتدة على ظهورها وتلك الممتدة على الجنبين أو بثني الأرجل.
عادةً ما توضع قطع قليلة من الأثاث الجنائزي مع الميت داخل القبر، وهي عبارة عن أدوات بسيطة كانت في الغالب من الأمتعة والممتلكات الشخصية للمتوفي، وتتضمن حالياً أدوات للزينة كعقود الخرز وأساور وأقراط من البرونز.
ويقول خبراء الاثار في الشركة إن الأثاث الجنائزي المتواضع ينم عن الحالة الاقتصادية المتواضعة لأصحاب تلك القبور وعلى أن العائدات الاقتصادية من الزراعة في المستوطنة الزراعية حينذاك في درباس كانت متدنية.
|