د/عبدالعزيز المقالح -
عن أي حقوق إنسان يتحدث الغرب؟
ليس غريباً أن ينقسم البشر تجاه وثيقة حقوق الإنسان التي تم إعلانها في مثل هذه الأيام منذ ستين عاماً، لكن الغريب أن يتنكر لها من يباهي بها ويدعي تبنيها، كما هو الحال مع الإدارات الأمريكية المتلاحقة والأخيرة منها على وجه الخصوص، وقبل أن نشير إلى معالم ذلك التنكر دعونا نتحدث عن أهم فريقين مختلفين إزاء تلك الوثيقة وهما:
أولاً: فريق المتفائلين الذين يرون في الوثيقة حلماً إنسانياً في طريقه إلى التحقق، ويكفي أنها نجحت حتى الآن في إنشاء هيئات ناطقة باسمها ومؤيدة لنهجها وفي خلق حالة وعي بالحقوق التي على الإنسان أن يناضل من أجلها وأن يجعل منها هدفاً لنيل حقوقه السياسية والاجتماعية المسلوبة.
ثانياً: فريق المتشائمين الذين يرون في تلك الوثيقة أكذوبة خادعة كانت وما تزال - بعد ستين عاماً - حبراً على ورق وأن الدول الكبرى المهيمنة التي أفادت منها في تحقيق أهدافها المتمثلة في نهب ثروات العالم وتكديسها وبناء صروح القوة المفترسة لروح الإنسان وجسده وأحلامه واللعب بكل مقدساته التي كانت تمنحه قدراً كبيراً من الإحساس بالأمان والشعور بالطمأنينة.
وإذا كان الصوت المتشائم هو الأعلى والأكثر تأثيراً في الواقع الراهن تجاه هذه الوثيقة، وفي الوطن العربي والعالم الثالث بخاصة, فإن أكثر المتشائمين هم أولئك الذين يتساءلون بمرارة عن الإنسان نفسه أين هو أولاً قبل أن يتم الحديث عن كيفية مطالبته بحقوقه أو السعي إلى انتزاعها، ودليل المتشائمين عموماً يأتي من أن الإنسان في العالم الثالث يعاني من أمية مركبة تجعله لا يفقه حقوقه ولا يشعر بغيابها, وإذا وعاها أو أدرك شيئاً من أهميتها فإنه لا يعرف الطريق إلى تحقيقها نتيجة لقصور ما تطرحه الهيئات المعنية من تعريف بهذه الحقوق والاكتفاء بالتركيز على القضايا الهامشية، يضاف إلى ذلك عجز الأحزاب عن تبني هذه الحقوق وحشد الجماهير الواعية للتطوع في هذا الميدان المفتوح.
وإذا كان لا بد من كشف مصدر التآمر السافر والخفي على وثيقة حقوق الإنسان فإن الإدارات الأمريكية والإدارة الأخيرة برئاسة جورج بوش خاصة قد طعنت وثيقة حقوق الإنسان في الصميم وارتكبت عدواناً شنيعاً جعلت العالم الثالث يتساءل: كم من الجرائم والآثام يرتكبها الطغاة باسم حقوق الإنسان والحرية. وقد كان غزو العراق وقتل مليون من أبنائه والعبث بمقدراته وتاريخه وزج عشرات الآلاف من مواطنيه في السجون ومعاملتهم بقسوة تتضاءل أمامها قسوة جنكيز خان وهولاكو، كانت إهانة بالغة وإهداراً للمنطق وللمبادئ التي قامت عليها الوثيقة التي أدانت الحروب والاعتداء على حرية الإنسان وكرامته. أما ما حدث ويحدث في فلسطين فهو الأفظع والأسوأ والدليل الأوضح على موت وثيقة حقوق الإنسان.
محمد عثمان في روايته الأولى:
عندما قرأت ترجمته البديعة لرواية "بلزاك والخيّاطة الصينية الصغيرة" للروائي الفرنسي "ديه سيجي" أدركت أن بين سطور الترجمة يكمن روائي متميز، لذلك لم يفاجئني بروايته الأولى "رجة تحس بالكاد" التي تشكل حلقة مهمة في سلسلة الروايات اليمنية بأسلوبها وطريقة تعبيرها. محمد عثمان مبدع شديد التواضع يعمل بصمت، وهكذا هم المبدعون الحقيقيون في كل زمان ومكان.
تأملات شعرية:
هل كانت صك عبوديتنا
ووثيقة إقصاء الإنسان
عن الإنسان؟!
مُذْ كتبوها بالحبر الخادع
ونزيف الدم
يطاردُ أبناءَ الأرض
وينشرُ فيها ألوية الأحزان.
هذا العالم محكومٌ بالقهر
سجيناً يحرث أوهام الخيبة
في كل مكان!