د/عبدالعزيز المقالح -
اغتيال رمزي لرئيس الدولة الأعظم
حدث مدهش ومثير، ذلك الذي وقع في بغداد يوم الرابع عشر من هذا الشهر (ديسمبر 2008م) ولم يكن ذلك الحدث في حقيقته الرمزية والمعنوية - في رأي غالبية المهتمين بالشأن السياسي والفكري- سوى عملية اغتيال بكل ما للكلمة من معان وأبعاد، صحيح أنه اغتيال رمزي ومعنوي، لم تسفك فيه قطرة دم واحدة، إلاَّ أنه كان أبلغ- في تأثيره وصداه- من كل الاغتيالات التي شهدها العالم منذ أقدم الأزمنة وحتى اليوم، فقد استطاع صحفي عربي شاب أن يغتال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية شخصياً، وعلى مرأى ومسمع من كل العالم، دون أن يستخدم في عملية الاغتيال هذه أي سلاح قديم أو حديث مكتفياً بفردتي حذائه لاغير، وبذلك يكون الحذاء قد سجل أول عملية اغتيال ليس في نوعها وحسب، وإنما في حجمها وأهميتها، فالذي تم اغتياله ليس أي إنسان، وإنما هو رئيس أكبر قوة غاشمة طال نفوذها العالم، وانتشرت أساطيلها البرية والبحرية والجوية في عموم الأرض، وصارت الشمس لا تغيب عن حرائق الحروب والفوضى التي تصنعها، لا سيما بعد أن غدت الفوضى في الآونة الأخيرة هواية خلاقة لدى إدارة هذه القوة الغاشمة، التي أوصلت العالم بأكمله إلى حافة الإفلاس واليأس.
وتشير قراءة الأحداث المتلاحقة في عالم اليوم إلى أن "المرحوم" الرئيس "جورج بوش" كان مكروهاً - عالمياً وأمريكياً- حد الموت، من قبل أن تدخل قواته العراق، وقبل أن يقتل مليوناً ومائتي ألف عراقي، ويتسبب في تشريد خمسة ملايين من أبناء هذا الشعب الذي تحولت أرضه إلى مقابر لها أول وليس لها آخر، وأصبح يسير عليها مئات الآلاف من الأيتام الذين قد لا تجد غالبيتهم العائل والمأوى، وبالنسبة لي فلا يوازي كراهيتي لهذا الرئيس الذي تم اغتياله بفردتي حذاء سوى حبي للشعب الأمريكي، ولأبنائه الذين استطاعوا أن يَبْهروا العالم بحبهم للحرية وبقدرتهم على التعايش الرائع، وهم خليط من الأجناس والألوان والأعراق، ولأنهم استطاعوا أن يقاوموا كل أشكال العنصرية، وأن يختاروا رجلاً ملوناً من أصول أفريقية ليكون رئيساً لهم، لذلك أحبهم وأحترم اختياراتهم، وأحزن أشد الحزن لابتلائهم في السنوات الأخيرة برئيس لم يترك وسيلة من الوسائل القذرة إلاَّ واستخدمها، لإثارة العداء والكراهية ضد الشعب الأمريكي بما ارتكبه هذا الرئيس من حماقات ومغامرات، ومن تشويه متعمد لمعاني الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لا عجب إذا أثار اغتيال كهذا بفردتي حذاء اهتمام العالم وإعجابه، وإذا كان البعض يرى أن فردتي هذا الحذاء حققتا وهما تحلقان في فضاء القاعة المغلقة والمعدة للمؤتمر الصحفي، نوعاً من الإيقاع الشعري الهامس والبديع ورأى فيهما الشعراء والرسامون صورة لحمامتي سلام ضاقتا بصانع الحروب، ومؤجج الكراهية فطارتا نحوه لتخليص العالم من شروره، وقد نجحتا تماماً، صحيح أنه ما يزال يتحرك ويتكلم ويهدد ويتوعد، لكنه بالنسبة للعالم أصبح ميتاً معنوياً ومادياً من قبل انتهاء مدة رئاسته، والمؤلم أن اغتياله لم يحدث إلاَّ بعد أن ملأ العالم خراباً وبؤساً، وأغرق العراق بالدم والصراعات الطائفية والمذهبية، ولم يترك بلداً في العالم ليس فيه بقعة من الدم نتيجة أحلامه الامبراطورية الفاشية من جهة، وما أعلنه - من جهة أخرى- من حرب هوجاء على ما يسمى بالإرهاب دون نظر في الأسباب ويصعب عليه - الآن- أن يجد من يدافع عنه، فقد حدث كل شيء سيئ في هذا العالم بتوجيهاته المباشرة أو غير المباشرة، أو بإيحاء حازم من إدارته التي استولى عليها من يسميهم الأمريكان بالمحافظين الجدد، وهم قيادات لجماعات ضالة مهووسة باستعجال القيامة.
كما تبقى في هذا الحديث إشارة لابد منها للرد على ذلك النفر من العرب "المتحضرين جداً" والذين استنكروا أسلوب الاغتيال وذهب الغباء ببعهضم إلى القول بأن بوش كان ضيفاً على العراق، وتناسوا أن الصحفي الشجاع منتظر الزيدي يمثل المقاومة العراقية، وأن بلاده في حالة حرب مع جنود طالما وضعوا أحذيتهم الثقيلة على وجوه العراقيين ورؤوسهم في صور تستعصي على الوصف والحصر. كما أن بوش ليس سوى مجرم حرب جاء إلى العراق لرفع معنويات قواته المحتلة، ولتوقيع وثيقة إذلال واحتلال دائم لعراق العروبة والبطولة والفداء.
الشاعرة عائشة المحرابي في "أنين الياسمين":
في مقدمته البديعة للديوان كتب الشاعر الكبير حسن عبدالوارث كلمات تبعث الأمل وتعيد الدفء إلى نفوس الشعراء، من خلال رؤيته المتفائلة التي تؤكد على أن الشعر يزدهر ويتنامى ويعبر عن "حاجة الإنسان الماسة للجمال والخيال والموسيقى واللغة". وبدوري أشارك الصديق العزيز تفاؤله، وأرى أن تزايد عدد الأصوات الشعرية النسائية من أبرز الأدلة على ما نذهب إليه، وما الشاعرة عائشة المحرابي إلاَّ واحدة من رائدات هذه القافلة الرافدة للشعر، والمؤكدة على استمراره وتناميه.. الديوان من إصدارات مركز عبادي للدراسات والنشر.
تأملات شعرية:
رائع ذلك الاغتيال
كأن الفتى العربي الذي شنق
الاحتلال بخيط من الجلد
يكره لون الدماء.
كان يعرف أن العراق غريق
ببحر من الدَّم
لا السيف يجدي مع المعتدين
ولا البندقية
لم يبق إلاَّ الحذاء.